التحريض هو كل نشاط عمدي يهدف به صاحبه إلى دفع شخص ما إلى ارتكاب فعل يؤدي إلى وقوع جريمة، فالمحرض قد يفوق في الخطورة الفاعل للجريمة، خاصة في الأحوال التي يكون فيها فاعل الجريمة ليس إلا منفذاً (حسن النية) أو يكون حاله غير ذي أهلية جنائية، حيث يمكن اعتبار المحرض في هذه الحالة هو الرأس المفكر، والعقل المدبر للجريمة، فالمحرض يحمل أو يحاول أن يحمل شخصا مسؤولا على ارتكاب جريمة ويعاقب على تحريضه وان لم يفض التحريض إلى أية نتيجة وذلك لان تبعة المحرض مستقلة عن تبعة الذي وقع عليه التحريض، ولا يقاس التحريض على كمه بل على نوعه أيضاً، فالتحريض على ارتكاب جريمة ضد مدنين عزل يختلف في حجمه بالإجرام على العصيان المدني على سبيل المثال، مع إن كليهما يُعدّ جريمة.

القوانين التي تجريم المحرض

 نورد بعض النصوص القانونية للدول التي طالها الإرهاب ونصوص اخرى لقوانين دول غربية.

1- قانون العقوبات العراقي في المواد(48-50) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 (النافذ حاليا) يبين أنواع الاشتراك في الجريمة وهي التحريض على ارتكاب الجريمة والاتفاق والمساعدة إذ نصت المادة 48 منه (يعد شريكا في الجريمة من حرض على ارتكابها فوقعت بناء على هذا التحريض) ونصت المادة (49) اعتبار المُحَرِض فاعلاً أصلياً للجريمة إذا كان حاضرا أثناء ارتكاب الجريمة أو ارتكاب أي فعل من الأفعال المكونة لها.

وهذا يعني إن المحرض يتحول في هذه الحالة من شريك إلى فاعل، وعاقبت المادة المحرض بالعقوبة المنصوص عليها قانوناً حتى ولو كان فاعل الجريمة غير معاقب عليه لأي سبب فمن يتولى تحريض عدد من الأطفال على ارتكاب جريمة القتل أو الخطف أو إتلاف الأموال يعاقب بعقوبة هذه الجرائم ولو كان الفاعل غير مسؤول جزائيا.

2- قانون العقوبات المصري، في المادة 40 منه يعد شريكا في الجريمة: أولا:- كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع بناء على هذا التحريض.

3- قانون العقوبات السوري، في المادة 217/1 “يتعرض المحرَّض لعقوبة الجريمة التي أراد أن تقترف سواء كانت الجريمة ناجزة أو مشروعاً فيها أو ناقصة”.

4- قانون العقوبات الألماني، نصت في المادة /25/2 منه على، أن يعاقب كفاعل كل من ارتكب الفعل الإجرامي بنفسه أو عن طريق شخص آخر، وتعني حالة إرتكاب الفعل الإجرامي عن شخص آخر إرتكاب مثل هذا الفعل بطريقة غير مباشرة، فيكون فاعل الجريمة هو الفاعل غير المباشر لها حيث سخر شخصا آخر لإرتكابها، وهو ما يعرف بالفاعل (المعنوي) للجريمة.

المحرض على الإرهاب

 صاحب الفتوى التي تحث على العنف هو المحرض المباشر عن جرائم الإرهاب مستغلة الجماعات التكفيرية المسلحة بمختلف مسمياتها كأدوات لتنفيذ جرائمها، وبما إن التحريض – وكما أسلفنا- هو كل نشاط عمدي يهدف به صاحبه إلى دفع شخص ما إلى ارتكاب فعل يؤدي إلى وقوع جريمة، فالمحرض على الإرهاب هو من استغل (صناعة الفتوى) لإقناع الشباب بالتوجه إلى القتال في بلدان معينة بعد شحنهم طائفياً والدعوة إلى تزويدهم بالأموال والسلاح عن طريق التبرع لهم لإكمال جرائمهم، ولولا أن يقوم المحرض (صاحب الفتوى) بتوصيف الفعل الإجرامي على أنه فعل صحيح يستحق التضحية بالنفس، ولولا قيام المحرض بطلب تقديم المال والسلاح لمن قام بتحريضه لاختفت أغلب مظاهر الإرهاب التي تضرب العديد من دول العالم في وقتنا الحالي. ويعدّ التحريض على العنف بالإفتاء جريمة إرهابية.

