الانتصار السريع للجيش العراقي وقوى الأمن الأخرى المدعومة من الحشد الشعبي في صلاح الدين وقبله في محافظة ديالى، أذهل وأربك العدو، كما فاجأ الإدارة الأمريكية، والدول الإقليمية الداعمة لداعش، وأغاظ السياسيين الدواعش المشاركين في العملية السياسية الذين تعلو أصواتهم هذه الإيام لتشويه سمعة الحشد الشعبي، لإدراكهم دوره الكبير في دعم الجيش، وتحقيق الإنتصارات التي أزعجت جميع هذه القوى المعادية، لأن هؤلاء لا يريدون أن يتحقق الإنتصار قبل تحقيق أهداف مشروع داعش، وهو إسقاط العملية السياسية، أو تقسيم العراق والحرب الأهلية الطائفية، مع تدمير البنى التحتية، وهذه أمنية أمريكا وإسرائيل.
يتعاون مع أمريكا وإسرائيل لتحقيق أمنيتهما المشتركة الحكام الأعراب، إضافة إلى الحكومة التركية المحسوبة على فكر جماعة الأخوان الذين لا يعدون إسرائيل عدوة للعرب والمسلمين، وظهر هذا الموقف واضحا من خلال سلوك الإخوان في مصرعندما استلموا السلطة، وكذلك سلوكهم في الإردن ودول أخرى، ومن داخل العراق يتعاون مع أمريكا مجموعة من السياسيين الكرد بزعامة مسعود البارازني، مع شلّة من السياسيين المحسوبين للأسف على الشعب العراقي، وهم لا ولاء ولا حب لهم للعراق، ويتكلمون باسم سنة العراق، أمثال طارق الهاشمي ورافع العيساوي وعلي سليمان الدليمي، مع بعض السياسيين المشاركين في العملية السياسية .
مسعود البارزاني يرتبط بعلاقات جيدة مع إسرائيل، وقد أكد وجود هذه العلاقات في مقابلة تلفزيونية الصهيوني ( ألي هازر ) مسؤول الموساد عن كردستان وإيران، حسب ما قدمه مذيع إحدى الفضائيات الكردية، وكان يتكلم العربية والظاهر أنه يتكلم الكردية أيضا، وقد ألّف كتابا أسماه ( أنا كردي)، ذكر ( ألي هازر ) أن إسرائيل تدرّب البيشمركة منذ عشر سنوات، وأكد وجود مستشارين ومدربين إسرائليين في كردستان، أما مسعود البارزاني فأنه يعمل بجد ونشاط وبشكل مكشوف للإنفصال عن العراق، وقد طار فرحا عندما سمع بيان الكونجرس الأمريكي الذي أعلن فيه تشريع قانون يتعامل مع الكرد والسنة كدولتين منفصلتين عن العراق، تحت عنوان تجهيز المكونين بالسلاح من دون الرجوع إلى الحكومة المركزية، وبمجرد سماعه الخبر رحب بالقانون، فسافر على الفور إلى أمريكا ليتفاهم مع الإدارة الأمريكية حول الدولة الكردية المزعومة، وقد لحق به بعض السياسيين السنة حسب ما ورد في بعض الوكالات، وذكرت هذه الوكالات اسم أثيل النجيفي ورافع العيساوي وربما لحق بهما آخرون، علما أن وفدا من السياسيين السنة ممن يتبنون مشروع التقسيم، قد زار أمريكا قبل إعلان الكونجرس، فالطبخة معدة سلفا، والقانون جاء بتبني اللوبي الصهيوني المسيطرعلى إرادة الكونجرس، الذي يدفع باتجاه تقسيم العراق.
