اضحى من الواضح جدا ان ما يجري في سوريا هو استكمالا لمسلسل الطبخة الامريكية لهذه المنطقة واذا ما اقتنع المتتبع من خلال الوقائع بأن تلك الفتنة ابتدأت بزج فلول من المسلحين المرتزقة عبر الحدود اللبنانية السورية وبأن سوريا كحكومة ودولة من مصلحتها ان يتوقف العنف وبأسرع ما يمكن حفظا لما تراه يتهدم يوميا من مؤسساتها ويستشهد العديد من ابنائها على ايدي اناس لا يجيدون الا ايقاع الخراب والموت في أي مكان يحلون فيه وقد التزمت الحكومة والجيش العربي السوري بهدنة عيد الاضحى التي اوصى بها الموفد الدولي الابراهيمي في حين منذ البدء لم تلتزم عصابات معينة من القتلة بتلك الهدنة ومنها ما تسمى بجبهة النصرة واندلع القتال مجددا في الساعة (12) ظهر يوم الجمعة 26/10/2012 وهو اول ايام عيد الاضحى وقد صرح السيد لافروف وزير الخارجية الروسي (بأن الدم السوري البريء سيبقى ينزف طالما بقي الغرب لم يغير من موقفه) ومن كل ذلك تتحدد الامور لمن يريد ان يراها بوضوح وانصاف بعيدا عن المؤثرات الامريكية والسعودية والقطرية والتركية حيث الثلاثي الاخير الذي دأب تحركه المسائل الطائفية والاطماع الاقليمية باتجاه يعتبر خروجا على القانون الدولي وقد صرحت كلنتون وزيرة الخارجية الامريكية يوم 31/10/2012 بأن على المعارضة السورية ان تبتعد عن أي نزعة متطرفة ومثل هذا القول يعطي معنى خاصاً للتوجه الجديد في اسلوب السياسة الامريكية ازاء ما يجري في سوريا وفي مساء يوم 31/10/2012 أيضا حصل حوار في قناة الحرة في برنامج بعنوان (ساعة حرة) حضره اطراف من المعارضة السورية لمناقشة التهيؤ لعقد اجتماع في الدوحة الاسبوع القادم لكافة اطراف تلك المعارضة لتوحيدها كما تقول السيدة كلينتون الا ان ذلك الحوار كشف عن مدى الاختلاف بين اطراف تلك المعارضة حيث ان توجهات المجلس الوطني بعيدة كل البعد عن جماعة المعارضة في تركيا وهيئة التنسيق وقد اوضح احد المعارضين ممن حضروا ذلك الحوار وهو السيد لؤي حسين (رئيس تيار بناء الدولة السورية) بأن الدعوات لتشكيل المجالس الواحد تلو الاخر وتراجع الولايات المتحدة من خلال نظرتها الجديدة للأحداث في سوريا يوحي بما تريده الحكومة الامريكية في  الوصول الى حكومة ضعيفة او ايجاد حكومتين في سوريا تهيمن عليهما الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها ومصالح اسرائيل في المنطقة وقد اتضح من خلال ذلك النقاش بأن الولايات المتحدة ترغب بأن يترأس المجلس الجديد شخص يدعى سيف رياض وهو من المعارضة الداخلية في سوريا وسجين سياسي سابق خرج من سوريا خلال شهر حزيران 2012 وقد حدد من يدير الحوار بأن ما يراد في اجتماع الدوحة خلال الاسبوع القادم تحديد 50 عضو للمجلس الجديد من ضمنهم 20 من المعارضة في الداخل وقد بدا احد الحاضرين في ذلك الحوار وهو معارض شاب يدعى محمد عبد الله مقيم في واشنطن وبدا منفعلا الا انه يتفق تقريبا مع ما ورد بطرح المعارض السابق لؤي حسين من ان الولايات المتحدة تروم ايجاد نظام في سوريا ضعيف وتابع لها الا ان ذلك المعارض ينحى منحاً بأقواله يفتقر للنضوج السياسي حيث يدعي ان التفجيرات التي حصلت في كل من