أين المُفكّر في العراق!؟ / عزيز الخزرجي

aziz_alkhazraji

يورد البعض أحياناً في مقالاتهم وكتبهم و تعليقاتهم، بأنّ في العراق أنقلاب وثورة ثقافية وفكرّية وأدبيّة ، وهذا التقييم ناتج من جهل الناس لمعنى (المفكر) ناهيك عن معنى (الفيلسوف), و هو نتاج طبيعي للأميّة الفكرية .. لا الأميّة الأبجدية, لمستوى وبرامج التربية و التعليم وطبيعة الأنظمة الحاكمة والدِّين التقليدي القشري الحاكم على العقول(١).
وأقول بأنّ الفكر والثقافة يَتَوَلّدان مِنَ آلمُفكرين وآلمُثقفين (ألفُقهاء) كبار آلفقهاء ليس بالمفهوم الحوزويّ العرفي الذي يتداولهُ ألناس، وإنما المُبدع ألذي يجعل كل الوقائع و المعادلات و العلوم بنظره قبل أن يحدد أو يفسر موضوعا معيناً!

فقد يتّفقُ معي آلبعض بأن الحوزة ألعلمية الحقيقية النابضه بالحياة و المحبة والفكر و العطاء و الأنتاج العلمي قد أسْتَشْهَدَتْ عام 1980م بشهادة الأمام الفيلسوف باقر الصدر (رض) و آلأمام الراحل(رض)، بعد أنْ مَهّدَ لتلك الشهادة العظيمة وآلنّهضية الفكريّة – ألعلميّة – المتألقة في تأريخ الفكر؛ رتل من أهل القلوب ألذين حملوا آلفكر والمحبة والأمل أمثال البدراويّون(الشيخ ماجد البدراوي والمهندس الشيخ بديع عبد الرزاق والشيخ الأستاذ موسى محمود و كريم قادر و فؤآد محمد سالي وغيرهم)، وأمثال البدريّون كالشيخ عبد العزيز البدري ألسُّني، والبصريّون كعارف البصري والكربلائيّون كحسن الشيرازي، والجابريّون وغيرهم من الذين كانوا بمثابة الجسور الأمينة للمنابع الفكرية الأسلامية الأصيلة وعرضها على العالم و العراق، لكنّ ألحوزة والحوزويّون و بدعم الناس من بعدهم خُصوصاً الخط التقليدي الأبرز قد أثبتوا جفائهم وقسوة قلوبهم وتكبّرهم على الحقيقة وركونهم للمال والبنين والنساء – ليعيشوا إلى الأبد مع الأموات – كما قال الأمام الشهيد الفيلسوف الصدر ذلك في كتاب (المحنة)، فأثبتوا بموقفهم معاداتهم للفكر والمفكرين فنتج شعب معاق إما جسديا أو نفسيا يعيشون وسط جهنم الجهل المُخيّم على العراق, و لا زال يكرر نفس الخطأ بإنتخابه السياسيين من دون المفكرين و الفلاسفة, لأنه لا يعرف قيمتهم!

إنّ الأنسان المثقف ألمُفكر هو مَنْ يَحملُ فكراً أنسانياً مُتنوراً مُفعماً بالحركة والحضور وآلأبداع والمشاعر آلحيّة التي تعيش وتتحرك مع ضمير الناس في محنهم وتطلعاتهم – خصوصاً مع الكادحين و البسطاء منهم، وليس السياسييون، وأخصّ (العراقيين منهم) والذين ما إن وصلوا إلى منصب أو كرسي الحكم فأنهم ينقلبون و يُفسدون و يدمرون القيم, لأنّ مفهوم ألحياة و الوجود و السياسة في آلأمة ”المجمدة” وفي الشرق و حتى الغرب غير معروفة الأبعاد و الأهمية, وقد لَخّصْتُ معنى السياسة في بلادنا بآلقول :
[ألسياسة في الشرق هو أن تبني بيتك وتهدم وطنك]، كما أنّ عكس هذا التعريف له مصداق كبير في واقعنا أيضاً، أيّ أنّكَ لو أردتَ أنْ تبني وطنك بجدّ وإخلاص فعليك أن تُخرّب بيتك و تُضحي بحياتك الخاصة.

و السؤآل الكبير هنا هو: أين ذلك (المفكر) الذي فعل و يريد أن يفعل ذلك ؟
ومن يسمح له أو يحترمهُ وسط جهنم الجهل الفكري ألمربع في العراق ؟

وهذا ما أثبته الواقع عبر التأريخ و ليومنا هذا، مع فوارق بسيطة عموماً وهامة يمكننا إعتبارها إستثناءآت(كآلفلاسفة و المفكرين ألشهداء) حيث لا وزن لهم ولا رجحان لكفتهم, في مقابل ذلك الكم الهائل من الجهلاء والمجرمين وآلارهابيين و الأنتهازيين والعملاء وبائعي الضمير الذين يقطعون حتى لقمة خبزهم.

و في هذا الوسط المُحترق أرى خلوّ العراق و سائر البلاد ليس من الفلسفة والفلاسفة فقط؛ بل و من الفكر و المفكّرين, خصوصا في هذه المرحلة، وقد كتبتُ موضوعاً قبل أيام جاءَ الحديث فيه كتعقيب على الدّعوة التي وُجّهت لنا من قبل جماعة خيّرة تُريد إجراء العدالة الانتقالية في العراق، للمزيد يُمكنكم الاطلاع من خلال الموقع أدناه:
http://www.shia.com.au/news.php?action=view&id=3939.
ألفيلسوف الكونيّ
عزيز الخزرجيّ
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي ألصّحيفة بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها(٢). (العدد: 1491 الاربعاء 18/08/2010).
____________
(١) الحلّ لهذه المحنة الكبيرة والتي سمّيتها بمحنة المحن، هو دراسة مبادئ الفلسفة كمنهج في جميع المراحل الدراسية وتبني مبادئ الفلسفة الكونية كأساس لذلك.
(٢) هذا المقال؛(أين المُفكّر في العراق) رغم إنهُ نُشر قبل ١٠ سنوات، لكن ليس فقط لم يُدرك مضامينه المثقفين و الأكاديميين؛ بل أضاف رؤساء التحرير على ذلك: (نحنُ لا نتحمّل التبعات القانونيّة لما ورد في هذا المقال)، ولك ان تتصور ابعاد محنتنا, حين يُهدد الفيلسوف بآلمحاكم و كأننا نعيش في القرون الوسطى؟