منذ أقدم العصور سعى الأنسان إلى حفظ صور حياته، فبدأ بالرسم في الكهوف ثم الرسم على الجدران (مثل المصريين القدماء)، ثم بورتريهات من الشمع… الخ. حتى توصل العالم العربي المسلم الحسن ابن الهيثم، حين تم سجنه في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، إذ لم يثنه هذا السجن عن مواصلة بحثه العلمي في الضوء والبصريات، والاستمرار في تسجيل ملاحظاته في سلوك الضوء وانعكاساته فما كان منه إلا أن سجل ملاحظته لدخول الضوء من خلال ثقب في جدار السجن وسقوطه على الجدار المقابل حاملا معه صورة غير حادة الملامح ومقلوبة لشجرة موجودة في خارج الزنزانة. سجل ابن الهيثم ملاحظاته هذه حول انتقال صورة الشجرة مقلوبة مع الضوء من خلال الثقب، فوضع العديد من الملاحظات في هذا الموضوع، ووصف الأمر وصفا دقيقا، موضحا قوانين الضوء في هذه الحالة.

انعكاس الصورة من ثقب الزنزانة المحبوس فيها ابن الهيثم
انعكاس الصورة من ثقب الزنزانة المحبوس فيها ابن الهيثم

دون ابن الهيثم اكتشافه هذا ووصفه في كتاب المناظر، ومصطلح «كاميرا» في اللغات الأوروبية أتى من العبارة اللاتينية «قاميرا أُبسقورا» (باللاتينية: camera obscura) التي تعني المكان المظلم المغلق، وهي ترجمة لـ “الغرفة المظلمة” التي استخدمها ابن الهيثم في تجاربه البصرية والتي دخلت اللاتينية بمعنى (غرفة) بالتحريف الآتي (باللاتينية: Camera) وظلت قيد الاستخدام بهذا المعنى على مدى قرون حتى اختراع قمرة التصوير فشاع استخدامها لوصف الآلة المعروفة اليوم. وقد ورد في كتاب “1001 اختراع، الإرث الإسلامي في عالمنا“:استخدم ابن الهيثم مصطلح “البيت المظلم”، الذي ترجم إلى اللاتينية (Camera obscura)، بمعنى الغرفة المغلقة المظلمة. ومازالت الكاميرا مستخدمة حتى يومنا الحالي، كما هو حال كلمة “قمرة” في العربية التي تعني الغرفة المظلمة أو الخاصة. وفى عام 1660 طور العالم الإيرلندي (روبرت بويل) هو ومساعده الكاميرا البدائية وأدخلوا لها الأضواء وفي عام 1685 أبتكر العالم الألمانى (جوهان تزان) نظام الصورة وترتيب لون أى صورة وبنى آلة تصوير كبيرة من الخشب، وبين عامى (1820- 1830) أبتكر العالم (لويس داجير) طريقة في التصوير الضوئي التي عرفت بالداجيروتايب (بألأنجليزية: daguerreotype) والتي كانت تصور على النحاس، وفى عام 1835 أبتكر العالم الفرنسي (وليم فوكس تالبوت) نظام فوتوغرافى جديد سمى بالكالوتايب (بألأنجليزية : calotype) والتي كانت على الورق، أول صورة فوتوغرافية حقيقية كانت عام 1826 على يد العالم الفرنسي (جوزيف نيبس) عندما أستخدم الدوار الخشب ليحفظ الفيلم وقد صنعت آلة التصوير هذه في باريس على يد الأخوان (تشارلز وفينسينت شيفالير)، وقد أستخدم (جوزيف نيبس ) فكرة العالم الألمانى (جوهان هينريتش) الذي أبتكرها عام 1724 وهى تعريض الفضة مع الطباشير إلى الظلام ومن ثم الضوء المفاجئ فتتثبت الصورة، وفى عام 1850 أخترع العالم الألمانى (فريدريك سكوت ) فكرة ظهور الصورة على الزجاج والتي تسمى كولوديون (بألأنجليزية :collodion) ،تطورت الكاميرا في منتصف القرن 19 على يد علماء كثيرين منهم العالم الفرنسي أندريا أدولف الذي أخترع طريقة الـ CDV أو Carte de viste وهى أن يكون الفيلم على شكل بطاقات صغيرة متتالية. أول صورة ألوان كانت عام 1861 على يد العالم الفيزيائي (جيمس ماكسويل) بمساعدة المصور (توماس سوتون) وكانت تعتبر مجرد تجربة للصورة الملونة.

