مايقوله بعض المحللين و السياسيين المتقاعدين كهنري كيسنجر مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، وهو يهودي صريح لايمثل وجهة نظر شخصية، بل هو نوع من الوصف التوراتي الظاهر للرغبة الصهيونية المبطنة في السيطرة على العالم من خلال الحكومة العالمية التي تحدث عنها كيسنجر، ويتحدث عنها حكماء بني صهيون، وتجري الأحداث في منطقتنا والعالم لتمهد لها وتكون جزءا منها، بينما ترد المنظومة الإسلامية الشيعية والسنية على السواء بالتأطير لفكرة الحكومة العالمية من خلال الإسلام، وبظهور المهدي المنتظر الذي يرى الشيعة، إنه قادم لامحالة، وعلى هذا أسس الخميني لنظام الجمهورية الإسلامية للتمهيد لظهوره، بينما ينظر إليه السنة بطريقة مختلفة تتبع لتقاليد الصراع الذي جعل علماء السنة لايتحدثون بمثل هذه العقائد طالما إن الشيعة يتخذونها أولوية، ولكي لاتكون سببا لإنضمام المزيد من الناس للمذهب الشيعي الذي بدأت حملة كبرى ضده بوصفه مذهب للفرس المجوس وللصفويين معولين على جهل أغلب المسلمين، وإنحطاط ثقافتهم، وتردي معرفتهم بأمور الدين والدنيا، وإعتمادهم الظاهر من القول. لكن السنة عموما يؤمنون بظهور المهدي عند مأذنة مسجد في دمشق، ويختلفون مع الشيعة في “وجوده وظهوره وكنيته وإسمه” لكن أتباع المذهبين يؤمنون به حقا. الفرق إن السنة، يرون إنه سيولد في آخر الزمان، ويقول الشيعة، إنه مولود ومختف عن العيان لحكمة إرتآها الرحمن.

يقول هنري كيسنجر في حديث مطول لصحيفة تصدر في أمريكا، وقد غطت تصريحاته تلك معظم وسائل الإعلام الأمريكية والعربية حتى، إن الولايات المتحدة يجب أن تخوض حربا عالمية ثالثة للقضاء على روسيا والصين القوتين الصاعدتين والمهددتين لنفوذها حول العالم، والحقيقة إن التهديد ليس لأمريكا، بل لوجود إسرائيل التي ترعاها أمريكا وتقوم لأجلها وتحميها، واليهود لايتمددون على حدود الأرض الفلسطينية كما يتوهم البعض حين يرون إن إسرائيل هادئة ولاتعتدي ولاتتمدد هنا وهي تكتفي بفلسطين، فالحكومة العالمية التي يرى كيسنجر إنها ستقوم من تحت رماد الحرب التي ستخوضها أمريكا بمعاونة الإتحاد الأوربي ضد روسيا والصين هي في الحقيقة حكومة إسرائيل العالمية، وهذا مايفسر وجود نزعات متطورة عند جماعات ومذاهب إسلامية أيضا، فتنظيم داعش يقوم على فكرة إقامة الخلافة الإسلامية على العالم بأسره، بينما تقوم التوراة على فرضية تنفيذ المشيئة الإلهية بالسيطرة على العالم، وقتل المزيد من العرب، وتسخير الحمقى منهم ليكونوا حلفاء لها كما هو الحاصل في بعض البلدان العربية التي تتحالف مع إسرائيل، ثم ستجد إنها ضحية لهذا الكيان القمئ بعد ان تنفد نفوطها ولاتجد سوى الرمال هي ماتبقى لها. كيسنجر يقول، إن حجرا واحدا علينا إسقاطه، هو إيران! لكن هذا أمر تتحسب له إيران، وتعرف ماعليها فعله، وكذلك الصين وروسيا اللتان لن تتركا إيران فهي ليست نظاما سياسيا كبشار الأسد، أو صدام حسين يمكن أن يرميا جانبا تبعا للمصالح، إيران هي نموذج مصغر للقوة الصينية الروسية المشتركة المشاكسة والمضادة للطموح الإسرائيلي المتمثل بالقوة العظمى الراغبة بالسيطرة. لكن هذه السيطرة غير مؤكدة، فصديقي الصحفي يقول لي، أنا أفكر في أمر آخر، هو من يقف بوجه أمريكا القوة العظمى، وإسرائيل اللتين تجتاحان العالم وتهيمنان بالقوة العسكرية والإقتصادية والتكنلوجيا، حتى صار المسلمون والعرب ينظرون الى هويتهم الدينية والقومية إنها عار وشنار؟ فيقول، الله هو الذي سيقهر أمريكا. وهذا محتم لكنه يحتاج الى وقت، وأسباب قوة، ومنعة، ورفض، وتحضير. في كل الأحوال فالعرب “ضايعين صايعين” في المعادلة، ولاقيمة لوجودهم، أو لغيابهم، هم كالذي إن حضر لايعد، وإن غاب لايفتقد.

السيطرة الأمريكية على العالم تتجسد الآن بالسيطرة على جميع مكامن الطاقة النفطية والغاز في جميع الأرض، وإسقاط الأنظمة، وتخريب بنية الشعوب الثقافية والدينية والقومية، ونشر الفوضى، ومد النفوذ وإرسال القوات العسكرية الى مختلف بلدان الدنيا، بما فيها مواقع النفوذ الروسي الصيني في جنوب الهادي بعد إحكام السيطرة على الشرق والخليج. كيسنجر يرى حكومته العالمية بالحرب الثالثة وتدمير روسيا والصين وتهشيم الحجر الإيراني، لكنه لايعبأ بالرؤية التي تقول، ليس بالضرورة إن المقادير تمضي بما نريد، وقد نتفاجئ بما لانريد، وبما يحطم أحلامنا، فأمريكا لن تكون القوة الأولى خلال الفترة القادمة، بينما الحرب الثالثة قد تنهيها. روسيا والصين لن يضرباها بالحجارة، والحقيقة المرة هي، إن أية حرب ستدمر الجميع، ولن تستثني أحدا، وقد تنبثق الحكومة العالمية من ركام الجميع، لكنها لن تكون لإسرائيل بل رهنا للمشيئة الإلهية.