بقلم : عبود مزهر الكرخي

من المعلوم أن هذه الآية وردت في سورة الفاتحة وهي فاتحة كتاب الله المنزل وهو القرآن الكريم ولقد كانت سورة الفاتحة من السور العظيمة والسامية وهي السبع المثاني أو أم الكتاب هي أعظم سورة في القرآن الكريم، لقول النبي محمد: «الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته»، وذلك لأنها افتتح بها المصحف في الكتابة، ولأنها تفتتح بها الصلاة في القراءة(1)،(2).
وهي الوافية، والحمدُ، وقد شرّفها الله سبحانه وتعالى بأن افتَتح بها كتابه، كما أنّه فرض على المُسلم قراءتها في كلّ ركعةٍ من ركعات صلاته كي تصحّ؛ فقراءة الفاتحة ركن من أركان الصلّاة لا تُقبل الصّلاة إلا بها، وقد قيل عنها بأنَّ آياتها تجمع معنى جميع آيات القرآن الكريم، ولو قُرِئَت بتدبّر لوُجِد بها حقّاً كلّ ما في القرآن الكريم من صفات الله جلَّ وعلا، وقصص الأمم السّابقة. ولهذا كانت هذه السورة مناجاة بين العبد وربه وإذا كانت العبادة والاستعانة منحصرتين بالله سبحانه فلا مناص للعبد من أن يدعو ربه الذي حصر عبادته واستعانته به. ومن هنا ورد عن الطريقين أن الله تبارك وتعالى قد جعل هذه السورة نصفين : نصف له ونصف لعبده ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، يقول الله تعالى : مجدني عبدي ، وإذا قال : إهدنا الصراط المستقيم ، قال الله تعالى : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل (3).
فكانت سورة الفاتحة من السور العظيمة في القرآن حيث أن الأمام علي(ع) قال { لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من تفسير سورة الفاتحة }. لأنه يقول الامام في حديث آخر : «من فهم القرآن فسر به جمل العلم»(4).
ومن هنا كانت هذه الآية العظيمة (اهدنا الصراط المستقيم)محل نقاش وتفسير من قبل العلماء والفقهاء واختلاف الرأي حولها. ولو اتينا الى تحليل هذه الآية في معناه اللغوي فهي تعني كالآتي :
الهداية :
الارشاد والدلالة ، والهدى ضد الضلال ، وستقف على بيان هداية الله الناس وإرشادهم.
الصراط :
الطريق وهو ما يتوصل بالسير فيه إلى المقصود ، وقد يكون غير حسي فيقال : الاحتياط طريق النجاة ، وإطاعة الله طريق الجنة ، وإطلاقه على الطريق غير الحسي إما لعموم المعنى اللغوي وإما من باب التشبيه والاستعارة.
الاستقامة :
الاعتدال ، وهو ضد الانحراف إلى اليمين أو الشمال ، والصراط المستقيم هو الصراط الذي يصل بسالكه إلى النعيم الابدي ، وإلى رضوان الله ، وهو أن يطبع المخلوق خالقه ، ولا يعصيه في شيء من أوامره ونواهيه ، وأن لا يعبد غيره ، وهو الصراط الذي لا عوج فيه ، قال الله تعالى(5) :
{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ }(6).
{ وَهَـذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا }(7). { إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }(8).
{ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }(9). { وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ }(10).
ومن هنا كانت هذه الآية تحمل عدة آراء والتي اختلف المفسرون في تلك الآراء ولو نرجع الى تلك الآراء وبالذات مما يقوله سماحة الشيخ د. احمد الوائلي(رض)في تفسير هذه الآراء ليقول أن هناك ثلاثة وجهات نظر في تفسير هذه الآية وهي(11) :
الرأي الاول :
القرآن الكريم، كما فسرته به بعض الروايات فقد ورد عَنْ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، ((قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ سَمِعْنَا الَّذِي نَشُدُّ بِهِ دِينَنَا(11)، وَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ سَمِعْنَا أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً مَغْمُوسَةً، لاَ نَدْرِي مَا هِيَ؟! قَالَ: «أَ وَ قَدْ فَعَلُوهَا؟!»(12).
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم يَقُولُ: أَتَانِي جَبْرَئِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، سَتَكُونُ فِي أُمَّتِكَ فِتْنَةٌ.
قُلْتُ: فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا؟ فَقَالَ: كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ بَيَانُ مَا قَبْلَكُمْ مِنْ خَبَرٍ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ وَلِيَهُ مِنْ جَبَّارٍ فَعَمِلَ بِغَيْرِهِ قَصَمَهُ اللَّهُ(13)، وَمَنِ الْتَمَسَ الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، لاَ تُزِيغُهُ الْأَهْوَاءُ، وَلاَ تَلْبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَلاَ يَخْلَقُ عَلَى الرَّدِّ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ.
هُوَ الَّذِي لَمْ تُكِنَّهُ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا: (إِنّٰا سَمِعْنٰا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ)(14) مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَ مَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنِ اعْتَصَمَ بِهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، هُوَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ الَّذِي (لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)(15) ،(16).
فانه – القرآن الكريم – مطلوب لذاته فانه المقصد والغاية كما هو مطلوب لغيره فانه الطريق إلى الله تعالى، ولذلك تجد ان تلاوة القرآن في حد ذاتها لها الثواب، وكذلك حفظه أو النظر إليه، ثم بعد نجد ان العمل به له ثواب آخر، فتلاوته فيها المصلحة كما انه من جهة أخرى مقدمة للعمل كما انه من جهة ثالثة مقرِّب إلى الله تعالى.
ولهذا يصف الشيخ الوائلي(رحمه الله) هذا الطريق بانه مثل العمود الذي يصل بصورة مباشرة بين نقطتين اي طريق القرآن هو الطريق المباشر الى الصراط المستقيم والذي يهتدي العبد بالوصول الى القرآن الكريم(17).
وباعتقادنا المتواضع أن هذا الرأي صحيح لأن القرآن هو يهدي البشر ويوصلهم إلى طريق النجاة والخلاص والوصول الى عبادة رب العالمين مصداقاً لقول الله سبحانه تعالى في محكم كتابه إذ يقول {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}(18).
ومن هنا فيذكر عن المفضل بن عمر ، قال : سألت أبا عبدالله عليه ‌السلام عن الصراط ، فقال : «هو الطريق إلى معرفة الله عز وجل ، وهما صراطان : صراط في الدنيا ، وصراط في الآخرة. فأما الصراط الذي في الدنيا ، فهو الإمام المفترض الطاعة ، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه ، مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة ، ومن لم يعرفه في الدنيا ، زلت قدمه عن الصراط في الآخرة ، فتردى في نار جهنم»(19). وبالتالي فأن معرفة أمام الزمان واجب ومن لم يعرفه مات ميتة الجاهلية وكما ذكر ذلك في الحديث الشريف لنبينا الأكرم(ص) حيث يقول { من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة الجاهلية }(20) مما استدّلت الأمامية به أولاً على عدم خلو الأرض قطّ من إمام حي قائم، وثانياً على أهمية معرفة الإمام لدى كل مسلم طوال حياته وعلى مدى العصور، فلذلك اعتبروه دليلاً على لزوم إطاعة الإمام وتبعيته. والذي يفهم بأن الصراط المستقيم هو الرسول وعلي وآل بيتهم الطيبين الطاهرين والتمسك بهما.
والذي في جزئنا القادم سوف نتطرق الى الآراء الأخرى ومدى تعلقها بالنبي واهل بيته أن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ ما هي أعظم سورة في القرآن؟ إسلام ويب مركز الفتاوى، 11 مايو 2002. وصل لهذا المسار في 27 يوليو 2016 نسخة محفوظة 20 أغسطس 2017 على موقع واي باك مشين.
2 ـ بيان وتعريف بسورة الفاتحة شبكة الألوكة الشرعية، 13 ديسمبر 2014. وصل لهذا المسار في 27 يوليو 2016 نسخة محفوظة 21 أغسطس 2017 على موقع واي باك مشين.
3 ـ عيون أخبار الرضا ـ باب ما جاء عن الرضا من الاخبار المتفرقة ص ١٦٦ ، طبعة إيران سنة ١٣١٧ ه‍. وتقدم نظير هذا عن أبي هريرة في الصفحة ٤٤٦ من هذا الكتاب. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1784، أخرجه في صحيحه.
4 ـ انظر إحياء علوم الدين، للإمام الغزالي رضى الله عنه، (1/ 260) ط/ العثمانية. بحار الأنوار ج89 كتاب القرآن باب 8 ص103.
5 ـ راجع كتاب البيان في تفسير القرآن. للمفسر الكبير سماحة آية الله العظمى السيد ابوالقاسم الموسوي الخوئي (قدس سره).(1317- 1413هـ). 4) تحليل آية الحمد ص 487. منشورات مؤسسة الخوئي الإسلامية. عيون أخبار الرضا ـ باب ما جاء عن الرضا من الاخبار المتفرقة ص ١٦٦ ، طبعة إيران سنة ١٣١٧ ه‍. وتقدم نظير هذا عن أبي هريرة في الصفحة ٤٤٦ من هذا الكتاب