اما مايخص تاريخ اختراع الكاميرات الرقمية فيعود الفضل الى المخترع الامريكي ستيفن ساسسون (Steven Sasson) من مواليد 4 يوليو 1950 في بروكلين ، نيويورك هو مهندس كهربائي أمريكي ومخترعأ و لكاميرا رقمية. تم منحه شهادة الدكتوراة الفخرية من جامعة روشستر في 1 أكتوبر 2009 لعمله. في عام 1975 قدم ساسون النموذج الأول بدقة كاميرا تبلغ 0.01 ميغا بكسل في حين كان يعمل مهندس إلكترونيات لحساب شركة كوداك ، وحصل على براءة الاختراع عن هذا العمل عام 1978.. وأصبحت الكاميرات الآن تستخدم في التجسس حيث ظهرت أجهزة متطورة في نهاية القرن العشرين عبارة عن كاميرات دقيقة الحجم جدا يمكن وضعها في أي مكان دون ملاحظتها.

بدايات التصوير الفوتوغرافي في العراق
دخلت آلة التصوير للعراق عام 1895م أي قبل الحملة البريطانية على العراق ويقال أن المصور (عبد الكريم ابراهيم يوسف تبوني) وهو مسيحي كلداني من اهالي البصرة كان قد سافر الى بومباي بالهند للدراسة وهو من اوائل الذين مارسوا فن التصوير في العراق, في البصرة, بعد عودته للعراق حيث جلب معه استوديو للتصوير الفوتوغرافي .والعراق من أول البلدان العربية التي دخل فيها التصوير الفوتوغرافي وربما للاحتلالات المعاصرة له وخاصة من الدول الغربية وهجرة اقوام اجنبية للعيش فيه مثل الارمن، ونزوح اخرين للعمل فيه وخاصة في نهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر وبعد دخول الانكليز العراق واكتشاف النفط فيه واخرين جاؤوا مع الحملات التبشيرية وخاصة الاباء الدومنيكان الذين استقروا في الولايات العراقية المهمة الثلاث وهي الموصل وبغداد والبصرة حيث جاءوا بعلوم وثقافات كثيرة مع حملاتهم التبشيرية وتعليم العراقيين مهن جديدة وحديثة انذاك ومن ضمن تلك المهن التصوير الفوتوغرافي الذي كان من المهن الحديثة جدا ولاوجود له تقريبا في العراق في القرن الثامن عشر فاقتصر التصوير على العائلات من الطبقات الراقية وبيوت الذوات فنشاهد لهذا اليوم صورا لامراء واغنياء وناس مشهورة من تلك الحقبات.
اكثر فئة من فئات الشعب العراقي امتهن مهنة التصوير في تاريخ العراق هم ارمن العراق الذين انتقلوا الى ارض الشتات كما يسمونها ومن ضمن تلك الاراضي هي العراق حيث تجذروا فيه واصبحوا عرقا مهما في المجتمع العراقي وتأصلوا على عاداته وتقاليده واصبحوا تكملة من ارث العراق وحضارته مما يمتلكون من ثقافة وعادات اصيلة وعلوم وكان التصوير مهنتهم الاولى لان احتكاكهم بالاحتلال الانكليزي حيث كانوا اغلبيتهم يعملون في الترجمة ودخولهم مدارس الدومنيكان فنجد مصورين مشهورين جدا وكثيرين لم يذكرهم التاريخ في جميع انحاء العراق من الموصل الى البصرة.وكذلك الموصل كانت منبع للتصوير فكانت تحوي مصورين عظماء امثال نعوم الصائغ والد الكاتب (يوسف الصائغ) الذي امتهن التصوير في اواخر القرن الثامن عشر وكذلك المصور (يوسف سنبل) وكانوا يستخدمون التصوير الشمسي انذاك ويستعملون الكاميرات ذات الصندوق الخشبي وقطعة القماش الاسود من خلفها حيث كان يدخل المصور راسه ويصور بانفجار هائل يولده الفلاش القديم .