لا يختلف عاقلان من عقلاء العالم في حقيقة اقرت بها كل الأديان السماوية وهي أن دم الإنسان وكرامته أقدس شيء في هذا الوجود ، ولذا فإن كل شعوب العالم قد تجامل أو تهادن أو تصبر على أي قضية ما عدى دم الإنسان وكرامته ، إلا في وسط وجنوب العراق المنطقة التي شاء الله أن تكون موطنا لأتباع أهل البيت الذين هم أكثر تشددا في الحفاظ على كرامة الإنسان وحرمة دمه ففي هذه المنطقة لاحرمة لدم الإنسان ولا أهمية لكرامته وإذا أردنا أن نقف على حقيقة هذا الأمر فما علينا إلا أن نزور ( مغاسل الموتى ) في مدينة النجف الأشرف ، عندها سوف ترى المشاهد المروعة لأعداد القتلى الذين ينتظرون تغسيلهم ثم دفنهم ، الحكومة العراقية أصدرت تعليمات بعدم تمرير جنازات قتلى شبابنا في المنطقة الغربية المشؤومة وقتلى التفجيرات المستمرة على الأضرحة المقدسة حتى لاتثير كثرتها الشارع العراقي ، وحتى تبقى شبابنا تدفن بصمت ، وأولادنا تستنزف باستمرار ، من أجل ماذا؟ من أجل لاشيء يهمنا أو يشكل فقرة مفصلية في حياتنا تستحق التضحية بكل تلك النفوس البريئة ، وأنا أريد أحدا يجيب على هذا السؤوال : هل أن في وسع دماء ابنائنا وشبابنا وفق المعطيات السياسية والصراع الحالي أن تحول المنطقة الغربية إلى واحة سلام وأمان ، أبدا ، والدليل على هذا ( الأبد ) هو أنه ومنذ سنة 2003 والمنطقة الغربية تستعر بالنار والحديد والصراع الطائفي ، وهذا الأمر لو أراد العقلاء أن يتمعنوا فيه لما وجدوا غرابة لتوافر هذه الحالة الشاذة التي يصعب معالجتها ، لأن كل متطلبات اشعال النار في المنطقة متوفرة بل تزداد يوما بعد آخر ، فثقافة أكثر من 50% من شباب ورجال المنطقة تستحوذ عليهم ثقافة القتل التي استقوها من حزب البعث الذي كان يحتضنهم لثلاث عقود ، ثم جاءت القاعدة لتؤدلج تلك الثقافة وتوجهها وجهة عدوانية مذهبية ، فالمنطقة الغربية ومحافظاتنا ياساسة الوسط والجنوب وياعقلاء محافظاتها وياعلمائها اشبه بالزيت الذي لايختلط بالماء مهما حاولنا واجتهدنا ، فالمنطقة الغربية نضجت فيها مرحلة لايمكن معها أن تنسجم أو تتعايش مع الوسط والجنوب ولا مع كردستان لو امتد زمن قتالنا فيها مئات السنين ولو أعطينا من شبابنا اضعاف ما أعطيناه في زمن المقبور صدام ، وأن استمرار تبني حل التدخل في المنطقة الغربية يعني أننا نعطي دماءا بلا ثمن ، وأن تلك الدماء سوف تستوقف كل السياسيين والعلماء والمثقفين ممن لهم القدرة على التفكير في يوم القيامة ، لكن المشكلة أيها العقلاء هي أن لا أحد يفكر بيوم القيامة ، فالجميع تستحوذ عليها الدنيا ومتاعها والمناصب وامتيازاتها ، وهم حين يمارسون ذلك النعيم في قصور وسيارات فارهة لايشعرون بتدفق الدماء من شرايين المئات من شبابنا ، ولآنهم لا يرون أصلاً كيف تقطع أوصالهم في رمال صحراء الأنبار ووديانها ، هم يمارسون حياة الدعة والسلام بين عوائلهم تاركين شبابنا من الفقراء والمعدمين يسارعون إلى حتفهم من أجل قضية لم أر فيها أي قدسية كما لم أر في الأفق القريب لها حلاً ..

