ان اول من قطف ثمار الربيع العربي هو التيار الاسلامي بجميع مكوناته . بعدما تهاوت عروش الحكام المستبدين , الذين جثموا على صدور شعوبهم عقود من الزمان بالحديد والنار

والتعسف والاضطهاد وسلب حقوق الاخرين. فقد اصبحت الارض والبشر عبيد وخدم لهم , ومارست الوسائل بشعة ضد قوى المعارضة ( الدينية  .والمدنية ) التي تعرضت الى شتى

صنوف القهر والارهاب والتعذيب في السجون المجهولة والمعلومة , اضافة الى حملات التشريد والارهاب الفكري والسياسي, وحين تهاوت هذه العروش الطاغية , كان من الطبيعي

والمنطقي ان يشمل العدل كل اطياف المعارضة ( الاسلامية والتيار الليبرالي والديموقراطي ) في مسؤولية ادارة الدولة في العهد الجديد , لانها شاركت في قلع هذا السرطان . ولكن

وقع الاجحاف والظلم على التيار الليبرالي والديموقراطي وانفرد التيار الاسلامي بكل مكوناته بالسلطة والتحكم في صنع القرار السياسي والتصرف في مستقبل الوطن , دون استشارة

الاخرين , بينما ظل التيار الديموقراطي خلف المشهد السياسي او خلف الكواليس , وهذا يعود الى جملة معطيات ابرزها الجانب الديني وما له وقع وتأثير فعال في الشارع السياسي

وثانيا ان التيار الاسلامي وحد خطابه السياسي وفقا الى متطلبات المرحلة , وحدت صفوفها ونظمت نفسها وقدمت رؤية سياسية متقدمة في جميع مناحي الحياة  في برنامج سياسي طموح  ووعود اصلاحية وشعارات رنانة الهبت الجماهير الغفيرة بالحماس المؤيد , وصدى

الكبير ,والمؤثر من اجل تطبيق العدالة الاجتماعية وبناء نظام الحق والقانون الذي يطبق الحرية والكرامة والانسانية وانصاف المظلومين . بينما التيار الليبرالي والديموقراطي تبعثرت

صفوفه واختلف الخطاب السياسي في معمعة الفوضى بتشتته الى قوائم متنافسة , مما خلقت البلبلة في عقلية وتفكير الناخب الذي فضل ان ينتخب الاحزاب والكتل الاسلامية , التي برعت

في ممارسة الدجل والنفاق السياسي , بينما التيار الليبرالي والديموقراطي اختلف وعجز توحيد صفوفه وتجميع قواه في قائمة واحدة اوحتى في قائمتين , هذا التبعثر والتشتت واختلاف

  الخطاب السياسي المبعثر , ثم انه دخل اللعبة السياسية ( الانتخابات ) كلاعب هاوا وليس كمحترف منطلقا من مبادئ الصدق والنزاهة وحسن النية , اكتفى بذكر ماضيه المجيدالمكلل

بالتضحية والبطوله والفداء في سبيل الوطن , اضافة الى الامكانيات المادية الضعيفة عكس التيار الاسلامي الذي رصد امكانيات هائلة من الاعلام والمال المتوفر والدعم الكبير من

من الدول التي تدعي انها تطبق الحكم الاسلامي , وبهذا الشكل ضاعت الفرصة التأريخية للتيار الليبرالي والديموقراطي من ان يكون له موقع مؤثر في الحياة السياسية وفي صنع

القرار السياسي والتحكم به .. والان بعدما انكشفت اللعبة السياسية وسقطت الاقنعة والشعارات الرنانة والوعود المعسولة بعسل الحرية والكرامة وانصاف المظلومين . فسقطت مصداقية

الاحزاب الاسلامية بكل مكوناتها , فلم تسعف المظلومين ولم تحقق العدالة والحق والحياة الانسانية لفئات المظلومة والمسحوقة , ولم تحترم حريةالرأي والتعبير والتظاهر السلمي , بل

سارت عكس التيار , وذهبت وعود الاصلاح ادراج الرياح . واتضح بشكل واضح زيف النفاق السياسي والدجل والمتاجرة بالدين , ولم توفق في العمل على تصفية التركة الثقيلة التي

 خلفتها الحقب المظلمة , كما هي الحال في تونس عندم استحوذت على نتائج الانتخابات واستلمت مقاليد الحكم الحزب حركة النهضة الاسلامي , وكذلك في مصر حين فاز في الانتخابات

 حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي ل( اخوان المسلمين )  فقد اتضحت اعمالهم ومواقفهم عن خواء لا تسمن ولا تغني عن الجوع , حيث بدأت تمارس اساليب النظم الدكتاتورية

 الساقطة في التضيق على الحريات العامة وعدم احترامها الى المعارضة السياسية , بل تحاول اجبارها على الرضوخ الى الخطاب السياسي الديني ومحاولة تطبيقه كقانون شرعي

 للدولة والمرافق الحيوية ,. اما الحالة العراقية فلم تختلف كثيرا , بل تفوقت عليها من ناحية بروز حيتان الفساد , التي اخذت تكبر وتتضخم على حساب معاناة الشعب العراقي , وصارت

 تملك المليارات من المال الحرام , وتناست وتجاهلت مطاليب الشعب في اصلاح الخلل وحلحلة من حدة الازمات الخانقة , مثل ازمة الكهرباء والبطالة والخدمات العامة والبلدية والبناء

 والاعمار , واستغلال ثروات النفط لصالح الشعب والفئات المسحوقة , وظهرت طائفة من السماسرة السياسين الذين يتاجرون بالدم العراقي باي ثمن , وكل شيء في الحياة معطل

 ومشلول , فحكومة الشراكة الوطنية معطلة , مشاريع التنمية معطلة , الجهاز الاداري للدولة مشلول مع تعاظم عمليات الفساد المالي , مما خلق نوع من التذمر والاستياء العارم , وبدأت

 تكبر حركات الاحتجاج والرفض الشعبي من ممارسات الاطراف السياسية التي تناست مهمتها ومسؤوليتها الوطنية , ان الشارع يغلي من الاستنكار ومن زيف وخداع وسرقة ارادة

 الناخب العراقي في اصلاح الوطن وليس على تهميشه واعادت اساليب الحقبة المظلمة , ان على التيار الليبرالي والديموقراطي مسؤولية اعادة صفوفه وتوحيدها بخطاب سياسي يعبر

 بصدق واحساس وطني في اصلاح الخلل وان يستثمر حالة الرفض والتذمر وانقطاع الصلة بين المواطن والسلطة التنفيذية , وان يوحد جهوده في تحويل الناخب من ناخب طائفي

 ومذهبي وعرقي الى ناخب يتوسم بالهوية الوطنية , الى ناخب وطني همه اعادة الهوية العراقية المفقودة