الغيرة والحسد , وإن جمّلتَ القول فقل عنهما  :الغبطة والتنافس , هذه طبائع جُبل عليها الإنسان من أجل الصراع الحيوي – ولا أعرف سلوك الجمادات – المتعدد الجوانب على هذه الأرض  , وإذا عجز عن الفعل (الأنسان المتعاجز)  للحاق بالإنسان الآخر يلجأ للنفاق والقيل والقال لتخفيف عبء ما يختلج في نفسه من تراكمات الصراع النفسي المكبوت بالعُقد , أو ما يعانيه من كسل وإهمال  , فلا هو يركد مثل الحكماء ويسكت ويتفهم الأمور بعمق  , ولا هو يطفو مثل عامة الناس للعيش بعفوية ولا يبالي بهذه الأشياء لأنها ليست من شغله أو أكثر وقتاَ مما يتوفر لديه للقيام بها   , وترى هذا لصراع في كل المجالات المادية والاجتماعية والقيادية والقكرية والإبداعية , والصراع الشريف مشروع لكل الناس , فالناس سواسية في قابلياتهم , لو استغلوها أحسن استغلال , ونظموها أفضل تنظيم    , ولكنهم يحتاجون إلى عزيمة جبارة , و إصرار عنيد , ومواصلة مستمرة , ولـِ (الأنا ) , وإبراز الذات  دور فعال للنجاح فيها , و (الأرادة ) القوية هي التي تحرك (العقل) وتسيره وتفعّله , كما ذهب شوبنهور الألماني (ت 1860م) , وما (عقل ) الجاحظ والمعتزلة والمتنبي والمعري إلا كناية عن( الإرادة ) ,  فالناس كلهم  يمتلكون العقول , ولكنهم لم يستغلوا إلا الجزء اليسير من قدراته الهائلة بسبب ضعف الإرادة  , بل يعتبر الدكتور الوردي , وربما استعار المعنى من ( الفريدأدلر- 1937م) , إن العقل عضو كالناب والعين والعضلة وأشواك النباتات  , وإنما يتميز عند من يحسن استخدامه ويطوره ويعوّده , ومن هنا وردت كلمة عالم البيئة الأمريكي في العصر الحديث الحديث ( جون واسطن) مؤسس المدرسة السلوكية العلاجية (تأسست 1913م) بقوله :  «أعطوني عشرة أطفال أصحاء أسوياء التكوين فسأختار أحدهم جزافًا وأدربه فأصنع منه ما أريد: طبيبًا أو فنانًا أو عالمًا أو تاجرًا أو لصًا… بغض الطرف عن ميوله وسلالة أسلافه “, ومن هنا أيضاً جاءت كلمة   ثلثي العبقرية كدٌّ وتعبٌ , وأنا أزيد حتى  80% , لا يكفي الإنسان أن يمتلك بوادر العبقرية وراثياً – إن صح التعبير –   وتبقى نقطة لا تنمو ولا تثمر إلا بالسعي والإصرار  .