لقد كتبت الكثير عن الفيدرالية منذ سنة 2005 ، وأكدت أن فيها الدواء الناجع لكل أمراض العراق السياسية والاقتصادية وهي السيف الوحيد الذي نقطع به دابر الفساد وسرقة المال العام ، لكن من بيدهم الأمر لم لا يحلو لهم هذا الحديث لأنه لايخدم دنياهم وسطوتهم على ثرواتنا ، كما أن من يقتل ليس قريبا منهم وأعطوني شخصا واحدا قتل من أقرباء أي سياسي من سياسيينا في الوسط والجنوب ، كما أن الأموال التي تسرق ، هي فقط تطيل من ليل فقرائنا وتعمق مظاهر التخلف في مدننا ، لكنها تتحول إلى حسابات أحزابهم وتبنى فيها فلل وقصور في لندن وباريس وعواصم دول الخليج ، وبذلك أصبحت دماء شبابنا وتخلف مدننا جسرا يعبرون به للنعيم . فما عاد ثمة أمل فيهم بعد أن أدركنا أن ثمن هذه السياسة ندفعها نحن الفقراء دماءا وحرمانا . لقد رجعت للتو من زيارة لأقليم كردستان العراق ، ولقد بهرت بجمال مدنه وأمنها وسلامها ، أن الحياة فيها جميلة رتيبة لايعكرها حقد البعث ولا عدوانية القاعدة ، وعندما تمعنت في الأسباب التي منحت كردستان كل تلك الرحمة وجدت أن الحكومة في الأقليم لا تسمح لأي فرد أن يتجاوز حدودها الإقليمية دون أن تحقق معه وتصوره ، وهم بذلك استطاعوا بحكمة الإصرار على البقاء في إقليم أن يحقنوا دماءهم ويركزوا اهتمامهم على البناء والتعمير ، وفي الأقليم لم يكتفوا بذلك من أجل الإسراع ببناء إقليمهم فراحوا يجاهدون من أجل الأستحواذ على أكبر قدر من المال من الحكومة الاتحادية لتحقيق عمار أكبر بل راحوا يتجاوزون على المباديء التي تحكمهم مع العراق فأسرعوا في تصدير النفط إلى العالم ، أما نحن في الوسط والجنوب لم نستطع وبعد عشر سنوات أن نقلل من شبح الجوع والتخلف وبقت مدننا متخلفة تبحث عمن يتكرم عليها ببعض الجمال ومشاريع المجاري . نحن في الوسط والجنوب منهمكون في حرق أموالنا في المنطقة الغربية أسلحة وعتاد ورواتب يصل الكثير منها إلى العصابات الإجرامية في داعش وعناصر ما تسمى بالثورة العراقية الكبرى عبر وسطاء تعتبرهم الحكومة مجاهدين يساندون الحكومة ، فهل ياترى ونحن نمارس مثل هذا الدور في قتل أنفسنا وحرق أموالنا نمتلك ذرة من الحكمة .
والحاجة الملحة في إقامة الإقليم في الوسط والجنوب لها اسباب ودواعي كثيرة يتعمد أصحاب القرار في حزب الدعوة الحاكم عدم الانتباه إليها لكثير من الأسباب : منها عدم امتلاكهم أي تصور محدد ومبرمج لإدارة الدوله فهم يتعاملون مع الدولة وكما يتعامل شيخ القبيلة مع قبيلته ، فكل الإجراءات عفوية وارتجالية وتعالج في حينها لغياب التخطيط المسبق . ومنها : غياب النظرة الاستراتيجية في تعامل رئاسة الحكومة لغياب المتخصصين وهيمنة الأغبياء في الهيئات الاستشارية وفي المراكز الوظيفية المهمة في الوزارات والدوائر الأخرى . ومنها : الخوف والهلع الذي يستحوذ على السيد المالكي من أن قيام الإقليم في الوسط والجنوب سوف يفقده القدرة على تجديد ولايته مما سوف يعرضه للمسائلة القانونية بسبب الفشل وصبغة الفساد التي طغت على فترة حكمه . ومنها : قيام الإقليم ليس في صالح بعض دول المنطقة والتي يهمها إضعاف الشيعة في العراق وهي تدعم الحزب الحاكم و تصور له أن في وسعها إبقائه لدورة ثالثة ورابعة .

فيا عقلاء الوسط والجنوب وياحكماءنا وعلماءنا ، لا حل لنا غير إعلان اٌقليم الوسط والجنوب ، وأنا لا أقول أن في >لك الحل السحرى لمآسينا وصراعنا مع الإرهاب والفساد ، لكن >لك يشكل الخطوة الأولى على الطريق ، ويوفر لنا فرصة الابتعاد عن الكلاب المسعورة للبعث والقاعدة وتقلل من فرص الحكومات الإقليمية في مساندة تلك الكلاب أو إرسالها إلى محافظات الوسط والجنوب ، ونعتقد أنه من الحكمة أيضاً مساندة دعاة الإقليم في المنطقة الغربية إلى إعلان إقليمهم ، في هذه الحالة فقط نكون قد امتلكنا وسائل عزل الإرهابيين ومنعهم من التسلل لمدننا بتشريع قوانين تحاكي قوانين إقليم كردستان التي نجحت في تحقيق الهدف ، ولنترك أهل المنطقة الغربية لمصيرهم فهم أحرار في أن يبقوا مع العراق كأقليم له ما له وعليه ما عليه ، وفي أن يقرروا مصيرهم فما عاد زيتهم يتقبل الإختلاط بمائنا ، وإذا ما أرادوا أن يشكلوا دولة مع السعودية وقطر فأعلموا أنه ليس في وسعنا أن نمنعهم عن ذلك وإن أعطينا نصف شبابنا وأحرقنا كامل ثرواتنا. وكفى استغفال شعبنا في الوسط والجنوب بخطورة التقسيم ، وعلينا أن نمتلك الشجاعة الكافية في المطالبة بالإقليم ، وأهلاً بالتقسيم إذا كان فيه حقن لدمائنا والحفاظ على ثرواتنا وصيانة كراماتنا . فكل العالم سبقنا حتى الدول الفقيرة التي لاتمتلك أي ثروة سبقتنا وبقينا نحن في آخر القائمة في الدول المتقدمة وفي مطلع القائمة في دول التخلف والفساد وسرقة المال العام .