كان جحا في زيارة لمريض يرقد في احدى المشافي فسمعه يلفظ انفاسه بهذه التأوهات الحزينة :

بعد سني القحط … في مملكة النفط … كنا نأمل الفرج … ننطق بلا حرج … أن الفقرقد ولى … وبعد أن تسلى … مع الذل في النفوس … فتجرعت كؤوس … في سنوات عجفاء … من القهروالجفاء … وأننا بلغنا … في النعمة ولغنا … ولكن ذلك الفال … خاب في مد الأنفال … وذهبت مع الريح … آمال الفتى الجريح … وهو في حضن العطن … الذي يدعى الوطن … من بعد طول أناة … على استبداد مناة … لم يبصر غيرالقتاد … من ساسة الامتداد … للمنهج المهتريء … والشامل المجتزيء … كالناسخ والمنسوخ … للعفاريت المسوخ … على تراب البيدر … كون الضرغام الحيدر … من بيده المذراة … ليست له بل مكراة … ولا يتقن الحرفة … فالكبيرفي الشرفة … علمه الجباية … والستروالحماية … وليس من شأنه … الى حين ظعنه … أن يصفي الحبوب … ومداواة القلوب … وان فاقت الغلة … في حسابات الملة … كل عد واحصاء … غيرأنه الاقصاء … لمصلحة الورى … ومن جاع وعرى … الى أبعد الحدود … منذ أيام الجدود … جيئوا لأجل السطوة … قفزة بعد خطوة … على الحقل والثمار … بما يحمل الحمار … من كتب وأسفار … وزيادة الأصفار … خلف الرقم الصحيح … من الرصيد الشحيح … عزة وكرامة … وللشعب الغرامة … نفقات السيادة … تنمووبالزيادة … وما عدا الأنابيب … في دروب الغرابيب … مدت بكل حيلة … للبلدان الخليلة … من الذهب الأسود … وصنف هو الأجود … من بين باقي الأصناف … من لنا من الأحناف … ليردع السارقين … في الفساد خارقين … وليرمي بالغلال … تحت الشمس والهلال … بالأكياس والأكيال … على طاهري الأذيال … من السذج الرقود … تطفيء نارالعقود … في صدورالبؤساء … كي تلد النفساء … الصالح والقوي … فيملأ بالدوي … كل هذه الأجواء … لتنقية الأهواء … من عدوى ذاك الطاعون … الذي يفري الماعون … عن الناس والهوام … ويبيد في العوام … بالفساد والكبر … ولم تثنيه العبر … له العشروالمعشار … ويقتات كالمنشار … في الروحة والجيئة … ضليع في النسيئة … فهل ترى يا بهلول … ماذا تفعل العجول … من عبث في البيدر … تملأه بالغيدر … وفي هذه الأثناء … نشكوقلة الأبناء … الذين يعلمون … ولا يتأقلمون … مع الظلم والفساد … في الحقل حين الحصاد … جارالدهرعلينا … هرمنا ما وعينا … أن جميع الولاة … وكلهم لعلات … بنوأب للظلم … لا سبيل للحلم … قط لنفوسهم … ونارشموسهم … أحرقتنا في الصميم … خيرفعلهم ذميم … في زماننا الحالي … ذوالرقع والبالي … وها اننا نموت … وأدركنا أن القوت … فيه بذورالردى … ما أن لاح وبدى … على أسرة الموت … فيقطع فينا الصوت … وعليك بالباقي … ان جفت المآقي .

قالها واسلم الروح الى بارئها ثم علت من نسوة صيحات مشحونة باللعنة والغضب على المرض الخبيث الذي أودى بنسمة لم يبلغ الاربعين , وتراجع جحا من وسط الجموع وهم يتمتم بهذه الكلمات المسجوعة قائلا :

ليت أمي لم تلد … صاحب القلب الصلد … هذا البهلول الأهوج … وديدنه الأعوج … فان كنت لا أقدر … أن أصرخ وأهدر … في وجوه الاقطاع … وليس بالمستطاع … أن أكيل اللعنات … مرة كالطعنات … لمانعي الخصوبة … في الرؤوس المعصوبة … بلجام للعوز … فيلتهب اللوز … حيث لا فكروصوت … يغنيان عن الموت … فما أتعس الانسان … لا ينطق فيه اللسان … ويحمل كالبغال … تحت السوط والنعال … الأثقال والهموم … يتغذى بالسموم … في البضاعة المزجاة … من بيادرالنجاة … فلا يرفس أويثور … حتى أمسى كالدثور … تحت الطمى والغبار … ومن خلفه الآبار … تغلي بنارالذهب … لكن لأبي لهب … وزمرة الجاهلين … اللهاث الماهلين … في القنص
 والاصطياد … وبرسم الانقياد … الكامل للسادة … يدنو من العبادة … لمعدومي الايمان … من أوثان الزمان … ليست خشيتي المنون … بل الشك والظنون … ونظرة الالتباس … في عمق ايمان الناس … بفساد في الغربال … والشراع والحبال … كيف البيدريكون … تحت المالك الخؤون … وميلان الأرياح … الى وجهة الأرباح …. من سلة خبزنا … في منبت عزنا … لمن يشبه قارون … يوم موسى وهارون … مع الفرعون الأخير … لحين النزع الأخير … كانا معا في صراع … بالعصا وبالذراع … مع الشروأهله … ضد الكفروجهله … بيد أنهم الآن … في نهاية الأوان … بعد أن تجولوا … كثيرا تحولوا … الى أسماء أخرى … قد تباع وتكرى … في أسواق السياسة … وبيدرالرياسة … وحينا بالاقتحام … عند الطلق والوحام … لحرم السابقين … يصبحوا مفارقين … عزا يصنعه الذل … وهوانا لدى الكل … جعلانا كالقعيد … الجالس والبعيد … في كهفنا بالوصيد … فهل في حب الحصيد … بذرة دون زوان … حبة من دون جوان … الذي يعتلي العرش … همه الفرج والكرش … لم يطالها الفساد … أو مسحة من كساد … ولتذهب الى سقر … عقرالشروالمقر … محتويات السلال … من حبوب وغلال … مع البيدرالعاقر … وحظ الشعب الفاقر … يا أحبتي القراء … ذوي النواصي الغراء …  لقد رأيت العجب … حدا بي الى العتب … فالناس في هاهنا … بعد ايناع المنى … وهم دون الأربعين … دون حصرأوتعيين … لمراحل العمر … مثل الهنود الحمر …  من الدنيا يفلتون … تقصم منها المتون … بالأمراض الخبيثة … وبالخطى الحثيثة … للموت منهم يدنو … عين الملاك ترنو … الى مصيرمجهول … يرقب فيه الكهول … ليس خيرة الشباب … قد غدونا في تباب … كأني به يقول … ما بال هذي الحقول … بالغارات محمومة … للردى ومسمومة … هل هوالمرء البليد … منذ ماضيه التليد … لم يتقن التحدي … يستمريء التعدي … من لدن قوى الظلام … بالسلاح والأقلام … ناهيكم عن الأعلام … التي تنفي السلام … قد أثقلت عليكم … وكي أرمي اليكم … محبتي بالكامل … ولست بالمجامل … ان لم اكن فلاحا … قد أكون ملاحا … وألقي بمرساتي … في هذا الجوالعاتي … ورضاكم مطلبي … ديدني ومشربي … وغيرهذا الهدف … لا يحتويه الصدف … في قعربحيرتي … ومنها نحيرتي … الى أن القى ربي … لكم أجل حبي .

ثم غادر المشفى فلاح حماره وفي أسفله قد تكوم الروث فصاح الغوث الغوث .