ودخول التصوير بغداد هو لنزوح سكان الموصل وباقي المحافظات الى العاصمة الجميلة عاصمة الثقافة والحضارة والتحضر فاشتهر مصورون كثيرون انذاك امثال المصور (عبوش) الذي كان مصور الملك غازي المقرب والمصور (ارشاك) الذي كان الاستديو خاصته في شارع الرشيد واصبح معلم لشهرته وكذلك المصور الكبير (مراد الداغستاني) صاحب ستديو (مراد ) و المصور الاهلي في الحيدرخانة الذي أرشف لنا تاريخ بغداد بصوره . وستوديو بابل لصاحبه المرحوم مسيو جان، وستوديو قرطبة في شارع النضال منذ الخمسينات للمصور الصحفي امري سليم، والفنان المصور حازم باك صاحب ستديو ومختبرات باك للتصوير الملون والمصور آكوب خال المصور الفنان مراد الداغستاني. كوفاديس ماكريان ,سامي النصراوي,احمد القباني,جاسم الزبيدي، المصور فؤاد شاكر والمصور الصحفي رشاد غازي وآخرين غيرهم ويعتقد ان أول مصور يدعى (طاطران) هو أول من عمل بالتصوير الشمسي وزاول عمله عند مدخل الاعدادية المركزية في الموصل. أما عن استيراد مواد التصوير من اوراق واحماض وافلام وكاميرات ومواد اخرى تدخل في التصوير فكانت عن طريق التاجر المعروف (حافظ القاضي).
ونظرا لكون من امتهنوا التصوير كانوا من الرجال فقد كانت هناك ردود أفعال كثيرة في المجتمع العراقي الملتزم بالدين وتسوده تقاليد اجتماعية، حيث كانت معظم العوائل ترى في التقاط الصورة أو كما يسمونه(الرسم) عيبا كبيرا . حتى جاءت مصورة أرمنية الاصل من ايران الى بغداد تدعى (ليليان) أختصت بتصوير العوائل والعائلة الملكية . ويذكر الكاتب أمين الريحاني في كتابه ملوك العرب – اضطرار الملك فيصل الاول لتصوير زوجته بسبب الحاجة الماسة للعلاج في سويسرا فجاء المصور الى القصر الملكي وقام بتصويرها صورة واحدة فقط , ثم أُتلِف الفيلم السالب . هذه الحادثة تعكس جانبا من نظرة المجتمع الى فن التصوير آنذاك كنتيجة افرازات اجتماعية ودينية بينما التصوير لم يكن منهيا عنه جملة.
وبعد ذلك وبعد الانفتاح على العالم كان ريادة التصوير الفوتوغرافي في العراق له تقبل واعجاب من قبل الشعب العراقي فلطالما كان تلهفهم الى دخول صالات التصوير لكي يلتقطو اجمل البورتريهات لهم ومازالت عالقة في اذهان كبيري السن الان وشعورهم حين كان يأخذهم والديهم الى المصورين كم كانوا يشعرون بالسعادة وسعادتهم تكبر حين تظهر الصور بعد اسبوع او اقل بقليل وتكون ملامحمهم جميلة فيها وخاصة كان للمصور وزنه الفني حيث لاوجود لبرامج تعيد تعديل الصورة انما تظهر الصور كما التقطت بغض النظر عن بعض التعديلات الرتوش التي يقوم بها المصورين البارعين. ومن المصورين العراقيين المعروفين عالميا المصور سفيان الخزرجي والمقيم حاليا في السويد.
وعن التصوير الملون ودخوله الى العراق فكانت في نهاية السبعينيات حيث كان ستديو (باك) لصاحبه المصور الفنان حازم باك اول من ادخل مكائن طبع الصور الملونة اليابانية وكانت ضجة قوية انذاك حيث استطاع الناس ان يروا انفسهم بالاوان فكانت طفرة تقنية كبيرة فتحت ابواب التطورات الاخرى لتطوير التصوير الفوتوغرافي.

المصادر:
• تاريخ الرسوم السومرية والبابلية / من كتاب تاريخ الفن العراقي القديم / د.أ عبدالحميد فاظل البياتي – كلية الفنون الجميلة بابل
• اصول الفن المصرى القديم/ من كتاب جذور الفن للدكتور محسن محمد عطية.
• مهنة التصوير واشهر محلات التصوير في بغداد / من كتاب بغداد في العشرينات / عباس البغدادي
• الحياة اليومية للملكية ومن كان يصورهم / من كتاب ملوك العراق ( اسرار وخفايا ) / جمال مصطفى مردان وكذلك من كتاب ملوك العرب / أمين الريحاني
• كيفية استقبال المجتمع العراقي لمهنة التصوير / من كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي / الدكتور علي الوردي. كتاب ملوك العرب / أمين الريحاني
• تاريخ الكاميرا في العالم / من موقع وكيبيديا الموسوعة الشاملة .
• عن تاريخ التصوير في العراق / دراسة شاملة للاستاذ الدكتور علي العلاق
• أوائل المصورين في العراق…. وأين أختفى المصور الشمسي ؟ / موقع كاردينيا الالكتروني.

بقلم: فراس امجد باك