وصف الحلة الرحالة الشهير ابن  جبير الاندلسي في عام (580 هـ – 1184م) قائلا “هي مدينة كبيرة عتيقة الوضع  مستطيلة لم يبق من سورها الا حلق من جدار ترابي مستدير وهي على شط الفرات  يتصل بها من جانبها الشرقي ويمتد بطولها، ولهذه المدينة اسواق حفيلة جامعة  للمرافق المدنية

 والصناعات الضرورية وهي قوية العمارة كثيرة الخلق متصلة حدائق النخيل داخلا وخارجا، فديارها بين حدائق النخيل، والفينا بها جسراً عظيما معقودا على مراكب كبار متصلة من الشط تحف بها من جانبها سلاسل من حديد كالاذرع المفتولة عظما وضخامة، ترتبط الى خشب مثبتة في كلا الشطين تدل على عظم الاستطالة والقدرة”.
هذه هي مدينة الحلة كما وصفها الرحالة العرب، والكثيرون من الاجانب يعرفون مدينة الحلة لقربها من اطلال بابل، المدينة التاريخية التي وجدت منذ نحو سنة (3350 ق.م.) وتبعد عن مدينة الحلة اليوم حوالي 12 كيلومتراً الى شمالها وهي محجة لعدد كبير من الزوار الاجانب لما فيها من آثار غنية.
والحلة من المدن العراقية الجميلة، يسحر الناظر جمالها وتنعشه طلاقة هوائها واريج نسيمها، تكثر فيها الحدائق وتحيط بها البساتين من كل صوب وجانب، يشعر زائرها بالزاحة النفسية ويحس بالهدوء والجمال عند وصوله اليها، اذ لا يرى غير اشجار النخيل والازهار المنتشرة على جانبي الطريق المعبد النظيف من قرب محطة القطار حتى الجسر.
وخلال السنوات القلائل الماضية تقدمت مدينة الحلة في المجال العمراني والاجتماعي والصحي تقدما ملموسا محسوساً.. تقدما يدفعنا الى ان نهنئ القائمين على ادارة شؤونها تهنئة صادقة.
وقبل ان نسمع حديث المسؤولين عن التقدم الذي اصاب اللواء، قمنا بجولة في انحاء المدينة واطرافها فشاهدنا احياء جديدة قد انشأت وعبدت طرقاتها الرئيسية التي تسير فوقها باصات مصلحة نقل الركاب التي تربط اطراف المدينة بشبكة نقل منظمة، والعناية الصحية ظاهرة جلية للعيان، ومن حدائقها العامة: “جنائن بابل المعلقة” وانها لفكرة صائبة تلك التي حققت انشاء هذه الحديقة، فاكثر زوار بابل من الاجانب الذين يزورون الحلة بعد مشاهدتهم اطلال بابل، ومن اللطيف ان يشاهدوا نموذجا جميلا من “جنائن بابل المعلقة” المشهورة في التاريخ… تلك الحديثة التي كانت اجمل ما في المدينة والتي شادها الملك نبوخذ نصر لزوجته الحسناء ابنة امير ميديا، لقد كانت هذه الاميرة قبل زواجها تعيش في مدينة جبلية وقد تعودت منذ طفولتها رؤية الجبال وجمالها، فلما تزوجها الملك نبوخذ نصر تركت مدينة والدها الجبلية واقامت معه في بابل فثار في نفسها الحنين الى وطنها وتمنت العيش في محل تكثر فيها الجبال، فلما رأى زوجها الملك ما بها من حنين بنى لها هذه الحدائق المعلقة ولم تكن هذه الحدائق معلقة في الهواء كما يتوهم السامع وانما كانت طبقات مدرجة واسعة متينة قائمة على اقواس من الحجر، تصل السلالم بعضها ببعض، وعلى كل مدرج من هذه المدرجات طبقة من التراب ليسهل نمو الزهار والاشجار عليها.
وبعد هذه الجولة في انحاء المدينة قصدنا سعادة الاستاذ فاضل بابان متصرف اللواء ليحدثنا عن الاعمال التي قامت بها الادارة المحلية في لواء الحلة خلال هذه السنة وعن مشاريع مجلس الاعمار.
