حينما إرتكب أحد حمايات الفوج الرئاسي وبدم بارد جريمة قتل الإعلامي والأستاذ الجامعي الشهيد ” محمد بديوي” في المنطقة الخضراء، رأينا المالكي وكان رئيسا للوزراء حينها “ولليوم” ومرشّحا لولاية ثالثة يسارع بالوقوف على جثّة المغدور في موقف تمثيلي وبحركات تعبيرية تدل في ظاهرها عن الألم الذي يكتنزه في داخله. ليعلن أمام الصحافيين ووسائل الاعلام التي وصلت بسرعة الضوء الى مكان الحادث ليقول ” أنا ولي الدم وكل من له اي صلة بهذه الجريمة يجب أن يمثل امام القضاء والدم بالدم، وهذه العملية ” مخالفة للقانون وهذه واحدة من الإجراءات التعسفية”.

 

في إنفعالاته تلك أعادني زعيم الدعاة الى نيسان عام 1980 وخطاب زعيم الطغاة عندما قال بعد مسرحية التفجير في الجامعة المستنصرية ومحاولة إغتيال ” طارق عزيز”، من أنّ الدماء التي سالت بالمستنصرية لن تذهب هدرا . ليس كون الجريمتان متشابهتان بل كون الدم هو العامل المشترك في خطاب فاشيي الأمس الذين قالوا ” نقول لكم والله, والله, والله … ان الدماء الطاهرة التي سالت في الجامعة المستنصرية لن تذهب سدى” وبين فاشيي اليوم الذين قالوا ” أنا ولي الدم “، مع ملاحظة مهمة وهي أن الفاشي الاول يقول “نحن” والثاني يقول “أنا”.

 

لا أدري ما هو لون الدم الذي يستثير الدعاة ويجعلهم يخرجون دفاعا عنه كي نعمل نحن المكتوين بنار فساد السلطة الى تغيير لون دمائنا لتكون كما يريدونها!؟ ولماذا لم نرى أي مسؤول دعوي يقف على رأس جرحى التفجيرات التي هزت العاصمة الاسبوع الماضي؟ إن إستخدام الرصاص الحي في التعامل مع المتظاهرين من قبل قوات ميليشياوية صرح المسؤولين عنها علنا من أنّهم بصدد إعادة تشكيلها لتكون على غرار ” الحرس الثوري الايراني” وإنتشارها في مناطق مختلفة من العاصمة ، تعتبر بوادر لإستباحة هذه الميليشيات للعاصمة والعبث فيها أكثر مما هي عليه اليوم. إنّ الخطر القادم من هذه الميليشيات خلال الأيام القادمة سيكون اكبر، والدماء التي ستسيل ستكون أكثر غزارة. وهذا واضح من تصريح لقيادي في التحالف الشيعي الحاكم بصدد التظاهرات القادمة يقول فيه “لن يتكرر ما حدث في يوم الجمعة، وسيكون التعامل اكثر قسوة هذه المرة”.

 

إنّ حزب الدعوة الفاشي لا يفرق قيد أنملة عن حزب البعث الفاشي فالأثنان وجهان لنفس الجريمة. فهذان الحزبان لايعرفان الحياة والعمل السياسي دون أن يديروا معاركا هنا وهناك، والاثنان يتبادلان نفس الخطاب حينما يتعلق الأمر ببعضهما البعض. فبالأمس كان الفاشيون يعدمون مناوئيهم السياسيين على أنهم ” دعاة” !! على الرغم من أنّ نسبة كبيرة منهم كانوا أعضاءا بالحزب الشيوعي العراقي و من أعضاء الحركة الكوردية، واليوم يتهم الفاشيون الدعاة المتظاهرين الذين خرجوا لتصحيح مسار “عملية سياسية ” قادت البلد الى الهاوية من أنهم ” بعثيون”.

 

مفارقة، ولكنها ليست غريبة مطلقا فحزب الدعوة وعلى خطى البعث يعمل دوما ومن اجل إستمرار هيمنته على مقدّرات البلد بإفتعال معارك جانبية مع أطراف مختلفة معه بل وحتّى مع حلفائه في البيت الشيعي. وهو بهذا الخصوص لا يفرق بشيء عن حزب البعث الذي كان في بحث دائم عن صراعات داخلية وإقليمية وحتى حزبية. ويستحضرني هنا قولا للفاشي ” صدام حسين ” نقله الاعلامي ” سعد البزاز ” في كتابه ” الجنرالات آخر من يعلم ” وهو يقول ” عندما لايبدو أن امامنا معارك معلنة اليوم .. أن هناك معارك محتمة ستقع غداً … الحروب الآتية ليست محتملة.. بل أنها محتمة.. فمنذ علمنا الأستاذ ميشيل عفلق السير على هذا الطريق في العمل السياسي لم نعد نعرف العيش بدون صراع .. واذا كنت لاترى من جانبك معركة قادمة .. فأني أراها من المكان الذي أتطلع منه الى أنفسنا والعالم.. لكنني لا أستطيع أن احدد من أي اتجاه ستكون هذه الحرب الأتية .. أو ضد من ستقع “.

 

أنّ التظاهرات حقّ كفله الدستور، وليس هناك نص في هذا الدستور يحتّم على المتظاهر تقديم وثيقة تثبت عدم ” بعثيته” ليرفقها بطلب للتظاهر ويقدمها الى أحد فروع أو شُعَبْ حزب الدعوة الحاكم لتتم تزكيته، ولتتم حينها فقط إعتباره متظاهرا حسن السيرة والسلوك!! كما وليس من حق السلطات سجن التظاهرات في أماكن محددة وتطويقها بميليشيات مدججة بالسلاح وجاهزة لإطلاق النار في أية لحظة، وعلى السلطة الحاكمة أن تفكر بـ ” شعبها ” وتوفر له الأمان كما توفره للمنطقة الخضراء. إن الأزمات القادمة ستكون أشّد وأقسى من الأزمات التي عاشها شعبنا طيلة سنوات ما بعد الاحتلال لليوم، فهل سيصر حكام الخضراء على أن يكون الدم هو العلامة الفارقة في حكمهم كما الفساد والخيانة الوطنية!؟

 

وعودة لهتاف ” الدم بالدم” فهل سيعطي زعيم الدعاة الحق لذوي المغدورين وعشائرهم بإن يطالبوا بدم أبنائهم بعمليات ثأرية وهي ضد القانون والتي بدأت بوادرها فعلا. وهل فكّر يوما وهو يقود دولة من أنّ العشائرية التي إتكّأ عليها ولا يزال هي من أشد المعاول هدما للدولة الوطنية. إن ممارسات الدعاة والمالكي وهم يشقّون الموقف الوطني المتهريء اصلا في معاركهم ضد الكورد والسنّة والبعض من حلفائهم في البيت الشيعي للهيمنة على البيت الشيعي بالكامل، تثبت من انهم تلاميذ نجباء لميشيل عفلق.

 

إن تطلّب الأمر أن أبيض بيضة من أجل وطني فسوف أفعل ذلك ” بوب هوب”

 

لا نريدك أن تبيض بيضة أيها المالكي من اجل “وطنك” بل نريدك أن تترك الناس تبيض من أجل وطنها بعدم إتهامها من أنهم اعضاء في حزب الدعوة آسف حزب البعث، ولم الأسف أليسوا وجهان لخيانة واحدة؟