التابع والمتبوع
في العلاقة بين العراق وإيران

علي الكاش
سبق ان صرح المتحدث بإسم وزارة الخارجية الإيرانية (سعيد خطيب زادة) بأن طهران ” حذرت ‏السلطات العراقية مراراً من استخدام أراضيها للهجوم على بلاده، وأن الحكومة المركزية العراقية ‏مسؤولة عن ضمان ألا يستخدم طرف ثالث أراضيها كقاعدة لشن هجمات على إيران”. وبرر زادة ‏هجوم بلاده على أربيل بالقول: إستخدمت أراضي العراق مراراً من قبل ضد إيران من جانب ‏أطراف ثالثة، منها جماعات إرهابية مثل مقاتلين أكراد والولايات المتحدة والكيان الصهيوني.‏
بالطبع التصريح الايراني عبارة عن كذب وتدليس، وساعدت الحكومة العراقية على تمويه القضية ‏على الرأي العام العراقي عبر المماطلة في إظهار نتائج التحقيقات بسبب ضعفها، وهذا ديدنها، ‏عندما يكون المتهم نظام الملالي فتولي شطرها الى جهة التجاهل أو التغافل، ولو كانت دولة عربية ‏قامت بهذا الهجوم، لأقامت الحكومة العراقية وميليشياتها الدينا على الفعل، وربما ردت الميليشيات ‏الولائية بضربات صاروخية وطائرات مسيرة. ولتقدمت الحكومة العراقية بشكوى الى مجلس ‏الأمن، وطلبت إجتماع طاريء للجامعة العربية. قارن بين فعلها هذا مع الهجوم التركي الأخير ‏على مواقع حزب العمال الارهابي في إقليم كردستان، سترى الفارق الكبير، والولاء الأعمى لنظام ‏الملالي.‏
لكن طالما ان متطلبات الأمن القومي الايراني لا تسمح للعراق بإستخدام أراضيه للهجوم على ايران ‏من أية جهة كانت، فلماذا قام نظام الملالي بإستهداف القواعد الأمريكية في العراق؟ هل يجوز لنظام ‏الملالي فعل ذلك ولا يجوز لغيره؟ وهل يتفق هذا التبرير الساذج مع المنطق السليم؟ ولا نقول ‏القانون الدولي الذي ينتعله الولي الفقيه وحرسه الثوري ولا يقيمموا له أي وزن، مع سكوت مجلس ‏الأمن والولايات المتحدة ودول أوربا عن جرائمهم، إن نظام الملالي بهذه الأفعال المريبة يستفز ‏الشعب الايراني المُبتلى به قبل دول الجوار والعالم، فالشعب الايراني يرغب بالعيش بسلام وأمن ‏داخليا وخارجيا، وهو يدفع ثمنا باهضا من ثرواته وحياة أبنائه لقاء مغامرات طائشة ومهاترات ‏تافهة، وهذا ما تكشف عنه قوى المعارضة الإيرانية، سيما منظمة مجاهدي خلق، فهي المرآة ‏الحقيقة لحال الشعب الإيراني، ولسان حاله الحقيقي. ويأمل الشعب الإيراني في زوال هذه النظام ‏القمعي هو وظله يوم لا ظل له، وإنهاء نفوذه في الدول الخاضعة له،
سبق ان ذكرنا في مقال سابق بانه لا أحد يُصدق ان الحكومة العراقية قد إستدعت السفير الايراني ‏في العراق إيرج مسجدي وقدمت له مذكرة إحتجاج على القصف الصاروخي لأربيل، كما فعلت ‏أخيرا مع السفير التركي، لأن مسجدي آمر وليس مأمورا، فاعلا وليس مفعول به، فالسلطات الثلاث ‏في العراق تحت أباطه العفن. وقلنا ايضا ان الحكومة العراقية لا يمكن ان تقدم مذكرة إحتجاج ‏لمجلس الأمن ضد نظام الملالي في عدوانها السافر، لأن الحكومة العراقية تقاد فعليا من قبل مرشد ‏الثورة علي الخامنئي وذيوله من زعماء الميليشيات الولائية. وقلنا ان أعلى سقف يمكن لحكومة ‏الكاظمي ان تطلبه هو إستفسار بصيغة التوسل من الحكومة الايرانية عن سبب الهجوم، أي بصيغة ‏السماح والإستلطاف والرجاء لا أكثر. على أقل تقدير لتُبيض وجهها الأسود أمام الشعب العراقي، ‏والشعب أصلا لا علاقة له بهذا الأمر، فهو مغيب تماما بأفيون العمائم والذياب المرجعي والحكومي ‏الذي يلقي بظلاله على الرأي العام العراقي.‏
