ألأسفار ألكونيّة – ألحلقةُ السّادسة
ألوادي ألما قبل ألأخير – ألحيرة:
ألحيرة أحد المقامات العالية للفيلسوف الكونيّ تتحقق بعد كمٍّ هائل من المعرفة والأسفار و البلاء؛ إنّها آلمحطة ما قبل الأخيرة ألمصحوبة بالحيرة والحسرة و آلنّدم, بعد رحلة العمر التي فيها يبحث الطالب عن ذلك الذي جذبه لقبول هذا العالم!
ألنّدم على ما قضى من عمرٍ, و كأنهُ خيال مرّ للحظة وإنتهى رغم علمه بأن العمر لا يحسب بآلسّنين بل بذكريات جميلة خالدة, وآلسؤآل الأساسي الذي يدور في خلد (الحيران) الذي ليس فقط إستسلم لأمر الله؛ بل وكان توّاقاً على طول الخط لمعرفة المكتوب(القضاء والقدر) الذي يجهله عن مصيرة وكيفيّة ساعة آللقاء بمحبوبه, و لنتذكر كيف .. و لماذا قبلنا في عالم الغيب(ألذّر) أن نعيش هذه الحياة بعد ما أشهدنا الله على(أنفسنا) بعد قبول دمج (ألرّوح مع (البدن) ألذي يستقيم بقوّة العقل إما شاكراً أوكفوراً!؟
لكن السؤآل الذي حيّر العلماء حتى الحكيم العارف, هو:
ما الذي رأيناهُ حتى جذبنا وشوّقنا لهذه الحياة آلمُسمّاة بـ (آلدّنيا)؟
هل هو التعرف على جميع الخلق بكافة أصنافهم وأشكالهم الجميلة وتفاعلهم مع بعض في نسيج معقد للأستمرار بآلحياة لهدف ما؟
هل هي آلّلذات التي نشعرها بهذا الجسم من خلال حواسّنا؟
أم للتعرف على عظمة ودور أهل البيت(ع) و معهم الأنبياء؟
أم هو الشوق لدخول مدار أوسع ومرتبة وجودية أعلى في الكون بالأنتقال من عالم الذّر المحدود لعالم أرحب لنيل الجنة بعد الإمتحان؟
ولكن أيّة رحابة و سعادة ممكنة مع فوضى الحياة التي يشقى فيها الشرفاء والأخيار مع آلمآسي الكبرى التي ضمّت مظلومية ومصرع أشرف وافضل خلق الله الذين هم آلأنبياء وآل البيت(ع) والفلاسفة؟
وهل سيختزل وتنتهي كل تلك المآسي التي سبّبتها النفوس المستكبرة بدولة العدل الموعودة التي لا ندري كيف ومتى ستتحقق؟
لا يمكن للعاقل ناهيك عن العارف الحكيم أن يرضى بأن تتّحد هذه القضية الكونيّة الأكبر بمجرد شهوات آنيّة عابرة لا تطول سوى ثوانِ معدودة أو رئاسة زائلة أو لمجرد ملأ بطن بأحلى و أغلى الثمار التي سرعان ما تتحوّل لقاذورات كسيفة كنيفة يشمئزها حتى صاحبها؟
لا بُدّ من أسرار أرحب وأعمق وأجلّ من ذلك!؟
فهل هو للتعرف على أخلاق وجمال الله تعالى؟
ربما .. و لنترك كيفيّتها آلآن, لكنيّ وسط حمم هذه الأسئلة الكبيرة؛ لستُ متأكّداً و بعد إلإتيان بها من إنهاء مأساتي في البحث عن الحقيقة حتى بعد موت جسدي, رغم أنّها تعني الكثير .. الكثير!
وآلسبب هو: أنها أضفت لوجودنا الأسى و الحسرات على ما فرّطنا في جنب الله بسبب الغفلة واللهو وآلغرور وآلشهوات العابرة, خصوصا بعد ما أدركنا بأنّ هذه الحياة ألدّنية حقاً, لا تستحقّ كل هذا الحزن وآلكآبة, على صديق تركنا مثلاً أو مال خسرناه أو حبيب لم يعرف قدرنا أو سلطان خسرناه, أو صراع آلنفس للأستمرار بآلحياة, مقابل يأس خفيّ دبّ فينا لكثرة لهوث الممسوخين ألتافهين عليها؟
أم ليس كلّ ذلك؛ بل هي المحبة والمودة التي معها يُوحّد العاشق ربهُ حدّ الذوبان في جمال المعشوق على الرغم من ثقل تلك الأمانة وتجلّيها آنيّاً في كلّ صغيرة وكبيرة و حَدَثْ ومن كلّ الجّهات, ونقضها في آلمقابل بآلأستغناء عنها وآلزهد فيها بحيث لا يبقى أمام آلمسافر العاشق خيار؛ سوى الحيرة وآلصّمت وآلتغرّب عن ألدّنيا بعد ما يجد الطالب مبغاه, بوصوله قمّة آلمعرفة حتى كشف الغطاء!
و قد يسأل بعض ألعلماء: لماذا إذن يعيش العارف راضياً بهذه الدّنيا رغم ذلك الألم والحسرة و الحيرة و كأنهُ ضيّع مسيره نتيجة آلتعمق في تجسيد ألرّبوبية و التوحيد بذكر الله فيما حرّم وحلل حتى في ذرّات ومكونات الوجود!؟ بل لماذا قَبِلَها – أيّ الحياة – منذ الازل؟
هذه الدّرجة ألمعرفيّة العاليّة العظمى آلتي تُحدّد وجوده وماهيته وكأنهُ غير موجود؛ تجعله يعيش حالة السكر مع النشوة بظاهر الوجود أو باطنه, أو آلفناء فيه, أو التجليّ بعينه بعد عبور حُجب النور وكأنه فانٍ أو باقٍ مع العدم أو الأثنان معاً؛ أو هو العدم الذي معه لا يعد يعلم؟ وذاك اللا أعلم قد جعله لا يعلم شيئاً حقّاً .. لا يعلم حتى كونه مسلمٌ أم كافرٌ .. فماذا يُمكن أن يكون إذن؟
هو العشق .. لكنه أيضاً .. لا يعلم لمن ذلك العشق, ولا حتى ماهيّته؟
سوى علمه بِداهةً بإمتلاء وجوده بآلعشق, مع عدم وعيه بكنهه, و من هنا تبدء و تنتهي الحيرة بعد تحقق اللاعلم والفناء في السّرّ.
ليدخل عالما اخر يحسّ فيه الفقر, علّه يجد جواب السؤآل الأزلي؛ لماذا لا يعلم ولا يعلم أحدٌ سرّ هذا الوجود غير (آلسّرّ) نفسه!؟
ألفيلسوف الكونيّ