نبيل الحيدري

يعتبر على شريعتى (1933-1977) عالما إجتماعيا متميزا ومصلحا رائدا ومفكرا متنورا فى حركة الإصلاح الإجتماعى والدينى والسياسى فى إيران من خلال دراسة مجتمعه وبيئته وأسباب التخلف والجمود والثقافات الدينية والعادات والطقوس المؤثرة على المجتمع. كان أبوه محمد تقى رجل دين إصلاحى ينادى بتصحيح التراث الدينى من العادات والطقوس الغريبة والحركة السياسية مما أثر كثيرا على ابنه الذى تأثر فيه كثيرا حتى دخل فى حركات سياسية عديدة مثل (الجبهة الوطنية) (حركة المقاومة) (حركة تحرير إيران) وكان من رموز الثورة لذلك سجن مرارا ونفى إلى القرى وبقى فترات فى الإقامة الجبرية حتى سافر إلى لندن فى 1977 ومات بصورة غامضة هناك حيث يدّعى البعض أنّ لجهاز السافاك الإيرانى يد فيها، ثم منع دفنه بإيران ليدفن فى الشام حى السيدة زينب. حصل شريعتى على بعثة إلى فرنسا لتفوقه، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة السوربون فى سوسيولوجيا الدين وكذلك التاريخ الإسلامى فيرجع أستاذا فى جامعتى طهران ومشهد ومحاضرا فى حسينية إرشاد وغيرها

ومن أهم كتب شريعتى (التشيع العلوى والتشيع الصفوى) و (النباهة والإستحمار) (دين ضد الدين) (العودة إلى الذات) (معرفة الإسلام)… وفيها كان محللا ناقدا مفكرا، واضعا يده على الجرح والداء. خصوصا الكتاب الأول الذى هو محاضرات ناقدة فى حسينية إرشاد فى طهران حيث نقد التشيع المعاصر معتبره تشيعا صفويا وقد انحرف عن تشيع أهل البيت كليا منذ الدولة الصفوية (1501-1722م) التى حكمت إيران والعراق وتحالف معها وعّاظ السلاطين والفقهاء وأجبرت المسلمين السنة على الإنتقال للمذهب الشيعى بوسائل القوة والإجبار والإضطهاد، وعندها استعمل الصفويون الدين كعتلة لتحقيق أهدافهم السياسية ومواجهة الدولة العثمانية السنية

فى كتابه (دين ضد الدين) أراد أن يقول أن كل مانحمله اليوم مخالف للدين الذى نزل على النبى وعاشه الإمام على وأهل بيته، بل مناقض له تماما من مختلف الجهات

وفى كتابه (النباهة والإستحمار) وبالخصوص فصله المُعَنْوَن (الإستحمار الدينى) حيث يعتبر هذا الإستحمار من جهة الدين هو الأكبر والأقوى والأعظم منذ العصور القديمة وحتى المعاصرة، وما سماه (الإستخدام الدينى لاستحمار العقول) والذى تروجه باصطلاحه (طبقة رجال الدين) وهى طبقة متميزة فى تشويه كل مفاهيم الوعى والعقل والإدراك وسلب الإرادة والتفكير، والتجهيل والغفلة والتخدير، ويعتبرها نسخة كاملة مطابقة لحكم الكنيسة فى القرون الوسطى وأخذها صكوك الغفران والتخلف آنذاك ضد العقل والعلم والفكر، كما يقسم الإستحمار إلى فردى واجتماعى، فيعتبر السلطات الحاكمة المتحالفة ثلاث وهى السياسية والملوكية ومثالها القرآنى فرعون، والإقتصادية الإرستقراطية ومثالها القرآنى قارون، والدينية ومثالها القرآنى هو بلعم بن باعورة العالم الفقيه والذى عبر عنه الله (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث)، وهى متحالفة ضد الفقراء والمستضعفين

ويلخص شريعتى الإستحمار بأنه (أى قضية فردية أو إجتماعية، أدبية أو أخلاقية أو فلسفية، دينية أو غيرها، تبتعد عن النباهة الإنسانية والإجتماعية). داعيا إلى التفكر واستعمال العقل
ولعل البعض يستغرب من استعمال شريعتى كلمة الإستحمار، فإنه يؤكد أنها جاءت بهذا المعنى فى القرآن عن الفقهاء الأحبار (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) فهو اصطلاح قرآنى صحيح

أثارت كتبه وأفكاره ونقده جدلا واسعا وردود فعل كثيرة واسعة ومختلفة من مختلف الجهات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار

نقد شريعتى ثقافة التكفير والبغضاء واللعن فى التشيع الصفوى المعاصر ودعى إلى الوحدة الإسلامية بين السنة والشيعة معتبرا الخليفتين عمر وعلى وجهين مشرقين للمحبة والتعاون والتآلف، كما أشادا بمرجعيتين: محمد عبده إمام الأزهر ومحسن الأمين الشيعى العربى والتعاون من أجل الأمة وأهدافها مزيحين التكفير والسباب والخرافة والطقوس الغريبة، كما ذكر محاولات التقريب بين المذاهب فى الستينات بمصر ودعى إلى تجديدها والإصلاح فى التراث

كان من أكبر الهجوم ضد شريعتى وحسينية إرشاد هى الحملة الكبيرة لرجل الدين مرتضى العسكرى (زعيم حزب الدعوة والذى هاجم المصلحين المتنورين مثل على الوردى وغيره) واتهاماته الكبيرة ضد حسينية إرشاد وشريعتى متمهمهم بالوهابية والتسنن والبعد عن العقيدة فى كتاب مطول باللغة الفارسية وضعه شريعتى مصورا كاملا فى كتابه (التشيع العلوى والتشيع الصفوى) ليظهر مستوى السباب والشتم واللعن للخلفاء الراشدين خصوصا الفاروق عمر بن الخطاب حيث يقول العسكرى (متى كان عمر بن الخطاب شريف بنى عدى) ثم يتناول نسبه بأن الخطاب يكون أبوه وجده وخاله فى نفس الوقت كما تكون ختمة هى أمه وأخته وعمته، وينسب ذلك زورا إلى الإمام جعفر الصادق، فى حديث طويل ثم شعر وهو

من جده خاله ووالده… وأمه وأخته وعمته

أجدر أن يبغض الوصى وأن… ينكر فى الغدير بيعته

والعياذ بالله

هذا ما يعتبره شريعتى التشيع الصفوى المبنى على تكفير الخلفاء وثقافة البغضاء، كما يعتبر العسكرى هو الزعيم للتشيع الصفوى المعاصر

يبدو لشريعتى أن هجوم الفرس على الخليفة عمر بهذه الشدة والسباب هو بسبب فتحه لبلاد فارس وإدخالهم قهرا فى الإسلام

حار الكثير من الباحثين عن مذهب شريعتى، لكنه أجاب عن ذلك فى كتابه (دين ضد الدين) وقال (أنا سني المذهب, صوفي المشرب, بوذي ذو نزعة وجودية, شيوعي ذو نزعة دينية, مغترب ذو نزعة رجعية, واقعي ذو نزعة خيالية، شيعى ذو نزعة وهابية) هكذا عبر عن نفسه ليجمع بين مذاهب متعددة لتكون الحقيقية جامعة متكاملة يكمّل  بعضها بعضا لا أن يكفر بعضها بعضا