قال سعادته: ان الاعمال التي قامت بها الادارة المحلية تناولت المرافق الحيوية كافة، فمن الناحية الصحية تمكنا من تأسيس المستشفى السيار، وهو مستشفى كامل العدة والعدد والاول من نوعه في العراق، اذ تحملت الادارة المحلية نفقات شراء السيارات وما تحتاجه من مصاريف لرعايتها، ونفقات انتقالها من مكان لآخر، وقد ادى هذا المستشفى خدمات كبيرة لابناء القرى والارياف، وبالاضافة الى ذلك فقد ابتاعت الادارة المحلية اربع مكائن من نوع “تيفا” لقتل الحشرات، وزودت بالمواد الكيماوية المبيدة للحشرات، وقد انشأت ثلاثة مستوصفات صحية ثابتة في كل من قرية جناجة وابي جاسم والجوادية، كما ثبتت الادارة المحلية اكمال تشييد المبرة الملكية للامومة والطفولة في الحلة.
ومن الناحية الثقافية، قامت الادارة المحلية بتوسيع حملة مكافحة الامية في انحاء اللواء وتمكنا من فتح دار المعلمين الابتدائية، اذ تحملت الادارة المحلية عبئا كبيراً من مصاريفها منتشييد البناية الى قبول قسم من الطلاب والانفاق عليهم. وقد سدت جميع الشواغر في ملاك التعليم الابتدائي المحلي في اللواء. كما تم تشييد 12 مدرسة جديدة ابتدائية بالاضافة الى المباشرة بتشييد 4 مدارس على حساب مجلس الاعمار. وبوشر بتغذية 2000 طالب تغذية كاملة وارصد مبلغ قدره 8000 دينار لهذه الغاية بالاضافة الى تزويد الطلاب كافة بالحليب وكبسول دهن السمك حسب ارشادات الطبيب المشرف على صحة الطلاب، واعلنت مناقصة اكساء الطلاب بالبدلات الشتوية والطالبات الفقيرات بالصدريات.
ونظراً للتوسع الحاصل في مدينة الحلة وكثرة الزوار الذين يفدون اليها من عراقيين واجانب ، وجدنا ان المدينة مفتقرة الى مصلحة نقل الركاب لذا بادرنا الى تأسيس هذه المصلحة، وكان قوامها ست سيارات وهي من احدث الانواع، وكان اقبال الناس عليها شديداً. ونظراً للمراجعات التي حصلت من الاهلين لهذه المتصرفية ومتصرفية لواء كربلاء ولكثرة زوار مدينة النجف الاشرف وما يعانيه هؤلاء من رداءة وسائل النقل الاهلية بين الحلة والنجف عملنا على تسيير خط لسيارات المصلحة بين المدينتين بالاشتراك مع مصلحة نقل الركاب في النجف، فكان لهذا العمل اثر بالغ واستحسان كبير لدى الجمهور، ولنجاح مشروع مصلحة نقل الركاب والتحقق من فائدته قمنا بشراء ثماني سيارات اخرى فبلغ مجموعها اربع عشرة سيارة، وان العمل جار لربط انحاء اللواء كافة بمدينة الحلة بعد تبليط جميع الطرق. وقد تم حتى الان تبليط طريق الهاشمية – المدحتية وصرف مبلغ قدره 19.000 الف دينار كما صرف لصيانة الطرق 5.000 دينار.
وحدثنا سعادة المتصرف عن اعمال مجلس الاعمار في لواء الحلة وهي: اولا: مشروع المسيب الكبير لاحياء اراض زراعية لم تزرع منذ زمن بعيد، واحداث وحدات استثمارية للملكية الصغيرة فيها.
ثانيا: تبليط طريق بغداد – الحلة، ومن المتوقع الانتهاء منه قريبا وسيكون لها اثر كبير في نشاط الحركة التجارية وتحسن الحالة الاقتصادية في اللواء.
ثالثا: انجاز طريق الحلة – الكوفة والذي افتتح رسميا في السنة الماضية.
رابعاً: انشاء جسر الهندية الثابت والذي افتتح في السنة الماضية ايضا.
خامساً: تنظيم سايلو الحلة.
