الامام الحسين(عليه السلام)…الإنسان/1
بقلم : عبود مزهر الكرخي

معنى الإنسانية
مفهوم الإنسانية كما يرد في المعاجم اللغوية والقواميس هي مأخوذة من كلمة الإنسان، وتعني
الصفات والخصائص التي تجمع الجنس البشري، وهي تختلف عن معنى البوهيمية والغريزة الحيوانية، ولهذا ذكروا بأن معنى الإنسانية كاصطلاح : هي الصفة التي تجمع بين جميع البشر، بين جميع الناس، فعندما يقال “إنسانية” هذه الصفة تجمع بين كل الناس في هذا العالم، تجمع بين سبع مليارات من البشر في هذا العالم، وكلهم يدخلون في هذه الدائرة، دائرة الإنسانية.
ومن المعلوم ان رسالة الإسلام السامية هي تدور في محور الإنسانية وجميع الأديان السماوية الأخرى وتركز على الإنسان كغاية عظمى، وأهم محور هو بناء الإنسان وإصلاح الإنسان ليكون بالتالي الإنسان الكامل بمعنى الكلمة. وفي البداية نود أن نوضح أنه لو تخلى الإنسان عن إنسانيته ليتحول إلى اللاإنسانية فيه نؤدي إلى أهدار القيمة السامية للإنسان ومن كل الجوانب وبالتالي أفراغ حقيقة خلق الله سبحانه وتعالى للإنسان والذي بث فيه من روحه ليكون خليفة في الأرض والذي وصفه الله في محكم كتابه بقوله { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}(1). وبالتالي تحوله إلى الحالة الحيوانية والتعامل وفق شريعة الغاب ونزع كل مظاهر الإنسانية منه.
ومن المعلوم أن ثورة أبي الأحرار أبا عبد الله الحسين (عليه السلام ) كانت تطرح كل القيم العظيمة بما فيها القيم الإنسانية والتي سوف أؤكد في مقالتي هذه عليها، حيث من الواضح أن كثير من أبناء العامة وكذلك الغرب لا يعرفون ماهية هذه الانتفاضة التي هزت العرش الأموي وكذلك صححت مسار الإسلام الذي أخذ ينحى إلى مسارات خاطئة من قبل كثير من الطلقاء والمحسوبين على الإسلام فبقاء الإسلام ودوامه كان بفضل هذه التضحيات التي قدمها سيدنا ومولانا الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وصحابته الأبرار . وقد تيسر لي السفر إلى بلدان غربية وشرحت لهم ماهية الثورة ومعانيها العظيمة فصدقوني قد بكوا على هذا المصاب العظيم وكيف يتم قتل هذا القائد الملهم لكل المعاني الخالدة ونخبته الوفية الذين قدموا مهجهم في سبيل ثبوت ورسوخ الإسلام ومبادئه العظيمة ونفس الشيء كذلك في الدول العربية وهنا في عالمنا العربي والإسلامي يكون الأمر أعظم حيث بتوجه من علماؤهم المحسوبين على الدين من وعاظ السلاطين ومن لف لفهم يتم التوجيه على أمور عدة من ابسطها أن يزيد هو خليفة وقد حارب الخارجين على الخلافة وبضمنهم الحسين ( ع ) ونفس الشيء بالنسبة إلى معاوية حتى أذكر لكم أنه في دول شمال أفريقيا يتم الاحتفال بيوم ((10)) عاشوراء ويقولون كل سنة وأنت طيب ويقدمون الأكل والحلويات للاحتفال بهذا اليوم لأنه تم إفهامهم انه من العشرة التي ذهب فيها نبي موسى إلى ربه ولا يتم التطرق أبدا إلى واقعة الطف وهذا هو التزوير في التاريخ والتحريف من قبل الفكر الأموي.