وقلنا ان اللجنة التي شكلها رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، واللجنة التي شكلها مجلس ‏النواب ستكون بنفس نتائج لجان التحقيق عن سقوط الموصل وقصف بيت رئيس الوزراء ‏بمسيرتين وغيرها من التحقيقات العبثية التي لم يعلن عن نتائجها، لأن حكومة الملالي ببساطة لم ‏تأذن للحكومة العراقية بإعلان النتائج.‏
في 4/آذار من العام الحالي خرجت تصريحات رسمية عراقية أيدت كل ما تحدثنا به، وهذا لا يعني ‏إننا نضرب تخت الرمل ونستكشف الطلاسم عبر الفنجان وقراءة الكف، بل من خلال معرفتنا ‏بضعف الحكومة العراقية وأساليبها الملتوية في التعامل مع نظام الملالي، وسيطرة الميليشيات ‏العراقية على القرار الحكومي، فالحكومة الإيرانية ومجلس النواب (سخت نظام الملالي).‏
الحكومة العراقية عبارة عن ذيل للولي الفقيه، تكش به ذباب التحقيق، ولا تجرأ ان تتقدم بأية ‏شكوى ضد ايران في أي محفل دولي او اقليمي او عربي أو إسلامي، ونستذكر تصريحات وزير ‏الموارد المائية العراقي وتهريجه عشر مرات بشأن تدويل قضية قطع نظام الملالي مياه الروافد ‏والأنهار عن العراق بما يتنافي والإتفاقيات الثنائية والقانون الدولي، وتبين انها محض أكاذيب لا ‏غير، مع علمنا اليقين بأن منصب الوزير أجوف وباهت، ولا يجرأ أي مهرج وزاري على تدويل ‏المسألة، لأنه يخشى على إمتيازاته ومنصبه وربما حياته ان تطلب الأمر، فالميليشيات الولائية ‏ترصد تحركات الوزراء والنواب بدقة، والويل لهم ان تجاوزا الخطوط الحمراء الولائية.‏
صرح مصدر في وزارة الخارجية العراقية للعربي الجديد” إن الحكومة العراقية قررت عدم تدويل ‏قضية القصف الإيراني على أربيل، وأن العراق لم يتلق أي رد من إيران على جملة أسئلة ‏وتوضيحات رسمية تقدمت بها بغداد في 14 و17 آذار الماضي بشأن القصف، وطالبت فيها ‏بتسليمها أدلة تدعم رواية الحرس الثوري بأن المكان كان مقراً للموساد الإسرائيلي‎.‎‏ وتم إلغاء فكرة ‏التوجه برفع شكوى إلى الأمم المتحدة، أو على مستوى مذكرات للجامعة العربية ومنظمة التعاون ‏الإسلامي بسب الضغوط المعروفة (اي الحرس الثوري وذيوله في الحشد الشيعي). ‏
وفي هذا الأمر نقول: لتخرس جميع الألسنة العربية والعراقية التي تزعم بعدم تدخل نظام الملالي ‏بالشأن العراقي الداخلي وإنتهاك سيادته العرجاء، أو إن نفوذه بدأ يتقلص في المدة الأخيرة، لأن هذا ‏تدليس وخلاف الواقع.‏
الأغرب منه هو مقدار وقاحة نظام الملالي واستهتاره وإستخفافه بالحكومة العراقية والشعب ‏العراقي، فقد هدد الحرس الثوري بمزيد من الضربات على أهداف في العراق إذا استمرت بغداد في ‏السماح لإسرائيل باستخدام أراضيها لشن هجمات ضد إيران. ‏