نرى إقليم كردستان الساعي للانفصال يقيم علاقات حسنة مع إسرائيل التي أكدها (ألي هازر)، وإسرائيل تعول كثيرا على انفصال كردستان عن العراق كي تتخذ منه قاعدة متقدمة ومجاورة لإيران، وقد جاء إعلان الكونجرس بمثابة الضوء الأخضر لمسعود كي يتقدم للأمام باتجاه إعلان دولته الكردية، وهذه النوايا المبيتة مع مسعود هي التي دفعته لاحتلال مدن وقرى من المحافظات المجاورة لإقليم كردستان كي يضمها إلى دولته الكردية المزعومة، مستغلا فرصة وجود داعش، وهذا يؤكد فرضية أن المسؤولين الكرد في كردستان، مع بعض السياسيين السنة كانوا من المتعاونين لإدخال داعش إلى الموصل وبقية المحافظات، لإتخاذ داعش مبررا لتقسيم العراق، ولهذا السبب لا تقبل هذه الأطراف المتآمرة مع أمريكا بإخراج داعش من العراق قبل تحقيق هدف التقسيم .
السياسيون السنة الساعون لتقسيم العراق وبعضهم من الهاربين لأنهم مطلوبون للقضاء العراقي بتهم إرهاب وفساد، يتلقون الأوامر والتعليمات من الحكام الأعراب عملاء أمريكا وإسرائيل مقابل ضخ دولارات نفط الخليج إلى جيوبهم، وأغلبهم يعيشون في فنادق أربيل أو الأردن أو دول أخرى، هؤلاء مرتزقة يتحركون تلبية لنداءات دولارات النفظ الخليجي، وهم يبيعون مواقفهم لمن يدفع أكثر، وقد أكد هذه الحقيقة الشيخ حميد الهايس في مقابلة تلفزيونية على أحدى الفضائيات، عندما استذكر أيام ساحات الإعتصام في الإنبار ، إذ طلب الإنتهازي علي حاتم سليمان الدليمي من خلال الشيخ الهايس مبلغا من المال مقابل انسحابه من ساحات الإعتصام، وهذا يؤكد أن جميع هؤلاء الإنتهازيين والطائفيين مرتزقة يحركهم الدولار .
بما أن الحشد الشعبي قد حقق الانتصار مع الجيش وبقية القوات المقاتلة، في ديالى وصلاح الدين وهو سائر لتحقيقه في الإنبار، وهذا مما يفوت الفرصة على السياسيين السنة إعلان دويلتهم المعوقة، اختلقوا الأكاذيب للتأثير على عمل الحشد، وقد حيكت هذه الأكاذيب بإتقان فني كبير لغرض منع الحشد الشعبي من التقدم إلى الأمام في تحقيق الانتصارات وسحق داعش ومعهم دواعش البعث الطائفي، إن ما يزعج أمريكا وحلفاؤها، هو القضاء على الحواضن التي تحتضن داعش وترعاها في صلاح الدين والأنبار والموصل، وحواضن داعش لها امتدادات من السياسيين داخل العملية السياسية، وهؤلاء هم من تتعامل معهم أمريكا ودول الأقليم التابعة للنفوذ الأمريكي والصهيوني.
الضجة المفتعلة ضد الحشد الشعبي من السياسيين الدواعش، أثّرت على موقف الحكومة التي تداري الضجيج حتى لو كان مفتعلا، طلبت الحكومة من الحشد الشعبي أن ينسحب من تكريت قبل إكمال التطهير، وهذا ما يريده السياسيون الدواعش، كما إنّ إبعاد الحشد الشعبي عن ساحة المعركة في تكريت قبل إتمام عملية التطهير الكامل، شجع دواعش السياسة ليتمادوا أكثر في الطلبات غير المشروعة، وقد ازدادت هذه الطلبات والضغوط بعد زيارة السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى واشنطن، لقد أصبح واضحا إن أمريكا تتبنى طلبات السياسيين الساعين لتقسيم العراق مستغلة ظروف وجود داعش .