ومن هنا كانت نهضة الأمام الحسين(ع)هي نهضة إنسانية بكل معانيها السامية فهي إنسانية في دوافعها وأسبابها ومنطلقاتها واهدافها وبالأخص في محتواها ومضامينها ومحتواها ورسالتها الخالدة خلود الزمان ، ومن هنا يجب علينا التركيز على الجانب الإنساني لنهضة الحسين والتي أركز في كل اغلب مقالاتي عليها لتوضيح البعد السامي والعظيم لنهضة الحسين الإنسانية ولكل العالم أجمع. مع العلم إن كل ما كتب عن الإمام أبي عبد الله وقيل قاصرة بعض الشيء فشخصية الأمام روحي له الفداء هي شخصية مليئة بالمواقف الإنسانية والتعامل الإنساني فهي لم تستطع الإحاطة بالشخصية السامية للأمام ولم تتمكن من أيصال الرسالة المحمدية والإنسانية التي حملها الحسين الشهيد(ع) إلى كل إنسان في العالم. فالعالم يعرف جيفارا وغاندي ومانديلا والكثير من القادة، ولكن يلاحظ أن الأمام الحسين(ع)وبالرغم من أنتشار القنوات الفضائية لكن كنا مقصرين في أيصال الرسالة الإنسانية للإمام الحسين (ع)وإيصال المضامين الإنسانية لتلك الرسالة الخالدة والسامية .
ولو راجعنا الخطب الخالدة وكلامه العظيم منذ خروجه من مدينة جده رسول الله الأعظم محمد(ص)لوجدناها أنها ذات معاني وقيم عظيمة وخالدة والتي لا تتحدث عن أنه كان طالب حكم وملك كما يدعي الكثير من المبغضين والكتاب من أصحاب الأهواء الأموية والعباسية وحتى في وقتنا الحاضر فنجد أنه كلها خطب تتسم بالبعد الديني والفقهي والحركي ومطالبة الإصلاح في الأمة المحمدية ولهذا ” فجاءت شخصيته تجسيداً لرسالة الإسلام فكراً وعملاً وسلوكاً. إنّ للإمام الحسين (عليه السلام)، سيرة مُثلى في الحياة، وبُعد نظر، وسعة إيمان، واندفاع عظيم في العقيدة والمبدأ، تمثّل مركز الريادة في الفكر الإسلامي الأصيل، متبصّراً في كيفية حمل رسالة جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مجدّداً مسيره، عالماً بما يجب عليه، عاملاً بما توجبه عقيدته. لقد امتاز الإمام الحسين (عليه السلام) بمزايا وصفات قلّما تجدها في ثائر، أو أيّة نهضة على مرّ التاريخ. فقد اتصفت ثورته بإخلاصها في الدفاع عن العقيدة والإسلام، وكان إخلاص تلك الثورة في الدفاع عن الحقّ بعيداً عن أي اعتبار آخر، وكانت تحتل بحقّ من أثمن الدروس في الوفاء والتضحية. لقد كان الإمام الحسين (عليه السلام) الرائد والمعلِّم الأسمى في مسيرة الخير والتحرر والاستقلال والتنمية والدعوة للعدالة وحقوق الإنسان ومعاني الشرف والبطولة والفداء وترسيخ القيم الأصيلة والسامية من أجل حياة أفضل للإنسان ومن أجل حفظ الممتلكات الإنسانية مثل حقّ العيش في أمن وسلام والتمتع بالحرّية في الفكر والعقيدة وإبداء الرأي من دون تجريح في الآخر أو التقليل من شأنه. من أجل أن تكون لغة الحوار الهادف الذي يسوده الاحترام مهما كانت الاختلافات في الأفكار هي اللغة السائدة في العالم أجمع. الإمام الحسين (عليه السلام) ونهضته الخالدة لكلّ الأجيال ولكلّ الفئات ولكلّ الأزمنة بل للإنسانية وحركته (عليه السلام)، لم تكن حركة تخص بقعة جغرافية معيّنة أو فئة من الناس، بل كانت الحركة التصحيحية لمسيرة الأُمّة والنهضة العالمية، وثورة لاجتثاث كلّ أشكال التمييز والعنف والإرهاب ضد الإنسان “(2).
والتي في اجزائنا القادمة سوف نتعرض الى المسيرة السامية لأبي الأحرار الأمام الحسين (ع)لنلقي الأضواء على مسبرته الخالدة وخطبه الخالدة وما تحمله من قيم إنسانية عالية إن شاء الله إن كان في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ [التين : 4] 2 ـ مأخوذ من مقال بعنوان(الإمام الحسين (عليه السلام).. قائد المسيرة الإنسانية)للكاتب عمار كاظم. منشور على موقع البلاغ. الرئيسية . باب اخترنا لكم، بتاريخ ١٥ آب/أغسطس ٢٠٢١ | ٦ محرم ١٤٤٣ هـ. الرابط :
https://www.balagh.com/article/الإمام-الحسين-عليه- السلام-قائد-المسيرة-الإنسانية