الامام الحسين(عليه السلام)…الإنسان/3
بقلم : عبود مزهر الكرخي

{ …. إِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِـراً، وَلا بَطِراً، وَلا مُفْسِداً، وَلا ظَالِماً، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإِصْلاحِ في أُمَّةِ جَدِّي، أُرِيدُ أنْ آمُرَ بِالمَعْروفِ وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، وَأَسِيرَ بِسيرَةِ جَدِّي وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين }.
هذا الكلام لأبي عبد الله يتخذ ثلاثة أبعاد مهمة وهي :
أولاً: البعد السياسي (الحركي).
ثانياً: البعد الفقهي.
ثالثاً: البعد العقائدي.
وهذه الأبعاد الثلاثة علينا التأمل بها وبدقة متناهية فيما اورده الأمام الحسين(ع) من عبارات عظيمة، والتي سنحاول معرفة الفهم الحقيقي لكل بعد من هذه الأبعاد الثلاثة.
أولاً : البعد الحركي
ولو نأتي ما البطر ومعناها ” تبطَّرَ يتبطّر، تبطّرًا، فهو متبطِّر • تبطَّرَ الغنيُّ: بطِر، استخفّ النّعمة وكفر بها ولم يشكر ربّه عليها “أمر ديننا بشكر الله وعدم التبطر على نعمه”.
وعموماً فأن البطر هو : 1 ـ وقع في الكبرياء عند حلول النعمة. 2-النعمة: كفرها، لم يشكرها.
والآشر هو المرح وشدته(1).
ومن هنا استهل كتابه هذا في وصيته الى أخيه محمد بن الحنفية ان خروجه الشريف ليس من واقع التغطرس والتكبر والرياء والسمعة، فالأشر هو المرح كما ذكرنا سابقاً، والبطر هو الكبرياء والزهو بالنفس، بل كان خروجه والبعد الحركي هو خالص لوجه الله سبحانه وتعالى والتي تأتي سوف تكون لغرض محاربة الفساد والإصلاح. ولهذا هو كان يؤكد في كلماته تلك النوايا الصادقة التي خرج من اجلها وليعطي درس مهم للمؤمن في ان يحقق الإخلاص لله تعالى في كل افعاله التي يؤديها ولهذا فكما ورد عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ (ع( قَالَ: كَانَ الصَّادِقُ (ع) يَقُولُ: إِذَا خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ لَكَ وَ بِحَقِّ مَخْرَجِي هَذَا فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشَراً وَ لَا بَطَراً وَ لَا رِئَاءً وَ لَا سُمْعَةً وَ لَكِنْ خَرَجْتُ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِكَ وَ اجْتِنَابَ سَخَطِكَ فَعَافِنِي بِعَافِيَتِكَ مِنَ النَّارِ)(2).
ولهذا يجب على الذات المؤمنة ان تحتاج الإخلاص في النفس وكل نهضة يتصدى ويقوم بها وعلى مستوى الأمة والمجتمع ضرورة الأخبار والأعلام عن هذه النهضة أو الحركة التي يقوم بها، ولهذا كان الإعلان الأمام الحسين(ع) بعدم خروجه أشراً ولا بطراً وهو يسير على هدى القرآن الكريم لأن الأمام(ع) هو القرآن الناطق في الأرض ويسير على هداه حيث يذكر في محكم كتابه { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }(3)، وهو بذلك يجعل القرآن المرجعية والدستور له في كل ما يقوم به.
والملاحظ أن ما يثبت صدقية أبي عبد الله وهو أمام معصوم وصادق ومفترض الطاعة لأنه حجة الله على الأرض، وبالتالي لم يطلب التسليم له، ولكن خطابه هذا هو حجة على الناس وعامة المسلمين ليضع لهم بعد ذلك الحق بقوله في كلام أخر ليقول {… فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق }(4)ليثبت صدق ما قاله وما يقوم به، ليجعل أن مدار القبول لتحركه هو مدار إلهي، وليجعل راية الحق هي الراية التي رفعها في نهضته، ولأن عرفتم الحق حتماً ستعرفون أهله الذين يرفعون بيارق هو ومعسكر الحسين الذين معه، وكيف لا يرفع الحق وأبيه أمير المؤمنين الذي يدور الحق معه أينما دار كما ذكر ذلك جده رسول الله(ص) في أبيه.
وهذا الوثوق في النهضة الإصلاحية لايقوم بها إلا المخلصين من أهل التحرك، أما كل الأدعياء والأفاقين والمرائين فهذا المقياس يغيب عنهم بل هم لا يفكرون ويمتنعون بالتفكير والسير على أسس ربانية واضحة. وهذا ما نلاحظه بصورة جلية في أفعال بنو أمية الذين كانوا يخفون كل مقاييس الشرك عندهم كي لا يقوم الناس بمحاسبتهم وتقييمهم وفق هذا المقياس، ولهذا ففي الكافي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: { إن بني أمية أطلقوا للناس تعليم الايمان ولم يطلقوا تعليم الشرك لكي إذا حملوهم عليه لم يعرفوه }(5).