سادسا: مشروع توسيع نهر الحلة من سدة الهندية الى صدر الدغارة، والغرض من هذا التوسيع تأمين حاجة المزارعين من الماء واحياء اراض جديدة لم يستفد الافادة منها ومن ثم تحميل حوض النهر، وتجري الان دراسة لتوزيع جدول بابل واحياء اراضي تقدر مساحتها 450 الف مشارة توزع على صغار الفلاحين والملاكين.
هذا هو موجز لاعمال الادارة المحلية في لواء الحلة وملخص لاعمال مجلس الاعمال فيها وهناك اعمال اخرى لها اهميتها من الوجهة العمرانةي قامت بها بلدية الحلة، حدثنا عنها سعادة الاستاذ عبد الجبار الشيخ جواد رئيس البلدية وهي:
1- مشروع حي بابل: شرعت البلدية باستملاك الاراضي والبساتين الواقعة في الجانب الصغير وتقسيمها الى عرصات للبيع، وقد تم استملاك الجزء الاكبر منه للاهلين، وشيد عدد من الدور على هذاالجزء وبلطت وعبدت جميع الطرق الفرعية والعامة المحيطة بها، ونظمت حدائق الحي ومنتزهاته، ويشاهد في مدخل المدينة نافورة جميلة تدفع الماء الى علو شاهق وقد سلطت عليها الوان قوس القزح مما يسبغ على الحي منظرا خلابا في الليل.
2- حي الويسبة، استملكت الاراضي الواقعة في الويسبة وقسمت الى عرصات وانشأت فيها 35 دارا لحساب وزارة الشؤون الاجتماعية لصغار الموظفين والعمال كما بني فيها مدرسة وكاراج لمصلحة نقل الركاب ودار للمعلمين الابتدائية، وقد بلط الشارع الرئيسي المؤدي الى هذا الحي، ووزعت جميع العرصات على الاهلين لانشاء دور السكن.
3- حي المسابك: لقد وجد ان بقاء المسابك داخل البلدة فيه ضرر على الصحة العامة، لذا استملكت البلدية المنطقة الواقعة جنوب الحلة بنهاية حدود البلدية لانشاء حي للمسابك وابعادها عن المدينة. وهناك عدة مشروعات اخرى تقوم بها الآن بلدية الحلة منها تبليط الطرق العامة في داخل المدينة وانشاء المنتزهات والحدائق، وبناء عمارة كاملة للبلدية نفسها، ونصب مولد كهربائي جديد بقوة الف كيلو واط لسد حاجات المدينة المتزايدة الى الطاقة. ثم هناك مشروع الماء الجديد الذي سيتيح للسكان الحصول على حاجاتهم من الماء الصحي العذب.
هذه هي الاعمال الكبيرة في الحلة والتي يدرك الزائر لها اليوم ، والذي شاهدها قبل عشر سنوات او اكثر، مدى الفرق الشامل في جميع النواحي العمرانية والثقافية والصحية، وتبلغ مساحة لواء الحلة 5286 كيلومترا مربعا وعدد نفوسه اكثر من ربع مليون نسمة، ويقع هذا اللواء في ارض خصبة سهلة تكثر فيها البساتين وتزرع فيها الحبوب والكثير من اشجار الفاكهة، ويعتمد لواء الحلة في الري على ناظم الهندية الى حد بعيد.
هذا ولا يذكر اسم الحلة محسنها الكبير الحاج عبد الرزاق مرجان الذي شيد على نفقته مستشفى الامراض الصدرية وقدمه لوزارة الصحة وهو من اكبر واحدث المستشفيات في العراق وقد كلف 150 الف دينار فضرب بذلك مثالا صالحا وبدأ تقليدا سيكون من حسن حظ البلاد لو عمل به المحسنون من ذوي اليسار، وبالخطو الجرئ الذي تمضي به الحلة في طريق الاعمار ورفع مستوى العيش، فان الذين عرفوا الحلة زمنا ثم غابوا عنها في السنوات الاخيرة قد لا يميزون الكثير من معالمها بسهولة اذا جاؤوها خلال بضع سنوات من الآن اللهم الا اطلال بابل والفرات الخالد.
مجلة اهل النفط 1956