6 ـ [ الشورى : ٥٢ ، ٥٣].

7 ـ [ الأنعام : ١٢٦ ].

8 ـ [ آل عمران : ٥١ ].

9 ـ [ يس : ٦١ ].
10 ـ [ الأنعام : ١٥٢ ، ١٥3 ].
11 ـ تفسير العياشي1/3 .
12 ـ لعل المراد: بغصبهم الخلافة، أو بتجريهم على تفسير كتاب الله وتأويله بغير علم ولا هدى.
13 ـ كالظلمة العاملين بالظلم والاستبداد، وقد رأينا كيف قصم الله كثيراً منهم في الربيع العربي، والباقي في الطريق بإذن الله تعالى.
14 ـ [ سورة الجن: آية 1 ، 2 ].
15 ـ [ سورة فصلت: آية 42 ].
16 ـ السيد هاشم الحسيني البحراني، البرهان في تفسير القرآن، مؤسسة البعثة، ج1 ص15-16.
17 ـ من أحدى خطب سماحة العلامة الشيخ د. أحمد الوائلي(رحمه الله) وبثت من قناة كربلاء الفضائية بتاريخ 17/3/2019.
18 ـ [الإسراء : 9].
19 ـ معاني الأخبار : ٣٢ / ١. راجع كتاب البرهان في تفسير القرآن – ج ١. السيد هاشم الحسيني البحراني. ص 113. منشورات شبكة رافد الثقافية.
20 ـ السيد بن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة، ج 2، ص 252. لمجلسي في بحار الأنوار، ج 8، ص 368. وقد ورد عند بعبارة مستهلها عبارة “من مات ” عند أهل الجماعة وهم : مسند أحمد بن حنبل
مسند أبي داود. صحيح مسلم. صحيح ابن حبان. معجم الكبير للحافظ الطبراني. سنن البيهقي. وكلها تندرج عند أهل السنة في باب الصحيحة والحسنة.