إذن الطبائع الإنسانية والصراع وحب الجاه مادياً واجتماعيا وعلميا وابداعيا ,  تقف وراءه الإرادة الشريفة التي منحها الله لعبده , يقول حافظ ابراهيم :
فــإذا رزقــت خـلـيقة مـحـمودة *** فـقـد اصـطـفاك مـقسم الأرزاق
فـالـناس هــذا حـظـه مــال وذا***  عــلـم ٍ وذاك مــكـارم الأخـــلاق
ا –  سرقة أعمال المبدعين ونحلها لمن لا يستحقها ويفقهها :
إنّّ بعض الناس من  أنصاف القادرين والمثقفين , ممن يريد الشهد دون إبر النحل , يحاول الوصول إلى الشهرة العلمية أوالإبداعية الخالدة دون طرق شرعية – شهرة المغنيين ولاعبى الرياضة وملكات الجمال غير خالدة لانها عضلية وعضوية –  والشهرة ما هي بعمل هين دونها الأهوال والصواعق والأعاصير  , ومن هؤلاء  يتخيلون سرقة أعمال الغير لتكفيهم شر القتال والصراع , وينسون التواصل والإصرار إلى آخر رمق من الحياة  , وهذه الظاهرة قديمة قدم الإبداع الأدبي والعلمي  من قبل الإنسان , يقول الأساذ ( ريوقي عبد الحليم – المجمع الجزائري للغة العربية)  في مدونة (الأدب واللغة) ,  ” فالسّرقة الأدبيّة قديمة قدم الإبداع الأدبي  “فأسطورة أوديب [على سبيل المثال هي] أسطورة قديمة ألّفها “هوميروس” في نصف القرن التّاسع قبل الميلاد في النّشيد الحادي عشر من ملحمة الأديسيا، وفي القرن الخامس قبل الميلاد جاء ثلاثة شعراء يونانيين كبار هم: “أسخيلوس”،”سوفوكليس” و”يوربيديس”، وأعادوا كتابتها لإعجابهم بها، وأعادها كتاب كثيرون مثل الشّاعر الإنجليزي “دريدن” في القرن السّابع عشر بعد الميلاد، والشّاعر الإيطالي “الفييري” في القرن الثّامن عشر بعد الميلاد، أمّا الفرنسيون فقد فتن شعراؤهم، وكتابهم بقصّة أوديب منذ أواخر القرن السّادس عشر إلى أن وضع كورناي قصّة تمثيلية لأوديب فتن بها معاصريه” (1) , ويؤكد قوله بأنها سرقات بمواصلته الكلام :
“والسرقات الأدبية عرفت طريقها إلى الفكر العربي منذ العصر الجاهلي وحسبنا هنا قول طرفة بن العبد ( ت حوالي 72 ق هـ)
ولا أغير عــلى الأشعار أسرقها ****عنها غنيـــت وشرّ النّاس من سرقا
وإن أحسن بيت أنت قائـــله*** بيت يقـــال إذا أنشــدته صدقا[4
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه في شعره الذي قاله قبل إسلامه (ت 50هـ):
لا أسرق الشّعراء ما نطقوا بل   ***لا يوافق شعرهم شعري ” (2).( النجوم بين الأشطر من وضع كاتب هذه السطور) .
رأي الأستاذ (يروقي ) حسب وجهة نظري  المتواضعة عليه مؤاخذات كثيرة , وفق هذا العصر والعصور القديمة ,هذه ليست بسرقات ولا توارد خواطر ولا هم يحزنون ,فهوكرر كلمة السرقة والسرقات مرتين ,و الأساطير كتب عنها كثير من عباقرة الدنيا بلغتهم وأسلوبهم وبثوا فيها  من روحهم وأنفاسهم لتحول إلى إبداع جديد , وتطور  التجديد  حسب ملائمة عصورهم , وأذواق ناسهم ,  وقد ذكرنا في حلقة أخرى ٌقول المازني ” وتعجبني كلمة كتبها جُوته إلى معاصره وزميله شِلـّر , قال :
” لقد عادت النفس فحدّتني أنْ أنظم في قصة ” وليم تل ” قصيدة , ولست أخشى عليّ من روايتك . ولا بأس عليك منـّي , ولا بأس عليّ منك ” . (3) , والقصة المسرحية لشيللر  تتكلم عن اسقلال سويسرا , وبطلها ( وليام تل ) , كتبها قبل (200)عام , أي بعد (500) عام من التحرير والبطل السويسري.