وقال المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني (رمضان شريف): أن إسرائيل استخدمت إحدى ‏قواعدها في إقليم كردستان العراق لشن هجوم منتصف آذار الذي قيل إنه دمر مئات الطائرات ‏المسيرة في قاعدة بمحافظة كرمانشاه‎.‎‏ وقال السفير الإيراني في العراق: إن أكراد العراق تلقوا ‏تحذيرات متكررة بشأن القاعدة التي استهدفت هذا الأسبوع ، مفيدا بأنه “حق طبيعي” لتدمير أي ‏قاعدة يتهدد منها أمن إيران‎.‎‏( قناة المسيرة اليمنية). ‏
طبعا أفضل من ردٌ على مزاعم الحرس الثوري الباطلة هو الرئيس الإيراني الأسبق محمود ‏أحمدي نجاد، بقوله ان الموساد يسرح ويمرح في طهران وغيرها من المدن، وكان الأجدر ‏بالحكومة الايرانية ان تكشف مقراتهم وشبكاتهم داخل ايران، وتُفشِل مخطاطاتهم كإستهداف العالم ‏النووي فخري زادة وسرقة الأرشيف النووي، لكنها عجزت عن ذلك.‏
مهزلة اللجان
لاحظ اللجان التي شُكلت في التحقيق عن قصف أربيل، وبإمكان الفرد أن يقيم نتائج التحقيق على ‏ضوئها:‏
ـ لجنة برلمانية رئيسها الإرهابي حاكم الزاملي، وعضوية شاخان عبد الله، والنائب الإيراني العميل ‏عطوان العطواني، والنائب الحشدوي عباس الزاملي، وزميله نايف الشمري وهريم كمال. وبعض ‏أعضاء اللحنة من الإطار التنسيقي الشيعي الذي تبنى الرؤية الإيرانية وهلهل للهجوم الإرهابي ‏بلسان قذر عبر عن عمالتهم المفرطة واستهتارهم بحقوق الشعب العراقي الذي انتخبهم مع الأسف. ‏فعلا كما قال تعالى في سورة الأنعام/129 (( وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّى بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضًۢا بِمَا كَانُواْ ‏يَكْسِبُونَ)).‏
ـ لجنة حكومية: برئاسة وزير الداخلية قاسم الاعرجي وهو من فيلق بدر وضابط في الحرس ‏الثوري الايراني، الفريق الركن عبد الأمير يار الله، ويعتبر من أشد عملاء ايران ضراوة في ‏العراق، حميد الشطري أحد عملاء نظام الملالي، وعدد من ضباط الأمن الحشد الشعبي الشيعي ‏الموالي لنظام الملالي.‏
إذن ماذا يتوقع اللبيب من هاتين اللجنتين؟

الخاتمة الفاجعة
أجاب أحد المسؤولين العراقيين على سؤال: هل ألغى العراق خطوة تقديم شكوى للأمم المتحدة ‏بشأن القصف؟ ‏
فقال” لم يكن هناك قرار أساساً للشكوى، حتى يتم إلغاؤه”. وهذه المعلومات أكدها (عماد باجلان) ‏القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، بقوله ” إن الحكومة العراقية لن تقيم أي شكوى ضد ‏إيران بسبب الضغوط التي تتعرض لها”. مضيفا” أن عدم تحرك بغداد بشكل رسمي لإدانة هذا ‏العمل، سيفتح باب الانتهاكات الدولية على العراق من قبل إيران وغيرها”.‏
نقول: تهنئة حارة للشعب العراقي في سكوته على حكومته الرصينة ومجلس النواب الأبي الذي ‏صوتوا لأعضائه لوطنيتهم المفرطة، ومحافظتهم على سيادة الوطن، ورفضهم التدخل الخارجي ‏في شؤونهم الداخلية. ‏
وعلى الشعب العراقي المغيب إنتظار المزيد من الصواريخ والمسيرات الإيرانية تحت أي حجج ‏صحيحة كانت أو باطلة فالأمر سيان. ‏
قال تعالى في في سورة الزخرف/54 ((فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)). صدق ‏الله العظيم، فقد إستخف نظام الملالي بالعراق وحكومته وشعبه، واستخفت الحكومة العراقية بشعبها، ‏وإستخف الشعب بنفسه، فلا عجب مما يحصل في هذا البلد المنكوب.‏

علي الكاش