الجريمة الإرهابية

 هي أي جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذاً لغرض إرهابي في أي دولة أو على ممتلكاتها أو مصالحها أو على رعاياها أو ممتلكاتهم يعاقب عليها قانونها الداخلي، وكذلك التحريض على الجرائم الإرهابية أو الإشادة بها ونشر أو طبع أو إعداد محررات أو مطبوعات أو تسجيلات أيا كان نوعها للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها بهدف تشجيع ارتكاب تلك الجرائم.

أبشع أنواع التحريض

 والتحريض بالهجوم على المستشفيات-على سبيل المثال- بدفع صبيان وشباب مشحونين طائفياً وعقائدياً، هي أكثر أنواع التحريض بشاعة وانعداماً للشعور الإنساني، فقد استهدفت القاعدة في عدد من هجماتها المسلحة مباني المستشفيات وسيارات الإسعاف والكوادر الطبية في أغلب الدول التي تواجدت فيها، فكانت في العراق تقتل الأبرياء وتدخل مع الجرحى أثناء نقلهم للمستشفيات في مستغلة الفوضى التي تعقب حادث التفجير لتقوم بتفجير آخر داخل المستشفى، وكل تلك الهجمات كانت تتم بتخطيط وتدبير قادة التنظيم.

 إذ لم تكتفي الجماعات التكفيرية باستهداف مقرات المنظمات الدولية والمقاولين الأجانب والأسواق والمدارس والملاعب وأماكن تجمع العمال ودور العبادة فقط، بل تعدت إلى كل ما يكون سبباً للحياة أو سبباً لإنقاذ حياة بريء من خطر الموت، فقد أسفرت أحدى الهجمات الإجرامية لتنظيم القاعدة في نهاية العام 2013 عن مقتل 56 شخصا وإصابة 176 آخرين بجروح غالبيتهم من الأطباء والممرضات والأطفال والنساء، في الهجوم الذي شنته على أحد المستشفيات في اليمن، وذلك حسب معلومات أعلنت عنها اللجنة الأمنية العليا في اليمن، ومن بين القتلى طبيبان ألمانيان وآخران فيتناميان وممرضتان فيليبينيتان وأخرى هندية، وقد كان غالبية المهاجمين يحملون الجنسية السعودية، مدعومين بسيارات تحمل متفجرات، ومعهم انتحاريين، ولم يتجه المسلحون لإقتحام مبنى وزارة الدفاع واتجهوا لمبنى المستشفى.

 أدانت الهجوم مجموعة من الدول من بينها الولايات المتحدة التي وصفت الهجوم عن طريق نائبة المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماري هارف، بأنه “قتل وجرح للعشرات بلا أي شعور”.

التحريض وانعدم الشعور الإنساني

 المتتبع لخطابات المسلحين وهم يندفعون ليقتلون الأبرياء ويفجرون أنفسهم بدون أي شعور يجد إن الفكر العقائدي قد تغلب على عقولهم ومشاعرهم وسلوكهم، وبالنتيجة فهم ينفذون كل ما ترسخ في أذهانهم من كراهية وتكفير وعدوانية تجاه أغلب المجتمعات، داعمين سلوكهم الإجرامي بفتوى كبار (العلماء) بإباحة الدماء والأموال والأعراض، فيغادرون بلادهم (للجهاد في بلاد المسلمين) ضد (الكفار) وهم على أتم الاستعداد للقيام بعمليات القتل ولو كلفهم ذلك حياتهم (الانتحار).

 فالمجموعة التكفيرية المسلحة التي هاجمت المدنيين داخل المستشفى في اليمن قد تصرفت بوعي وإدراك ومعرفة كبيرة بهدفها (بناية المستشفى)، بل كان المهاجمون يعرفون هدفهم بصورة جيدة ويعلمون تفاصيل المبنى وممراته وغرفه، وكما تبين كاميرات المستشفى إن المسلحين يبحثون عن أي ضحية يتم مطاردتها وقتلها، سواء كانت تلك الضحية المريض أو المرافقين له أو الكادر الطبي والخدمي، وبالتالي فإن الجريمة واقعة بإصرار تام وترصد من قبل الجاني والمحرض.

