عندما اقتربت المنية من (الراعي ), طلب من (حماره )ان يقترب منه
همس بأذن الحمار
– ياحماري العزيز , ياصديقي وموضع ثقتي , اطلب منك ان تجمع (الابل) كلها كي اودعهم , لاني ارى المنية تحوم حولي وتحاصرني )
هرع (الحمار) بعجلة غير معهودة منه وجمع كل (الابل )حول (الراعي ), و(الابل) تتسائل عن موضوع الدعوة الغير معهودة من صاحبها , لكن لاجواب .
رفع (الراعي )رأسه بجهد وقال مخاطبا الجمع :-
– يا أيتها (ألأبل) ويا حميري ويا كلابي , لقد جمعتكم اليوم كي اودعكم وداع ليس بعده لقاء , ان الموت لم يعرف يوما صاحبا ولا خليلا , وهاهو اليوم يطلبي وما علي سوى ان البي ندائه , كما فعلها قبلي كل الناس الذين سبقونا برحلة الموت , واني لاطلب منكم المغفرة والسماح وابراء ذمتي امام الله لاني اتعبتكم بالعمل , ولم تجنوا مني سوى الجوع والعطش والحر والبرد وسوء المعيشة , اغفروا لي كي اموت قرير العين مرتاح
لايوجد غير الصمت وخيال الموت يحوم فوق رؤوس المجتمعين لوداع (الراعي ), طال صمتهم وبقيت رؤوسهم تطأطأ الارض , والراعي يستجديهم المغفرة خوفا من فقدان زمنه المسموح به .
فجأة تحرك من الجمع (بعير) كبير العمر , واقترب من (الراعي) المسجى على فراشه وأخذ يطيل النظر بوجه (الراعي )المتردي ثم قال :-
– سيدي الراعي ان الموت حق عليك وعلينا , لكن الفرق بيننا وبينك فرق عظيم فنحن بعد موتنا ليس علينا حساب ولا كتاب ولاقيامة ولا عذاب , رغم اننا بمأمن من العقوبة الالهيه الا اننا لم نسيء يوما لبني البشر , اما انت , فبعد موتك ستعرض امام عينيك سيئاتك وحسناتك كلها , فأما جنة وأما سعير , لذا نراك اليوم تستجدي مغفرتنا وسماحنا عنك خوفا من العقاب , لكننا استغربنا منك هذا لاننا لم نسمعه منك سابقا , لكن ما ان عرفا ان الموت حضرك , عرفنا سبب ذلتك ومسكنتك .
– سيدي الراعي
– سنغفر لك ما قلت , فنحن اكرم من ان تتصور , سنغفر لك انك يوما ما اجعتنا واتعبتنا , لاننا نعرف ان الله خلقنا للصحراء والبوادي , خلقنا الله لامكنة صعبة المعيشة والاعتياش , لقد غفرنا لك الجوع والعطش والتعب والحر في صيف الصحراء , والزمهرير في بردها , كلها مغفورة لك ونقولها من قلوبنا , سنعطيك السماح وبراءة الذمة لما قلت اكراما لعشرتنا سوية ,
– لكن ياسيدي الراعي ويؤسفنا ان نقول هذا , يؤسفنا ان نخيب املك بالحصول على كامل عفونا ومغفرتنا , لقد غفرنا لك مانستطيع غفرانه اما ما استحال علينا مغفرته لك فسنقوله لك عسى الله ان يغفر لك تلك الخطيئة .
– سيدي الراعي
– نحن سفن الصحراء , نحن من خلقنا الله للصحراء خصيصا , نحن القوافل التي تحمل الذهب والخيرات للناس والمدن , نحن من قربنا بين المدن والصحارى ايقبل عقلك وضميرك ان تجعل (قائدنا ) ودليلنا هو … حمار
– اتقبل انسانيتك ان تجعل من يترأس مسيرتنا .. حمار ؟
– ان كنت تقبلها , فنحن لن نقبلها ابدا والله , فأذهب لجوار ربك غير مأسوف عليك فلقد فعلها قبلك اسلافك كلهم , مت فلن تنل مغفرتنا وسماحنا لك بعد ان اذللتنا بأختيارك لمن يقود قافلتنا