دأب المبشرون في كنائس أوربا بشكل كبير في انخراط لم يسبقها مثيل، بالذهاب لمجاهل أفريقيا بمجاميع ثقافية وطبية وتعليميين، وإستغلال حاجة اؤلئك المجهولين والمعدمين، الذين لا يوجد لهم مكان بالخارطة كونهم غير مستكشفين، ومد يد المساعدة لهم وإنتشالهم من الحالة المأساوية التي يعيشونها، وإستطبابهم وتعليمهم اللغة بما متيسر لديهم، وكل ذلك في سبيل دخولهم المسيحية! وهذا ساهم بشكل كبير إنخراط مجتمعات كبيرة بإنتشار تلك الديانة، التي نسختها الديانة الإسلامية، وما أنتشار المسيحية في كل أفريقيا وباقي المجاهل، إلا من تلك المبادرات التي ساهمت بشكل كبير بانخراط اؤلئك .
ما يثير الحفيظة لدينا في العراق ويجعلنا نتساءل ونستعجب؟! عندما نرى في الأخبار أو الأفلام الأجنبية سيما دول الخليج، تلك الهمة في المستشفيات والإعتناء بالمريض، وسرعة إستجابتهم للنداء لأي حالة مرضية، المنعدمة في مستشفياتنا للأسف! وإن كانت بعضها لقاء الأموال، وهذا يدل على أن صحة المواطن مسؤولية الدولة، وعليها الحفاظ عليه لأنه إحدى لبنات المجتمع، وليس هنالك فضل من الدولة، سيما وأننا بلد نفطي يعتمد إعتماد كلي على الواردات النفطية، وبفضل الحزب الواحد الذي طوّع كل الدوائر لصالحة، وجعل وزارة الصحة وزارة جباية دون أبسط خدمات، ننحدر بالمؤسسات الى الحضيض!.
أحد المجاهدين من الحشد الشعبي، يحمل هوية صادرة من هيئة معترف بها، وهي أحد المفاصل الأمنية التي يقع عليها حماية العراق، والتضحيات التي قدموها أبهرت العالم، وجعلت القوى الإستكبارية تسعى مجاهدة لحلها، كونها حجر عثرة في طريقها، ذهب لمستشفى المحمودية بغرض الإستشارة الطبية، فوجئ بأن التذكرة ليست مجانية! بل لقاء ثلاثة الآف دينار، وليست مجاناً كما معلن عنها، إضافة ألف دينار آخر لقاء لقطة أشعة يتم تصويرها بالموبايل وليست صورة شعاعية! وللأمانة أن الاستاذ مدير المتابعة قد أعطى التذكرة الأولى مجانا، متعاطفاً وليس غير ذلك مدعياً إنها أوامر الوزيرة المصون .
عند مشاهدتك لكل مفاصل المستشفى تتغير لديك الفكرة، وتشعرك بأنك لست بمستشفى، بل في دائرة “كل مين إيدوا الو” كما في مسلسل غوار الطوشة! ولا شيء يدل على المهنية التي غادرت مستشفياتنا، بل إنك في سوق الهرج، فالحدائق عبارة عن مكب للنفايات، والحشائش تعم المكان والاوساخ بدل الزهور والورود، والإهمال في كل المفاصل ملحوظ، والمراجعين وقوف لعدم وجود مصاطب الجلوس! وتلك المصاطب تكاد تنتهي صلاحيتها (متكسّرة) ولا تصلح للجلوس، وإذا كان كل هذا الإهمال فلم تلك الجباية؟ التي لا يتم إستثمارها بديمومة المرفق الصحي، علما إن ميزانية الوزارة ربي وحده يعلم كم هي .
نحن نعلم الأمن المستتب اليوم لم يأتي من فراغ، بل دماء أُريقت وأرواح غادرتنا لتذهب لربها، تاركين خلفهم جيش من الأرامل والأيتام، الذين لا يعرفون ماذا سيحل بهم غداً؟ ومن يجلس اليوم على كرسي في دائرة أو موظف يقبض مرتب أغلبهم لا يستحقونه، لأنهم مهملين عليهم أن يعيدوا بذاكرتهم، ويقولون من الذي جعلنا اليوم نعيش بأمان؟ ومن الذي ضحى بدمه ودافع عن العراق؟ إنهم بالدرجة الأولى الحشد الشعبي المقدس، ومن بعده باقي القوات من وزارتي الدفاع والداخلية، وأن هذا التعامل الفج معهم في المستشفيات وفق التعليمات من قبل الوزيرة المصون، يجعله يعيد التفكير ويقول أن هؤلاء لا يستحقون التضحية، ودماء شهداؤنا أرخص من التراب .