دمشق ودرعا في اول خرق للهدنة يوم الجمعة 26/10/2012 يتهم بها الحكومة السورية مع ان استعمال السيارات المفخخة هي بصمة اصبحت واضحة لجميع المراقبين بانها سمة من سمات جرائم القاعدة وقد نجم عن ذلك الحوار حقائق عدة منها ان الولايات المتحدة اضحت تدرك تماما بأن تشكيلة العصابات المسلحة في سوريا اصبحت النسبة الغالبة منها هي من عناصر القاعدة وبأن هذه التشكيلة لا يمكن ان توقف عند حد تشكيل نظام سياسي جديد يأخذ شكل مستقر في المستقبل وانما ستكون نواة لإشاعة الفوضى ليس في سوريا فحسب وانما في الاردن ولبنان والعراق وحتى في تركيا وهذا هو التوجه الذي تقوم به القاعدة حاليا في اغلب دول المنطقة ومنها دول الخليج واعتبرت هذه النظرة الجديدة للولايات المتحدة بنظر المتتبعين للأحداث اوجدت أساسا بإيجاد توجهات متقاطعة لمختلف اجنحة المعارضة السورية فالعناصر السلفية التكفيرية ترى بتغيير السياسة الامريكية مراعاة لموقع سوريا اما العناصر الليبرالية فقد بدأت اكثر الفئات المعارضة إحباطا بنتيجة ما استجد من احداث في الثورات التي حصلت في كل من تونس وليبيا ومصر واليمن واعتبروا ان ما حصل من فوضى التدخل القطري السعودي التركي يرمي الى تفتيت وحدة سوريا وايصال عناصر على شاكلة ما ساد في تلك البلدان من حكومات اخوانية ويعزوا بعض المحللين تصريح السيدة كلينتون بأنها ستستقيل من وزارة الخارجية بعد الانتخابات حتى وان فاز الرئيس اوباما ان ذلك التصريح يعزوه اولئك المحللين الى التغييرات التي حصلت في بلدان ما سمي بربيع الثورات وفي يوم 31/10/2012 صرح السفير الامريكي في بغداد بأن بلاده تشعر بالارتياح بقيام الحكومة العراقية بتفتيش الطائرات الايرانية المتجهة الى سوريا مع ان تلك الطائرات ليس بالضرورة ان تكون حمولتها سلاحا وفي وقت تشكر فيه الحكومة الامريكية العراق بمنع عبور السلاح الى دولة ذات سيادة وترتبط باتفاقيات قديمة مع مختلف دول العالم وبأن تلك الدولة بوضع الدفاع عن النفس وهي عضو في الامم المتحدة في حين الولايات المتحدة تعطل مجلس الامن بأن يأخذ دوره بإصدار قرار لإدانة اول خرق لهدنة الموفد الدولي السيد الابراهيمي حيث زعمت (رايز) ممثلتها في مجلس الامن بقلة المعلومات لديها عن ذلك الخرق وسبق ان اعلن على لسان الكثير من الساسة الامريكيين قولهم بتولي الولايات المتحدة عملية التنسيق لإرسال الاسلحة والاموال والمرتزقة من قبل كل من السعودية وقطر عبر الاراضي التركية وعلى اثر عثور شرطة ذي قار على اسلحة لدى مهربين في مدينة الناصرية شكلت لجنة لمعرفة مصدر تلك الاسلحة التي يراد بها ان ترسل الى سوريا وقد اوصت اللجنة بتقريرها بأن تلك الاسلحة تأتي عبر الحدود العراقية السعودية والجديد كما ذكرنا في السياسة الامريكية هي محاولة تنقية تلك المعارضة من عناصر التطرف كما تقول ومن كل ذلك فأن الدور الضار في الوقت الحاضر هو للاعبين ذوي الادوار التنفيذية والثانوية كالسعودية وقطر وتركيا والتي تحركها كما ذكرنا الاطماع والعداءات الطائفية وعندما ازدادت الاوضاع في سوريا تعقيدا بنتيجة  التداخل بين مختلف الاطراف وتخلي بعض اعضاء المعارضة السياسية