الشعب العراقي صاحب تجربة مع أمريكا، لم يلمس الشعب من أمريكا إلا الوعود الكاذبة والتسويف خاصة في مجال تسليح الجيش العراقي، مع طرح مشاريع التقسيم وإثارة النعرات الطائفية والقومية بالتعاون مع البعثيين والسياسيين الدواعش، لقد تيقنت أمريكا وحلفاؤها أن النصر سيتحقق إذا شارك الحشد الشعبي مع الجيش العراقي في عمليات التحرير، وهذا أمر لا يروق لأمريكا لأنها صاحبة مشروع في العراق والمنطقة، وما لم يتحقق مشروعها لن تسمح بالقضاء على داعش، وهذا الهدف على الأقل ما تتمناه أمريكا وإسرائيل وحلفاؤهما، هذه المعادلة أصبحت واضحة ومكشوفة يقرأها كل عراقي غيور.
الشيخ قيس الخزعلي أمين عام عصائب أهل الحق المشاركة ضمن تشكيلات الحشد الشعبي، قرأ المشهد السياسي وكشف عن خيوط المؤامرة على العراق قبل أن يعلن الكونجرس الأمريكي مشروعه الصهيوني للتقسيم بأيام قليلة، إذ ألقى كلمة جامعة ومهمة من خلال فضائية العهد، مساء يوم ( 26 / 4 / 2015 م )، سلط فيها الضوء على محاور عدة، وتحدث عن مسار العملية السياسية، والمؤامرة الكبيرة التي تحاك باشراف أمريكا لإسقاطها، أو تقسيم العراق، وعدّ حالة الفساد المستشرية في جسد الدولة العراقية، وسيلة من وسائل إضعاف الدولة بغية إنهاكها وتسقيطها، فالمفسدون يشاركون داعش والسياسيين الدواعش في خراب الدولة العراقية.
قراءتي بعد أن استمعت لكلمة الشيخ الخزعلي أن الوضع في العراق خطير جدا، خاصة إذا بقي بعض السياسيين المحسوبين على الصف الوطني يسيرون وفق النصائح الأمريكية، لأن نصائح أمريكا قنابل موقوتة، وقد أثبتت الأحداث في العراق هذه الحقيقة، وفي رأيي إن أول قنبلة زرعتها أمريكا بالإتفاق مع السياسيين الكرد والسنة واستغفال السياسيين الشيعة هي بند الفيدرالية، التي طبّل لها الكثير من السياسيين ولا زال البعض يطبل لها، فهي أول قنبلة موقوتة لتقسيم العراق.
أمريكا أخلت بالعهود والمواثيق التي عقدتها مع العراق، وأول هذه العهود عدم تسليح الجيش العراقي، فهي تماطل وتخلق المبررات منذ إنهاء الإحتلال إلى يومنا هذا، في حين دفعت السلاح إلى البيشمركة بسرعة كبيرة عندما دخلت داعش إلى العراق، أمريكا لا تريد لداعش أن تخرج من العراق قبل إتمام مشروع التقسيم الذي أعلن عنه الكونجرس قبل أيام، وقد رحب مسعود البرزاني ومجموعته بالمشروع، وكذلك رحب بمشروع التقسيم سنة أمريكا القابعون في فنادق أربيل والأردن ودول أخرى، ولا بد أن يعرف أنصار مشروع التقسيم من الكرد والسنة، إن الدولية السنية التي تريد أمريكا والصهيونية صنعها في العراق، ستكون تابعة لنفوذ السعودية أو تركيا وقطر، أي ستكون ضمن محور الاستسلام لإسرائيل، أما الدويلة الكردية لو صنعت فستكون مقاطعة تابعة لتركيا، وكلا الدويلتين السنية والكردية ستكونان قاعدتين لأمريكا وإسرائيل للعدوان على إيران، ونؤكد أن هذا الكلام لدعاة التقسيم مجرد تمني، والتمني رأس مال المفلسين، فالشعب العراقي واع لكل هذه المؤمرات وسيفوت الفرصة على أعداء العراق .