وقل لي رجاء كم من العرب والمسلمين كتبوا عن سيرة النبي (ص) , وكل سيرة عمل تاريخي وديني وإبداعي مستقل , هل هذه سرقات ؟! أبدأ من سيرة ابن هشام , ثم هذبها عبد السلام هارون , وسيرة ابن كثير , وسيرة ابن إسحاق ,و جوامع السيرة لابن حزم الأندلسي , وسيرة السيد محسن الأمين , وعلى هامش السيرة د . طه حسين , وحياة محمد للمستشرق الفرنسي أميل در منغم , وحياة محمد  د. محمد حسين هيكل , وعبقرية محمد للأستاذ العقاد . ناهيك عن كتب المغازي , هذه ليست كتب سرقات ولا توارد خواطر , كل واحد بكتب بإسلوبه الإبداعي , تقرأها كلها و لا تمل وتقول هل من مزيد؟! وكذلك من كتبوا عن جلجامش وانكيدوا والإمام(ع) , الخليفة عمر بن الخطاب والمتنبي وأبي العلاء المعري  عشرات المؤلفات والترجمات ,هل هذه سرقات , وتواردخواطر ؟كلا هذا إبداع لا تشوبه شائبة , بشرط عدم سرقة تشكيلات الصياغة البلاغية , والمعاني والأفكار الخاصة   .
أما الشعر الذي ذكره الأستاذ , ليس فيه مصداقية لسرقة , لكن القيل والقال والحسد والصراع للكسب المادي والجاه يدفعهم لدفاع عن النفس وهجاء بقية الشعراء في عصور كان للشعر منزلة اجتماعية رفيعة  ,ربما تأتي كلمات أو جمل  من غـَرف بحر اللغة دون تقصد  مشابهة لمن سبق  أن استخدمها , ومن هنا تأتي نصيحة الأصمعي لأبي نؤاس أحفظ عشرات الآلآف من أبيات الشعر , وحفظها خلال سنتين , ثم قال إذهب سنتين لنسيانها , ولما حصل على ثروة لغوية , , قال له أبدأ بالنظم الآن , ولكن من البديهي أن تتوارد كلمات أو جمل مما حفظ في شعره دون تقصد  , وقد تقحم الذهن خواطر متشايهة – كما سنتكلم في النقطة الثانية من هذه الحلقة , وأنا أتكلم عن الشعراء الشعراء , وليس عن أنصاف الشعراء , وأنصاف الموهوبين , ولكن قبل الأنتقال أنقل لكم هاتين الحادثتين .
إ – تعارف نقاد الأدب قديماً وحديثاً على أن  الشاعر (السارق) الآخذ من زميله معنى , وأجاد فيه , وأحسن عرضه , وأضاف فيه , فالسرقة تكون محمودة , فهذا سلم الخاسر بن عمرو بن حماد البصري عجبه بيتاً لبشار بن برد يقول فيه :
من راقب الناس لم يظفر بحاجته         وفاز بالطيبات الفاتك اللهجُ
فصعد (سلم الخاسر) الرابح ,واستلهم المعنى بإيجاز وبلاغة قائلاً :
من راقب الناس مات همّاً     وفاز باللذة الجسورُ
وغضب بشار كثيراً , لأن الناس أخذوا يرددون بيت (الخاسر) ,وعبروا بيت بشار ونسوه , وذكر الجرجاني في (الوساطة) قول بشار , وسرقات حماد لشعره :
إذا أنشد حماد      فقد أحسن بشار
هذا قول مجاملة , ما زال شطر سلم الحماد يكتب مثلاً في كل مكان ( من راقب الناس مات همّاً )
ب – من المضحك المبكي , إن الدكتور طه حسين قد نقد ديوان إيليا أبي ماضي (الجدوال) في الجزء الثالث من (حديث الأربعاء)يشكل فيه من القساوة الشديدة , فيرى أن شعره مضطرب المعاني , ضعيف الموسيقى , رديء اللغة , والقضية الوحيدة التي أثنى عليها هي قصيدة (الطين) , أعجب بسمو ها الإنساني , وجعلها في مقدمة شعر المحدثين , ولكن أخذ عليها قافيتها (الدال الساكنة)التي ينقطع عندها النفس , ولكن هذه القصيدة الرائعة , يقول عنها الباحث الأردني روكس بن زائد العزيزي