الحقيقة تسمو على الإفتراء

علي الكاش

قال الرّاضي بنُ المُعَتمدِ:‏
مَن يُوقدِ النَّارَ لَا ينكر حَرَارتَهَا … قَد تُحرقُ النَّارُ يومًا مُوقدَ النَّارِ

سألني بعض الأصدقاء، لم نقرأ لك تهنة للجيش العراقي! ‏
فأجبت: هل يمكن ان تهنيء الميت على موته؟ لقد حُلٌ الجيش العراقي السابق وإنتهى أمره. وهذا ‏الجيش الدمج الذي أسسه المحتلون ليس سورا للوطن، بل سورا للأحزاب الحاكمة، مع الأسف انه ‏جيش يثير الشفقة على ضعفه ووهنه.‏
لو كان الجيش العراقي قبل عام 2003 يحتفل بذكرى تأسيسه لرفعت له القبعة، احتراما، وقبلت ‏جباه الضابط والجندي معا، لكن عن أي جيش تتحدثوا؟ عن جيش كانت ولادته عبارة عن زواج ‏متعة بين يول بريمر ومجموعة من العملاء، هذا جيش لا يستحق التهنئة، ثم على ماذا أقدم التهنئة؟ ‏انه جيش طائفي، يقوم بقراءة الحسينيات في ساحات العرضات، ويلطم ضباطه وجنوده فيها، جيش ‏متخاذل (350) من عناصر تنظيم داعش الإرهابي هزموا عدة فرق في الموصل، وتركوا اسلحتهم ‏التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات للتنظيم، جيش يوزع ضباطه على الجنود (كتاب الفاحشة ‏الوجه الآخر لعائشة)، وضباط يؤدون القسم في ضريح الحسين، ونقاط السيطرة تتهجم على ‏الصحابة وامهات المؤمنين، جبيش يقود قاددة هاربين من الخدمة العسكرية وبعضهم لم يخدم يوم ‏واحد في الجيش، بل المئات منهم قاتلوا الجيش العراقي في حربنا الضروس مع ايران. ‏
ضباط رعاع يضعوا صواني الطعام على رؤوسهم الفارغة في عاشوراء لإطعام الزوار، وعقيد ‏بملابسه العسكرية يصنع الشاي للزوار، وجنود أذلاء يدلكوا أقدام الزوار الايرانيين، وبعضهم يقبلوا ‏أقدام الزوار، وضباط معممون يرتدون الرتبة العسكرة ويستبدلوا البيرية بالعمامة، جيش مهلهل ‏ضعيف كما وصفه هادي العامري القيادي في فيلق بدر الارهابي، زاعما ان الحشد الشعبي أقوى ‏من الجيش، وضباط قادة يهانون من قبل عناصر من الحشد الشعبي، ضباط وجنود يرتدوا ‏الدراكسوتات في ساحات العرضات والسيطرات، ويأخذوا الرشاوي من سواق الحمولات، ضباط ‏ملتقاهم في صالات القمار والملاهي ينثرون الأموال على الراقصات والغانيات.‏
هل هذا هو الجيش الذي يستحق التهنئة؟ أقولها والله شاهد على ما أقول، في أحد أيام الحكم ‏الوطني، كان ابن عمي برتبة رائد في الجيش العراقي قبل عام 2003، وكان يتحادث مع أصدقاء ‏له في الشارع، وقد نزع بيريته وجعلها بيده، وكانوا يضحكوا، فجأة جاءهم أحد المدنيين، وقال لإبن ‏عمي: اعطني هويتك من فضلك، ففال له ابن عمي: ومن تكون حضرتك؟
أجاب: من حماية السيد الرئيس، وقد رآك سيادته حاسر الرأس في الشارع العام، وطلب هويتك، ‏وفعلا كانت عدة سيارات متوقفة، ويبدو ان الرئيس الراحل صدام حسين لم يكن في موكب رسمي، ‏بل في جولة عادية وعجلات غير رسمية، أخذ الشخص الهوية ودون المعلومات وأعادها الى ابن ‏عمي، وإستقل السيارة التي كانت تنتظره. ‏
ـ بعد يومين فقط، ورد كتاب من وزارة الدفاع بإحالة ابن عمي برتبته الحالية الى التقاعد.‏
هكذا كانت الضوايط والإنضباط العسكري، إذا كان الضابط أقدم منك بالتسلسل فقط، تخاطبه ‏سيدي، وليس الحجي ومولانا، والسيد، كما يجري الآن.‏
ذكر وزير الدفاع السابق (خالد العبيدي) والنائب الإطاري الحالي عن الترهل في الجيش العراقي ‏بأن ‏
بأنه يوجد في الجيش العراقي الحالي (97) فريق الى فريق أول، في حين من عام 1920 لغاية ‏‏2003 كان في الجيش العراقي ما مجموعه (81) فريق فقط، ومن عام 2003 الى عام 2014 ‏لدينا (112) فريق أول وفريق.‏
نسأل خالد العبيدي: سبق ان كنت وزيرا للدفاع فلماذا لم تعالج هذه المشكلة؟ اليست هذه مؤامرة ‏على الجيش العراقي من خلال عملية دمج عناصر المليشيات بالجيش وبقية القوى الأمنية. ولا ‏يفوتنا ان نستذكر قول وزير الدفاع السابق الإطاري عناد جمعة ” ضرب صاروخ صاروخين ‏‏(على المنطقة الخضراء واقليم كردستان) لا يؤثر هذا على هيبة الدولة، هو مجرد إزعاج”، ما ‏يجهله هذا الوزير المعاند للحق، ان اطلاق طلقة علي بيت مواطن تؤدي الى فصل عشائري، والله ‏ما فات جمعة عناد من الجهل والإستحمار الا القليل. ‏