قال والد شيخنا البهائي قدس ‌سره : قيل : ” في معناه أن المراد أطلقوهم ولم يكلفوهم تعليم الإيمان، وجعلوهم فارغين من ذلك لأنهم لو حملوهم وكلفوهم تعليم الإيمان لما عرفوه، وذلك إنما هو أهل البيت عليهم ‌السلام وهم أعداء أهل البيت، فكيف يكلفون الناس تعليم شيء يكون سببا لزوال دولتهم وحكمهم وزيادتهم بخلاف الشرك، ولا يخفى بعده، بل الظاهر أن المراد أنهم لم يعلموهم ما يخرجهم من الإسلام من إنكار نص النبي والخروج على أمير المؤمنين عليه‌ السلام وسبه وإظهار عداوة النبي وأهل بيته وغير ذلك، لئلا يأبوا عنها إذا حملوهم عليها، ولم يعرفوا أنها شرك وكفر.
وبعبارة أخرى يعني أنهم لحرصهم على إطاعة الناس إياهم اقتصروا لهم على تعريف الإيمان ولا يعرفوهم معنى الشرك لكي إذا حملوهم على إطاعتهم إياهم لم يعرفوا أنها من الشرك فإنهم إذا عرفوا أن إطاعتهم شرك لم يطيعوهم “(6).
وفي الامر الثالث الفساد ولغوياً الفساد في معاجم اللغة ” الفسادُ: نقيض الصلاح، فَسَدَ يَفْسُدُ ويَفْسِدُ وفَسُدَ فَساداً وفُسُوداً، فهو فاسدٌ وفَسِيدٌ فيهما، ولا يقال انْفَسَد وأَفْسَدْتُه”(7)، والتي نفاه الامام الحسين(ع) هو أنه لم يخرج للفساد(وهو نقيض الإصلاح)والمعنى واضح فلم يرد إفساد في المجتمع وفي الأمة المحمدية، بل كان يريد الإصلاح، لاكما يصوره بعض الكتاب والفقهاء من وعاظ السلاطين أنه خرج لطلب الحكم وأنه خرج على خليفة على خليفة زمانه والذي هو الفاسق وشارب الخمر وقاتل النفس المحترمة يزيد(عليه لعائن الله).
وينتقل إلى الأمر الرابع صفة الظلم والاعتداء على الحرمات وعلى الأخرين، وهذا الكلام واضح من المعنى والظلم في تفسريه هو ” وَضْعُ الشَّيْءِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَأَصْلُ الظُّلْمِ الجَوْرُ ومُجاوَزَةُ الحَدِّ “(8).
فالإمام الحسين(ع) يريد من هذا البعد الحركي في الصفات الأربعة ان ينفي خروجه من أجل تلك الصفات الأربعة بل هو خرج لطلب الإصلاح ووحدة الأمة، لئلا أحد يقول أنه خرج من أجل تفرقة الأمة، بل ليقول بعدها { إِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإِصْلاحِ }ومن هنا تم حصر خروجه في (الإصلاح) وهو ضد الفساد والظلم وهذا أنه يمثل أعلانا بأن هناك فساد في المجتمع وفي أمة الإسلام ولذلك كان على أبي عبد الله وهو امام الزمان وحجة الله في أرضه الخروج للإصلاح في أمه جده مما قام به من الطلقاء من بنو أمية ومن معهم من فساد وظلم في الأمة المحمدية وليكون هو المصلح الذي كلف بهذا الأمة الإلهية من أجل أعادة الدين الإسلامي إلى طريقه الصحيح بعد ما قام به من الظلمة والطغاة من الشجرة الملعونة من بنو أمية وليقرن بقوله على حاكم مثل يزيد الإمام الحسين ويقول: ” إنا لله وإنا إليه راجعون وعلى الإسلام السلام إذ قد ابتليت الأمة براع مثل يزيد “(9).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ معجم اللغة العربية المعاصرة.
2 ـ أمالي الطوسيّ ج 1 ص 381. بحار الأنوار / 81، الحديث وعلومه. الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي، باب ) * ( صلاة التحية والدعاء عند الخروج إلى الصلاة ، وعند ) » * « ( دخول المسجد ، وعند الخروج منه ) » * ص 19.
3 ـ [ الأَنْفال : 47 ].
4 ـ العوالم ، الإمام الحسين (ع) – الشيخ عبد الله البحراني – الصفحة ١٧٩. منشورات المكتبة الشيعية.
راجع بحار الأنوار 4 / 329.
5 ـ شرح أصول الكافي – مولي محمد صالح المازندراني – ج ١٠ – الصفحة ١٣٤.
6 ـ منشورات المكتبة الشيعية. مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول المؤلف : العلامة المجلسي ، الجزء : 11 صفحة : 234.
7 ـ معجم لسان العرب لابن منظور مادة(فساد).
8 ـ المصدر نفسه مادة (ظلم).
9 ـ راجع كتاب الفتوح لابن أعثم ج 5 ص 17، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 184 والموسوعة ص 285. كربلاء ، الثورة والمأساة – أحمد حسين يعقوب – الصفحة ١٤٩، منشورات المكتبة الشيعية. اللّهوف، ص24.