سيما الليبراليين منهم حتى عن الحضور في اجتماع مشيخة قطر كما يرى بعض المحللين لما شعروا  به من مفارقات لشعارات الديمقراطية والحريات العامة وادركوا ان الغاية هي ان تطبق الولايات المتحدة مخططها لخدمة مصالحها وخدمة اسرائيل وان ذلك المخطط اخذ يصطدم بوقائع على الارض ويخالف نصوص القانون الدولي ويتوقع المحللون أيضا بأن الكثير من اطراف تلك المعارضة لم تحضر ذلك الاجتماع اضافة لليبراليين وان الذين يحضرون فيه لن يصلوا الى اتفاق خصوصا وان المعارضة السياسية اصبحت لا سلطة لها على العصابات المنتشرة في سوريا ولا تلتزم تلك العصابات بالأوامر التي تصدرها كما ان البعض يعترض على مكان الاجتماع لأنه في مشيخة تضطهد وبشدة ذوي الرأي فيها وقد اعطيت ذلك الدور ليس لأيمانها بالديمقراطية وانما بما تدفعه من مال كرشا للأخرين وفي الجانب الثاني من المعادلة السياسية للصراع الدائر في سوريا للدول المحبة للسلام بأن ذلك الصراع ربما سيأخذ ادوار متتالية لإيقاف العنف فيه لبروز اراء متناقضة وحيث ان العقوبات التي فرضت بشكل احادي الجانب ومن قبل القوى الغربية فقط فيرى المراقبون بان السبيل الوحيد لانتهاء هذه الازمة هو الامتناع عن تطبيق تلك العقوبات حيث لا يصح ان يصدر خارج مجلس الامن اجراء بحق دولة ذات سيادة من هذا النوع وهي مهددة بأمنها وان تلك العقوبات التي تفرضها امريكا وأوروبا مخالفة لنصوص القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة والى حد يوم 31/10/2012 اصدر الاتحاد الاوروبي قرار بتوجيه عقوبات جديدة على ايران بعدم تصدير الغاز السائل وان الامتناع عن تطبيق تلك العقوبات سيجبر الدول التي اصدرتها من العدول عن توجهاتها تلك  والعودة لنصوص القانون الدولي وان الدور المؤثر في تلك المعادلة كعضو في الناتو هي تركيا لقيامها بتعبير المرتزقة والاسلحة الى سوريا ولا بد للمجتمع الدولي ان يوقف اوردكان عند حده حيث ان هذا الرجل ليس فقط يشن عدوانا واضحا ضد دولة جار له وانما تحول الى حاكم مستبد بنتيجة القمع التي تعرضت له الجماهير في انقرة أخيرا وخلال قيامها بالتظاهر بمناسبة عيد اعلان الجمهورية في تركيا والاحتجاجات على دوره الخبيث في المسألة السورية وهاتين النقطتين هما المفتاح الوحيد لحل تلك الازمة وتناقلت الانباء اخيرا يوم 1/11/2012 بان الصين طرحت مشروع بأربع نقاط لحل الازمة السورية عند زيارة الموفد الدولي السيد الابراهيمي الى بكين وان اهم النقاط التي وردت في ذلك المشروع هو ايقاف فوري لإطلاق النار وان يكون تدريجيا ويؤخذ به في كل منطقة على حدا وتشكل حكومة انتقالية خلال هذه المرحلة ولكن ما يلفت الانتباه ان وقف اطلاق النار الذي سيكون تدريجيا وفي منطقة تلو الاخرى ربما يؤدي الى ايجاد سبب لتغلغل قوات تروم استغلال الفرصة بإيجاد كيانين سياسيين في سوريا صحيح ان مثل هذا الحل هو بموجب قرار من مجلس الامن ولكن كم من القرارات الدولية التي التفت عليها الولايات المتحدة وافرغتها من محتواها الا اذا كان ذلك القرار يشرف على تنفيذه مراقبين دوليين يصدر بمهمتهم قرار من مجلس الامن وتؤخذ موافقة الحكومة السورية بذلك .