في العهد الوطني السابق كان حملة رتبة فريق أول هم (وزير الدفاع، رئيس أركان الجيش، قائد ‏الحرس الجمهوري، قائد جيش القدس) وبرتبة فريق (معاون رئيس أركان الجيش/4، المفتش ‏العام، قادة الفيالق الخمسة)، زائد قائدين لفيلقي الحرس الجمهوري الأول والثاني)، اما حسين كامل ‏وعلي حسن المجيد وعبد حمود فهؤلاء ضباط دمج ورتبهم فخرية لا قيمه لها عند الضباط ‏المسلكيين.‏
من الملح عن جيش بريمر الدمج، ان المعمم عبد الحليم الزهيري مُنح رتبة فريق اول ركن، وكان ‏هاربا من الخدمة العسكرية، وهو يلبس العمامة مع الرتبة العسكرية، ووزير الدفاع الحالي كان ‏برتبة تقيب وهرب من الخدمة العسكرية!! سبحان مغير الأحوال، فهل يستحق هذا الجيش ‏المتهريء التهنئة؟
انه جيش الميليشيات، واستغرب عندما يغضب الزبابيك وينفعلوا بشكل حاد عندما نصف الفصائل ‏المسلحة بالميليشيات، مع ان التسمية ليس فيها ذم، بل ان وزير الداخلية الأسبق (باقر صولاغي) ‏كانت رئيسا لما يُسمى بـ (لجنة دمج المليشيات).‏
فقد صرح وزير الداخلية العراقي الأسبق بيان باقر صولاغ الزبيدي في 5/5/2006 خلال مؤتمر ‏صحافي إن” موضوع الميليشيات المسلحة تحت السيطرة الكاملة، ولا يوجد أي تخوف منه لأن ‏القوات العراقية متماسكة والتنسيق في ما بينها على أحسن ما يكون، فليطمئن العراقيون والعرب ‏والمسلمون في كل مكان، فقواتنا تسيطر على الوضع في العراق. وأن هناك قراراً سابقاً صدر في ‏زمن الحاكم المدني الأميركي في العراق بول بريمر ينص على حل الميليشيات. وأنا رئيس لجنة ‏دمج عناصر الميليشيات في مؤسسات الدولة، فمن تجاوزت أعمارهم 50 عاماً سيحالون على ‏التقاعد أما الذين يبلغون من العمر أقل من 50 وممن يمتلكون مهناً في مجالات الصحة أو النقل أو ‏الصناعة أو التجارة فسيتم تشغيلهم في كل الوزارات”، فما حدا مما بدا؟
حتى الحشد فقد جاء بفتوى من السيستاني مع ان ولائه معظم قادته للخامنئي وليس السيستاني، اليوم ‏عندنا الحشد المتنوع التسميات والولاءات، الحشد العشائري، حشد العتبة العباسية، الحشد الكلداني، ‏والحشد الايزيدي وسرايا السلام والتوابع مثل حزب العمل التركي وغيرها، ومن الغرابة ان يشكل ‏المرجع علي السيستاني حشدا خاصا به لحمايته، وهو ينتقد الميليشيات والسلاح المنفلت، ولماذا لم ‏ينهِ حشده طالما تم الإنتصار على تنظيم داعش الارهابي؟ اويربطه فعليا بالقائد العام للقوات ‏المسلحة وليس شكليا؟ وهذا ما يقال عن بقية الحشود، اتحدى القائد العام للقوات المسلحة ان يدخل ‏منطقة جرف الصخر، بل أتحدى رئيس الجمهورية والرئاسات الثلاث ان إستطاعوا. السبب ‏ببساطة لأنها مستعمرة ايرانية وقاعدة حربية ومنطقة مخصصة لزراعة وصناعة المخدرات.‏
حتى الإنتصار على تنظيم داعش الارهابي جُير لرصيد الحشد الولائي بلا حق، ولم يعترض ‏وزراء الدفاع عن هذه الدعوة الباطلة التي تمس كرامتهم وشرفهم العسكري، فمن انتصر على ‏داعش بالدرجة الأولى هي قوى التحالف الدولي التي شنت آلاف الغارات الجوية على التنظيم ‏الارهابي، وكانت القوات البرية العراقية لا تتحرك الا بغطاء جوي امريكي، والمعلومات ‏الاستخبارية مصدرها قوات التحالف، ومدفعية التحالف كانت تدك ثكنات التنظيم، لا ننكر مساهمة ‏الحشد الشعبي في المعارك، لكنها كانت المساهمة العسكرية الأقل، والمكسب الاقتصادي الأعلى عند ‏مقارنتها بفعاليات قوات التحالف الدولي وقوات مكافحة الإرهاب بقيادة البطل الشجاع عبد الوهاب ‏الساعدي الذي رأيناه يخوض المعارك الشرسة في جبهات القتال، ولم نرى فالح الفياض وقيس ‏الخزعلي وابو فدك وهادي العامري وابو ولاء الولائي وبقية الشراذم في الخطوط الأمامية. ‏
رأيناهم في المكاتب التجارية يتاجرون بدماء شهداء الحشد، ورأيناهم في الوزارات ومجلس النواب ‏ومؤسسات الدولة ينعموا بإمتيازات المناصب على حساب شهداء الحشد واراملهم وايتامهم.‏
علي الكاش