بقلم : عبود مزهر الكرخي
بسبب الفوضى الكارثية التي تضرب كافة مفاصل المجتمع العراقي وشيوع المفاهيم الطارئة والهجينة التي جاءت بعد السقوط هنا برزت ظاهرة جديدة وحالة فوضوية قد طالت واحدة من أهم مرتكزات المجتمع العراقي وهي العشائر العراقية. ومن المعلوم أن العشائر العراقية وعبر التاريخ الحديث للعراق قد مارست دور مهم في بناء المجتمع العراقي والفرد العراقي على أسس دينية وتربوية وكانت خير عون وأداة في بناء مجتمعنا العراقي في البلد كما لا ينسى دورها الكفاحي والنضالي في مقارعة المستعمر والمحتل وعبر سنوات تاريخ العراقي وثورة العشرين الني حدثت في أوائل القرن الماضي خير دليل على ذلك بحيث كانت الملبية الأولى والساندة لدعوة المرجعيات الدينية في ذلك الوقت ولقنت المحتل البريطاني دروس لن ينساها على مدى الزمن وهذا ما صرح به قادتهم السياسيين والعسكريين وأعطت من أبناء العشائر قرابين كثيرة في هذه الثورة المجيدة وكذلك عبر سنوات الكفاح من أجل تحرير العراق من ربقة الاستعمار.
ومن هنا كان التاريخ المشرف لعشائرنا العراقية تاريخ يفتخر به كل عراقي وبالأخص عشائر الوسط والجنوب بالتزامن مع عشائر المنطقة الغربية وباقي المحافظات.
ولكن بعد السقوط ظهر أشخاص يدعون المشيخة ليتسلقوا الموجة الكارثية في العراق والذين هم كانت لديهم جذور وامتداد من الحقبة الصدامية الظلامية والذين قام الصنم هدام في ذلك الوقت بخلق هؤلاء الشخوص الطارئين وتنصيبهم وبالقوة وإمدادهم بالمال والسلاح وخلق طبقة معهم من حاشية السلطان من اجل التطبيل والتمجيد لهم وكل هذا الخلق لهذه المرتكزات الطفيلية من اجل تثبيت قواعد حكمه ومن خلال هؤلاء الأزلام المنافقين الذين لا يملكون إي ذرة من الذمة والدين ومستعدين لعمل أي شيء من اجل مكتسباتهم الرخيصة لأنهم ليس لهم أي وازع ديني أو أخلاقي حالهم حال أزلام النظام البائد. ويبدو وأنه بعد سقوط الصنم وجد هؤلاء شيوخ التسعين كما كان يطلق عليهم من قبل العراقيين مجال أوسع في توسيع قواعد نفوذهم ومن خلال قبائلهم وليمارسوا أبشع الوسائل وباخسها ليصل إلى تصفية خصومهم في العشائر من الناس الخيرين ولتتسع ظاهرة هؤلاء الشيوخ وحتى من الناس الكبار والذين يطلق عليهم في العشائر(الفرايض) ويتسيدوا الموقف العشائري وليفرضوا عرفهم العشائري وبالقوة وهي أعراف عشائرية غريبة وطارئة ولا تمس بأي شكل من الأشكال إلى منهج وعرف العشائر الأصيلة القائم على أقرار الحق والعدل اقتداءً بالسيرة المحمدية ونهج ديننا الحنيف وسيرة أهل البيت القائمة على الحق والعدل ونصرة المظلوم والضعيف والوقوف بحق الظالم واخذ الحق للمظلوم ، وهذا ما يجب أن نعمل به وهذا ما أشار إليه ضرار بن ضمرة عندما دخل على معاوية ، فقال له : يا ضرار صف لي عليّاً ؟ وقد وصفه وصف عظيم وطويل ولكن نأخذ ما يخص مبحثنا فقال(… يعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ ، وَ يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ ، لَا يَطْمَعُ الْقَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ ، وَ لَا يَيْأَسُ الضَّعِيفَ مِنْ عَدْلِهِ… ). وبعد هذا الوصف العظيم ذرفت دموع معاوية على لحيته فلم يملك رَدّها وهو يُنَشفها بكمِّهِ ، وقد اختنق القوم بالبكاء ، ثم قال معاوية : رحم الله أبا حَسَن ، فقد كان والله كذلك .(*) والكل يعرف أن معاوية(لعنه الله) كان العدو اللدود للأمام علي(ع) والذي أقر بعدل الأمام وما فيه من صفات خالدة وسامية.
والسؤال الذي يتبادر هنا الآن هل ما تقوم به العشائر من ادوار في وقتنا الحالي هل يطابق ما كانت تقوم تقوم عشائرنا العربية الأصيلة في الماضي وبالتحديد في القرنين الماضيين؟ وهل ما تقوم به العشائر من فوضى كارثية في وقتنا الحاضر يتأسى ويسير على منهج نبينا الأكرم محمد(ص وأهل بيته الطيبين الطاهرين(سلام الله عليهم أجمعين)؟ وأخيراً هل ما تمارسه القبائل والعشائر العراقية يساهم في بناء مجتمعنا العراقي الأصيل أم هو دور هدام ومعول قوي ومهم مضاف إلى المعاول الأخرى في تهديم بنية المجتمع العراقي؟.
وهذا ما سنحاول الإجابة عليه في جزئنا القادم ومن خلال الاستناد إلى قيم ديننا الحنيف والسيرة العطرة لأهل البيت والقيم الإنسانية المجتمعية الأصيلة إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ـ بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 84 / 156 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود باصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية. تذكرة الخواص : 118 . ورواه الحافظ ابن حجر في «الصواعق المحرقة» (ص131 ـ 132) .