عام 1954 م , إنها مسروقة المعاني كاملة (محال توارد خواطر) من شاعر بدوي مغمور يدعى (علي الرميثي) , وأذيعت هذه القصة من (محطة الشرق العربي), وتناولتها صحف عديدة لا تقل عن خمس عشرة صحيفة , وإليك بعض المقارنة بين القصيدتين التي أوردها  العزيزي بيتاً بيتاً , وعليك الحكم والفصل ,أما أنا فرأيي بالطبع من رأي (عزيزي) , ولوأنني  أجلّ (أبا ماضي) بأعظم الأحترام , ومعجب بشعره شديد الإعجاب , ولكن أقرأ وقارن :
الرميثي: يا خوي ما نحن فحمة ما بها سنى ***ولا أنت شمس تلهب الدو بضياه
أبو ماضي : يا أخي لا  تملْ بوجهك عني  ***فما أنا فحمة ولا أنت فرقدْ
الرميثي: لصار ما تأكل ذهب لو تبلى *** يا خوي شو نفع الذهب لو تقناه
أبو ماضي : أنت لا تاكل النضار إذا جعتْ*** ولا تشرب الجمان المنضدْ
الرميثي: نحلم حلوماً حلوة يوم نرضى*** وتمر يوم السعد ما بان طاه
أبو ماضي :ولقلبي كما لقلبك أحلام ***حسان فأنها غير جلمدْ
الرميثي  :كلنا للترب نمشي ونحيا ***ولا توهمك يا الضبع نفسك يمشاه
أبو ماضي : أنت مثلي من الثرى وإليه ***فلماذا يا صاحبي التيه والصدْ (4)
وهكذا تستمر القصيدة حتى الآخير بسرقة المعنى كاملاً , وأحيانا كثيرة الألفاظ , والعزيزي كما هو معروف اهتم بالتراث البدوي , وإن والد الشاعر أبي ماضي كان يتاجر مع بدو منطقة مادبا  موطن الشاعر الرميثي , وكذلك اكتشف الدكتور أحمد زكي أبو شادي مصادفة إن قصيدة أبي ماضي (هي) ليست سوى ترجمة حرفية لقصيدة بالأنكليزية تحت عنوان (نخب الفارس), وأخيراً من الإنصاف أن نذكر أن العزيزي هو صديق مخلص للدكتور أبي شادي خصم الشاعر أبي ماضي في المهجر .(5)
فذلكة الأقوال الباررزة أن سلم الخاسر بن حماد , لم يسرق سوى معنى واحد ونجح في مبناه , لأن الشعر ليس معنى فقط , وإنما معنى ومبنى , وغفر النقاد له  واستحسنوه و أجادوه , ومن هنا لو الشاعر المترجم للأعمال الأدبية  يعلن عن ترجمته  , قد ينجح العمل أكثر مما هو مكتوب بلغته الأصلية , فللتشكيل أثر فعال ومهم في العمل الإبداعي . ولكن سرقة أبي ماضي للمعنى من لغة عربية حتى أنها تشمل بعض الألفاظ , وبالرغم من إصرار أبي ماضي أن القصيدة غير مسروقة , ولكن العزيزي حتى أواخر عمره (1983) ورجليه في القبر يصر على صحة روايته , ويدافع عنها , مهما يكن من أمر, فإيليا أ بو ماضي من شعراء العرب الكبار , لا ريب قي ذلك. وإلى اللقاء في الحلقة القادمة عن توارد الخواطر بين شعراء عرب وأجانب  , وبين شعراء عرب فيما بينهم والله الموفق ,
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)wner\Desktop\      – ريوقي عبد الحميد :مدونة اللغة والأدب ( السرقات الأدبية و توارد الخواطر ) , لم يذكر المصادر والمراجع سوى أرقام .
(2) المصدر نفسه .
(3) (ابن الرومي حياته وشعره ) : كمال أبو مصلح ,تقديم المازني  ص 31 –  1987 م – المكتبة الحديثة
(4) ( للعبقرية أسرارها …) : كريم مرزة الاسدي ص 154 – 155 – دار فجر العروبة – 1996م – دمشق , نقلا عن (مجلة العربي ) العدد (94) مايو – 1983 – مقال بقلم توفيق أبو الرب .
(5) (للعبقرية أسرارها …) : المصدر نفسه 

كريم مرزة الأسدي