على ضوء هذه التطورات نهيب بكل عراقي غيور محب للعراق، أن يأخذ دوره كل من موقعه لإحباط هذه المؤامرة الصهيونية الأمريكية، التي حيكت خيوطها بعناية كبيرة من قبل أعداء العراق، بالإشتراك مع سياسيين محسوبين على السنة، والمحور الكردي بقيادة مسعود البارزاني، ونقول لمسعود لن تهنأ بدوليتك الكردية لو تشكلت لأنك ستكون طعما شهيا لإسرائيل وتركيا، أما الدولية السنية فلن يتصدى لها إلا السياسيين الدواعش التابعين للمحور السعودي، أو المحور التركي القطري، وكلا المحورين تابعين للنفوذ الأمريكي الصهيوني .
إننا واثقون من قوة وإرادة الشعب العراقي الذي يرفض التجزئة والتقسيم، ونقول لمسعود ومجموعة السنة التابعة للنفوذ الخارجي، أنكم تعيشون في أحلام اليقظة، وسيحبط الشعب العراقي المؤامرة الأمريكية الصهيونية، وقد عرف الشعب الهدف من الهجمة الشرسة على الحشد الشعبي خاصة بعد إعلان المشروع الأمريكي لتقسيم العراق، لأن الحشد الشعبي بيده مفتاح النصر، وقد تأكد الأمريكان وأعوانهم من هذه الحقيقة بعد تحرير تكريت، ولهذا أثيرت الضجة عن الحشد الشعبي من قبل أعداء العراق أنصار مشروع التقسيم.
الآن بعد أن توضحت الصورة، مع إعلان المشروع الأمريكي لتقسيم العراق، يفترض بالسياسيين والمسؤولين المحسوبين على الصف الوطني، توحيد صفوفهم لدعم الحشد الشعبي، لأن النصر على داعش لن يتحقق إلا بإشراك الحشد الشعبي في المعركة، وأمريكا وحلفاؤها لا يريدون أن يتحقق النصر على داعش قبل تقسيم العراق، وما أدخلت أمريكا داعش إلى العراق إلا من أجل تقسيمه بدعم من مسعود البارزاني، وبعض السياسيين السنة الهاربين من القضاء العراقي، ومنهم مشاركون في العملية السياسية من دعاة تقسيم العراق الذين وفروا الحواضن لداعش .
لقد أشرّ الشيخ الخزعلي على مواطن الخلل، ووضع النقاط على الحروف، قبل أن تعلن أمريكا عن مشروعها لتقسيم العراق، وهذا دليل على صحة قراءة الشيخ قيس الخزعلي للمشهد السياسي، وهو رجل يعيش في قلب العاصفة، وقد نبّه الشيخ الخزعلي إلى عدد من الأمور المهمة التي لها علاقة بمستقبل العراق، نشير إلى قسم منها، نبّه إلى ضرورة أن يكون القرار السياسي العراقي وطنيا وخارج التأثيرات الإقليمية والدولية، ونبّه إلى أن قرارعدم إشراك الحشد الشعبي في عمليات التحرير هو خضوع للإرادة الأجنبية المتعاونة مع داعش، وهو خدمة للمشروع الأمريكي الذي يريد تقسيم العراق، أو إسقاط العملية السياسية لصالح الدواعش والبعثيين، ومن المؤشرات المهمة التي أشار إليها الخزعلي شيوع ظاهرة الفساد على مستوى المسؤولين الكبار، وسمّى الظاهرة ( الإقطاعيات )، ولابد من علاج هذه الظاهرة التي أضرت بالعراق كثيرا، إذ لم يتم محاسبة أي مفسد كبير، بل خضعت هيئة النزاهة للمساومات السياسية .
وأخيرا نبّه إلى أمر مهم جدّا، وهو أن الأمور إن لم تصلّح وتوجّه في المسارات السليمة، فإن الشعب سيقول كلمته، وله القول الفصل في ذلك، أرى إن كلمة الشيخ الخزعلي عبرت عن نبض الشارع العراقي .
ونحن بدورنا نحيي المجاهد البطل الشيخ قيس الخزعلي، ونحيي المجاهد البطل هادي العامري وجميع القادة المجاهدين الأبطال الذين استجابوا لنداء المرجعية، ولإرادة الشعب العراقي في الدفاع عن الوطن والمقدسات .

بقلم: علي جابر الفتلاوي