الانتفاضة العراقية عرت الاوهام الايرانية
ادهم ابراهيم

لم تكن الانتفاضة العراقية الاخيرة حدث عابر في تاريخ العراق الحديث. بل هي انعطافة كبيرة في مفهوم المواطنة الذي عملت السلطة الحاكمة على تغييبه من خلال احلال مفاهيم طائفية غريبة عن المجتمع العراقي، في محاولة منها لتقسيم المجتمع واضعاف البلد ليكون تابعا لايران. ولكن العراقيين ادركوا هذه الحقيقة وانتفضوا في وجه العملاء ليعيدوا الروح الوطنية للشعب العراقي، وانتزاع العراق من سطوة النفوذ الايراني، وقد بدا ذلك جليا من خلال الهتافات والشعارات المناهضة لايران، اضافة لاحراق قنصلياتها في عدد من المحافظات

لقد حاول ملالي طهران طيلة خمسة وعشرين عاما مد نفوذهم الى العراق تحت شعار تصدير الثورة الا انهم فشلوا في ذلك فشلا ذريعا. حتى جاء الاحتلال الامريكي للعراق بمساعدة حكام طهران والذي مهد لهذا النفوذ على اوسع نطاق، ليحل التقسيم الطائفي والقومي محل الوطنية العراقية. هذه الوطنية التي اقلقت امريكا وحلفائها في المنطقة. فقد كتبت مجلة فورن بوليسي في 13,11,2019 ( لهذا اصبح التخفيف من الوطنية العراقية البغيضة هو الشاغل الاكبر للسياسة الامريكية في التسعينات من القرن الماضي حيث ان الوطنية العراقية تقلل من قدرة الولايات المتحدة على العمل في ذلك البلد)٠
وهكذا اصبح التدخل الايراني فاعلا في تخريب البلد من خلال توافقه مع الولايات المتحدة الامريكية لتنصيب حكام عملاء جهلة من حزب الدعوة وغيره من الاحزاب والكتل الموالية لايران لجعل العراق دولة فاشلة بكل معنى الكلمة، بعد ان كان بلدا يحتذى به على المستوى الاقليمي والدولي ، ومن ثم جعله محافظة تابعة لايران
ولكن الشعب العراقي من الشعوب الحية التي ترفض التبعية لاي جهة او دولة، ويتمتع بتاريخ تليد وحضارة عظيمة، اضافة الى الحس الوطني العال، ولذلك تناخى العراقيون لرفض التبعية لايران، وطالبوا بعراق مستقل واحد، ذو سيادة. ولكن ايران خشيت من هذه الانتفاضة كونها تمثل تهديدا خطيرا لمصالحها الاقتصادية وطموحاتها السياسية. فالعراق يعتبر جسر حيوي لها للوصول الى سوريا ولبنان حتى البحر المتوسط، اضافة الى كونه بقرة حلوب تستطيع من خلاله التهرب من العقوبات الامريكية، والحصول على العملة الصعبة
ان ايران ومنذ ستة عشر عاما تتحكم في العراق وفي العملية السياسية برمتها، والاحزاب العراقية المشاركة في السلطة لها هدف اساس يتمثل بالسعي لتحقيق المصالح الإيرانية على حساب المصالح العراقية، ومصالح الشعب العراقي
ولذلك نجد ايران ومليشيات الاحزاب المساندة لها في العراق قد لجأت الى القوة المفرطة تجاه المنتفضين، في محاولة منها لوقف انتفاضة تشرين العظيمة، التي تحولت الى ثورة هزت اركان النظام الموالي لها وهي تحاول بكل الطرق القضاء عليها او احتواءها، لانها تدرك جيدا بانها ثورة شعبية ستؤدي الى خسارة نفوذها الواسع نهائيا في العراق ومن ثم في سوريا ولبنان