مسؤولية السعودية كراعية المحرضين

 1- في العراق السفير الأميركي السابق في بغداد كريستوفر هيل، يصرح بان السعودية تمثل التحدي الأكبر والمشكلة المعقدة بالنسبة إلى الساسة العراقيين، وفيما أكد أنها تمول هجمات القاعدة في العراق بحسب ما نقلته مصادر مخابراتية، أشار إلى إن السعوديين ينظرون إلى هذا البلد وكأنه كحاجز يسيطر عليه “السنة ضد الانتشار الشيعي والنفوذ السياسي الإيراني”. كما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية مجموعة برقيات سرية بعثها هيل إلى وزارة الخارجية الأميركية، إن “البعض يعتقد بأن السعودية تسعى إلى تعزيز النفوذ السني وإضعاف السيطرة الشيعية والترويج لحكومة ضعيفة ومنقسمة”.

2- في اليمن؛ استغلت السعودية عدم الاستقرار السياسي والأمني وهشاشة الوضع الاقتصادي فبدأت بتمويل المتطرفين السلفيين الذين تسببوا وبشكل كبير في أعمال العنف وزعزعت الاستقرار الأمني والسلم الأهلي هناك، مستغلة نفوذها الاقتصادي وتقاربها مع بعض زعماء العشائر وبخاصة قبائل حاشد وتمويلهم واستخدامهم بالقيام بإيواء العناصر (الجهادية) الممولة والمدعومة سعودياً.

3- في سوريا؛ (الجهاديون) السعوديون يتدفقون بأعداد متزايدة للانضمام لأعضاء تنظيم القاعدة في شمال سوريا، وعلى الرغم من تعبيرهم عن القلق حيال ما يجري، إلا أن السلطات في السعودية لا تقوم بأي شيء يذكر لمحاولة منع هؤلاء الشباب من الخروج عبر المطارات، ويقول أحد الدبلوماسيين الغربيين أن هناك دليل آخر وهو أن المملكة تخلت عن حذرها عندما تعلق الأمر بالحرب الأهلية في سوريا.

كما تقول مصادر المخابرات الأمريكية أنه تم السماح للعشرات من الجهاديين السعوديين بالسفر خارج الرياض دون أية عقبات، وهناك عدد آخر سمح له بعد أن أطلق سراحه من الاحتجاز والكثير منهم كانوا محظورين رسمياً من السفر، وصرح مسئول أمريكي: بأن “السعوديين يلعبون لعبة مزدوجة. فهم يصبون جل اهتمامهم على تدخل إيران في سوريا، وفي الوقت الذي يعبرون فيه عن القلق إزاء التحدي المتمثل في تعزيز المعارضة ضد الرئيس السوري بشار الأسد المدعوم من إيران، فإنهم يقومون في نفس الوقت بتعزيز الجهاديين، وأنا لا أراهم يبذلون جهد يذكر لتجنب حدوث ذلك”.

التوصيات

 بالنظر للأعداد الكبيرة من الضحايا الذين طالهم الإرهاب وخصوصاً في الدول الإسلامية ذات التعدد الطائفي، لا بد أن تتخذ الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن الدولي جملة من القرارات ضد السلطات السعودية منها:

أولاً: إغلاق الفضائيات التي تحرض على العنف والتي يديرها رجال دين يحرضون على القتل والعنف ويدعون إلى التبرع بالأموال والأسلحة لمن يلبي دعوتهم.

ثانياً: تقديم من تسبب بالقتل عن طريق التحريض للمحاكم المختصة.

ثالثاً: في حال استمرار السلطات السعودية برعاية المحرضين على العنف يجب إصدار قرار ضمن الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة أو الطلب منها تسليم المحرضين والممولين للعنف لهذه إلى المحكمة الجنائية الدولية من أجل استقرار السلم والأمن الدوليين.

……………………………………………..

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات…