محمد خليل :

أصبح مصطلح اللجوء من أكثر المصطلحات استخداما في وصف مظاهر البؤس الإنساني، وهذا يشكل مدخلاً أساسياً ومنهجياً في حياة الفرد وعلاقته بالطبيعة البشرية بشكلها الجديد. ويشهد مفهوم اللجوء تطوراً كبيراً وطابعاً خاصاً في التحولات الاجتماعية المعاصرة في مختلف جوانب الحياة.

في سياق هذا التجدد الفكري لمفهوم اللجوء، يتضح لدنيا مفاهيم ثانوية في بنية المجتمعات الحاضنة للاجئين، والتي تحاول من خلالها خلق توازن فكري وثقافي وحياتي بين رؤى السكان الأصليين والمهاجرين. ويتم ذلك عبر طرح خطط وبرامج معينة، تسهل من عملية الاندماج الاجتماعي.

ولكن ربما لم يتم دراسة أو رصد أبعاد الاغتراب بشكل كاف، ليعرف الحالة الإنسانية التي يشعر بها اللاجئ والضغوطات الاجتماعية التي يعاني منها، كاللغة والعمل والعلاقات الاجتماعية..إلخ.

أن أي فرد في أي مجتمع، يحاول دائماً أن ينتج أو يؤسس حالة حياتية تؤثر بشكل مباشر في المجتمع. وهذا يتلخص في عدة حالات: كالإبداع والحرية والتجارب الشخصية وحالات مختلفة يمارسها جميع الأفراد.

طبعاً في أي عمل يقوم به الفرد، يصنف بشكل تلقائي في الخانة الإبداعية، والتي تؤثر بشكل مباشر في فهم الفرد لمبدأ الانتماء وتحقيق الذات الإنساني، فيحقق من خلالها شروط الاندماج والتكيف مع الوسط الاجتماعي.

أن ما ذكرته يلخص بأن أي عملية اندماجية، تحتاج إلى قواعد ارتكاز تلامس حسياً كينونة وجوهرة الفرد، والتي هي العقل والحرية والعمل والانتماء. وللأسف، هذه الخصائص يعاني منها الفرد في أغلب المجتمعات، وبالأخص الشرقية، التي تعاني حالياً من اضطرابات اجتماعية وأزمة هوية ودين، وصلت إلى فقدان الفرد إنسانيته بشكل مطلق.

وفي هذا السياق، يمكننا القول: بأن مصطلح اللجوء تبدى في أشكال حسية مفرطة بالدونية في تلك المجتمعات، وأن عملية التنقل هو فقط جسدي وليس فكري. بمعنى، أن معظم اللاجئين يعانون من اغتراب شخصي وليس مكاني. وهذا ما تحدث عنه مولفان سومان وحدده في خمسة أبعاد أساسية لمفهوم الاغتراب وهي:

الحرمان من السلطة، غياب معنى الحياة وغياب المعايير، ومن ثم القيم، وإحساس بالغربة عن الذات.

وأعتقد أن أكثر الأشخاص عرضة للاغتراب، هم المتدينين الأصوليين، الذين يتخذون الدين أساس الحياة، بمختلف مجالاتها، ويحاولون بقدر المستطاع، أنشاء نظام اجتماعي منعزل عن المجتمع العام. ولكن نتيجة لعدة عوامل أثررت بشكل قطعي على مفهوم الدين، وخاصة الإسلامي وربطه بالإرهاب. فقد تغيير مواقف عدة دول من اللاجئين القادمين من مجتمعات دينية محافظة نسبياً، ولكن ربما كحالة اجتماعية وليست دينية  ” كالحجاب مثلاً” وأنتجت ذلك ردة فعل عنيفة من قبل أنظمة بعض الدول، كأزمة –البوركين- في فرنسا.

من هنا نستطيع تحديد عدة نتائج أو مخاوف من النتائج القادمة والتي ربما ستكون سبباً في مراجعة المجتمعات لمفهوم اللجوء بشكل أوسع، وهي:

غياب الوعي الحسي لمفهوم التكامل عند اللاجئ تجاه المجتمع، أي عدم اللامبالاة فيما يواجهه المجتمع من أزمات سياسية واقتصادية.

عدم التكيف مع الثقافة الحياتية والدينية للمجتمع الجديد، والشعور بالدونية وعدم الثقة بالنفس والقلق المستمر من القادم.

ردات فعل غرائزية مجردة من القيم الاجتماعية والأخلاقية. أي عدم اكتراث للمرافق العامة والتقييد بالقوانين.

أن النتائج التي ذكرتها، ليست بالضرورة صحيحة، هي فقط فرضيات أتمنى أن تكون خاطئة. وأن يكون الاختلاف على بنية المجتمع، لتطويره لا لهدمه. لأن الفهم الأعمق لدلالة هذا المفهوم وخصوصياته، سيولد هالة اجتماعية متفاعلة فكرية، تنور عقلية الفرد وفهم دوره في صياغة التغيرات الجديدة بشكل عقلاني وأنساني.