تسعى إيران، وبحسب ما تسرّب لوسائل الإعلام، إلى السيطرة على الاحتجاجات في العراق، تارة بتقديم تنازلاتٍ تعلنها السلطة الحاكمة في بغداد، وتارة أخرى بالعنف المفرط الذي تجابه به جموع الشعب العراقي من قبل القوات الأمنية، والمليشيات الموالية لولي الفقيه. ولعل ما نشرته وكالات إخبار عالمية عن تدخل شخصي من قبل قاسم سليماني في مجابهة التظاهرات، واللقاءات التي عقدتها زعامات سياسية ودينية عراقية في طهران، يشير إلى حجم الأزمة التي تعيشها إيران، بفعل الاحتجاجات العراقية المتواصلة منذ أكثر من شهرين
وإذا كان العراق بمثابة درّة التاج الإيراني كما وصفه محلل سياسي إيراني، فإن الانتفاضة الشعبية في العراق تمثل ردّة فعل ثوري تجاه النفوذ الإيراني وتؤشر إلى مرحلة جديدة، مما يتوجب على إيران أن تتعاطى معها بحكمة، وليس بمزيدٍ من العنف والقمع تجاه المتظاهرين ، لأن ذلكً سيرتد عليها ويطيح باقتصادها ومستقبلها السياسي، وعليها التفكير مليا قبل الاساءة للشعب العراقي. والمنطق البرغماتي يوجب عليها الاعتراف باستقلالية العراق، والتعامل معه على اساس المصالح المتبادلة، وليس من منطلق حاكم ومحكوم، وان تعيد حساباتها بالتدخل في الشؤون الداخلية للعراق. فالعراق دولة مستقلة منذ عصبة الامم، ومن الواجب تعزيز الثقة المتبادلة بين الطرفين
وبخلاف ذلك، فان القمع المفرط تجاه المتظاهرين العراقيين ، سيسمع صوته، في شوارع طهران ، فالإيرانيون يتابعون ويراقبون مشهد الانتفاضة وحرق القنصليات الايرانية، والهتافات الرافضة للتواجد الايراني في العراق وحتماً ستكون للايرانيين وقفات أخرى في قابل الايام، ربما لن يطول زمانها حتى نراها منتشرة في كل المدن الايرانية ، فالتشبّث الإيراني بالعراق الى حد استخدام القوة تجاه شعب اعزل، قد يُخرج الأمور عن السيطرة، وتكون ردة فعل العراقيين قاسية تجاه ايران، خصوصا في ظل صمود العراقيين بوجه آلة القمع الايرانية و الميليشيات التابعة لها

ان الانتفاضة العراقية العارمة قداحدثت شرخا كبيرا بين الشعب العراقي وايران، هذا الشرخ سوف لايمكن تداركه مهما عملت طهران، حيث اصبح دم الشعب العراقي في رقبة حكام طهران واذنابهم في العراق، وان الشعب العراقي سوف لن ينسى الموقف الايراني الدموي تجاهه، وهذا الموقف ليس آنيا بل هو امتداد لموقف ايران من الشعب العراقي على مدى سنوات من التدخل المباشر في الشأن العراقي حيث ساهمت في دعم النظام المحاصصي الطائفي، اضافة الى تخريب البنية الاساسية للاقتصاد العراقي للهيمنة على مقدرات العراق. انهم باعمالهم هذه خسروا الشعب العراقي نتيجة طغيانهم واحلامهم القومية التوسعية باسم الدين والطائفة

ان انتفاضة تشرين العراقية قد اعطت تاثيرا ايجابيا على العراق ومستقبله ، وسلبيا على ايران، وان مصير ايران سيصبح محل تسائل في المستقبل القريب، بعد ان ضاقت عليها الدوائر في الداخل والخارج

على النظام الايراني إذن تقبل هزيمته بالعراق بعد رفض الشارع العراقي له . وان تعيد ايران ترتيب اوراقها في العراق، وتقيم علاقات حسن جوار مستندة على السيادة واستقلال القرار العراقي والعودة الى علاقات تجارية طبيعية اسوة بدول العالم. والكف عن استخدام الدين والطائفة وتصدير الثورة باسم المقاومة الاسلامية كواجهة للتوسع الايراني في المنطقة، بعد ان انكشفت اهدافها في العراق وخارجه
ادهم ابراهيم