لا يخفى على احد؛ إن العراق بعد سقوط النظام فشل في تحديد هويته الوطنية الموحدة، بسبب الصراعات الطائفية والقومية، نتيجة التجاذبات السياسية التي ولدت صراعا مجتمعيا وطائفيا مدعوما من الخارج، أدى الى استباحة أرضه من قبل الإرهاب الداعشي .
وبالتالي ضاعت الهوية الوطنية للعراق، وتحول من ينادي بها كأنه يغرد خارج السرب، نتيجة الصراع على الهوية الشيعية والسنية والكردية، والتفكير في المصالح السياسية ومحاولة التمدد على حساب المكونات الأخرى، فالجميع يفكر بتقوية المكون وتحقيق أفضليته حتى ولو كانت على حساب شريكه في الوطن، ومن يفكر بغير ذلك يعتبر خائنا للمكون الذي ينتمي إليه .
لذلك كان على احد أن يتخذ الخطوة الكبرى والقرار الشجاع، في الذهاب نحو الوطنية التي تجمع الجميع في هدف واحد، هو عراق موحد يمتلك قراره السياسي بعيدا عن الاصطفافات الطائفية والتخندقات المذهبية، والتخلص من الاملاءات الخارجية التي أثرت على الوضع السياسي العراقي، وغيبت الديمقراطية الحقيقية المبنية على أساس الانتماء الوطني، وليس لأحد إمكانية اتخاذ هذه الخطوة، إلا من كان يملك الشجاعة وتعود على خوض الصعاب، وهمه مصلحة وطنه بعيدا عن المصالح الخاصة .
“الحكيم ” الذي عودنا على إطلاق المشاريع الكبرى في الأوقات الحرجة، كمبادرة ” أنبارنا الصامدة “، والمشاريع الإصلاحية الكثيرة ” كمشروع البصرة عاصمة العراق الاقتصادية “، ومشروع ” نقل الصلاحيات من الحكومة المركزية الى المحافظات “، وغيرها من المبادرات التي أسهمت في إثراء العملية السياسية والاجتماعية في العراق، قرر اتخاذ هذا القرار الاستراتيجي الصعب ، بتخليه عن اعرق المكونات السياسية الشيعية ” المجلس الأعلى الإسلامي العراقي ” الذي أسسته عائلته قبل 45 عاما، وأعلن عن تأسيس تيار الحكمة الوطني الذي يحمل هوية وطنية عراقية، تجمع كل أطياف المكون العراقي .
إن المشهد السياسي العراقي بعد داعش لابد أن يحمل طابعا وطنيا، بعيد عن التخندقات الطائفية والقومية التي لم يجن منها العراق سوى التشظي والتشرذم، وما مبادرة الحكيم الشجاعة إلا خطوة على طريق بناء العراق الجديد، التي ستؤدي الى إضعاف الدور المذهبي والقومي، وسيكون تأثيرها واضحا على الساحة السياسية العراقية، التي طالما كانت مبادرات الحكيم مؤثرة فيها، فبلاد مابين النهرين تحتاج الآن الى التخلي عن العصبية والمذهبية، ولن ينجح العراقيون في الوصول الى هوية واحدة، طالما يصنفون أنفسهم شيعة وسنة وأكراد .
من هنا جاءت مبادرة الحكيم بالتخلي عن المجلس الأعلى، وتأسيس تيار الحكمة الوطني مقدمة لدخول العراق الى هويته الوطنية، لوجود عناصر قومية ومذهبية مختلفة في تياره، وهي بالتأكيد لن تخلص العراق من مشاكله الحالية فقط، بل سيكون لها تأثير على مستوى الديمقراطية في العراق والشرق الأوسط، على المستوى البعيد .

ثامر الحجامي