ألصّمت غير السكوت:
ألصّمت مُنتج و السّكوت جدب!
ألصّـمت إحياء و السـكوت موت!
كتبت قبل أعوام موضوعاً عن السّكوت بعنوان:
لماذا لا يسمع العراقيّ إلا نفسه؟ و له إرتباط بموضوعنا التالي, لأنه يدخل ضمن اسّ الأساسات التي تؤهلنا لنكون صاحب عقيدة سليمة قادرة على بناء العائلة الكريمة الهادفة لتشكيل مجتمع سليم بعكس الحقائق الواقعة و ما هو موجود لدى مجتمعنا!
بداية يجب أن نُفرّق بين (آلصّمت) و (آلسّكوت) كما أشرت إبتداءاً!

ألصّمت على نوعين:
صمتٌ إيجابي منتج و مُعبّر يحصل من ورائهِ الصّامت على مبغاه و معناه و أسراره, و أوّلها معرفة النفس عقدة العقد!
صمتٌ سلبيّ غير منتج بسبب الضغوط والقهر و الحرمان والظلم و الكآبة , و يقترب صاحبه رويدا .. رويداً من الموت.
و الصمت السّلبي نتيجة الدين و التعليم الخاطئ و الظلم و الأجواء الإرهابية و الدكتاتورية, و التي تتحوّل عادة بمرور الزمن إلى عُقد و مرض يصاحب الأنسان المقهور لآخر العمر لأسباب عديدة, لكنه أقل وطأة و تبعة من ذلك الذي يُعبّر عنه بآلعنف و الضرب في الواقع أو الثورة ليس فقط ضد زوجته و والديه و أبنائه و جيرانه و أهله؛ بل حتى ضد نفسه بأساليب شتى!
لقد إنتقدت في مقالي الآنف؛ التعامل مع هذا الموضوع الحساس و الخطير في نفس الوقت, نتيجة الوضع المزري الذي عاشه العراق و الكثير من الشعوب التي وصلت لتلك الحالة بل الأزمة الأجتماعية على كل صعيد؛ للأسباب الثلاثة التي طالما أشرنا لها في مقالاتنا و هي : التعليم و الأعلام و المسجد؛ بسبب ثقافة الحشو الفارغ و نشر مبادئ الجهل ألتي إنتشرت في العراق و التي تسببت بفقدان الثقة حتى بآلمسلّمات و بكل ما يتعلق بآلمحبة و العلاقات الأنسانية و التعامل الأجتماعي و الأنصاف و التواضع ؛ حتى عاد العراقي لا يثق حتى بنفسه .. بل بإيّ متحدث حتى لو كان إمام معصوم, فهناك دائماً درجات من الحذر و الشك تفصله عن المقابل .. لذلك لم يعد يسمع ألعراقيّ إلّا نفسهُ؟
و فوق هذا قد يبدو أمامك مستمعاً هادئاً .. لكنه لا يستمع ليتعلم الحقائق و القيم الكونية الكبرى؛ بل يستمع .. علّه يتعلم شيئا يفيده شخصياً فقط أو يستمع ليكتشف شيئا سلبياً بطريقه ليحاكمك عليه و يُشهّر بك أمام الناس بغيابك, كآلمتصيد في الماء العكر أو الباحث عن أبرة وسط كومة من التبن ..
ظاهرة غريبة شدّت إنتباهي و حيّرت و غيّرت عقيدتي كلّياً تجاه آلوضع في ألعراق و تعامل ألعراقيين, أ لا و هي مسألة عدم ألأنصات و آلفهم حين تتكلّم معهم أو تكتب لهم خصوصا عن الدين و القيم و كأنهم ملّوها نتيجة نفاق المدّعين, فهُم و إن قرؤا مقالاتكَ أو سمعوا خطابك و فلسفتك أو سكتوا منصتين أثناءَ حديثكَ في أفضل ألحالات؛ فأنّهم إنّما يفعلونَ ذلكَ .. لا لفهم و وعي أسرار ما تقولهُ أو تكتبهُ لأنهم يحسبوك كفاسد أو منافق من المنافقين تريد سرقتهم؛ بلْ يسمعكَ من أجل أنْ يكتشف نقطةَ ضعفٍ أو ثغرةٍ أو شكّ في مجالٍ فرعيّ من حديثك ليهجم و يردّ عليكَ كلّ دعوتك أو ما تُريد قولهُ جملةً و تفصيلاً, ولا يستحي لو إستشهد بموقفه بإنسان معاند أو منحرف أو مُغرض!؟
هذا آلوضع ألنّفسيّ ألمُتأزم ذات آلطابع الخبيث و ألهجوميّ سبّبَ فساد آلقلوب و إنتشار ألشّك و آلكذب و آلتدليس و نكران كلّ جميل .. بعد ما أشاعَ هدّام حسين و من تبعه و لحقه الغيبة بكتابة التقارير و ألفقر و آلحرب و آلعنف بين آلعراقيين .. حتى شاعتْ ألفوضى و عدم ألأنسجام بين آلجّميع .. بدءاً بذاتِ آلعراقيّ ثمّ آلعوائل و حتى المؤسسات البعثية نفسها بل حتى الدائرة المحيطة به حيث جعل كل واحد يتجسس على صديقه و حتى أبوه فالهيئات و آلجّماعات و آلكتل و آلكيانات ألدّينيّة و آلسّياسيّة وووو كلّ أصناف ألمجتمع ألعراقيّ اليوم تسير وتتعامل و للأسف ألشّديد على هذا الأساس!
و آلسّبب هو تعاظم الإنّية و طغيان ذاته حتى بات ألعراقيّ – و العربي لا يسمعْ و لا يرتاح إلّا لمكنونِ نفسهِ و هواه من وحي ذاته .. بلْ و محاولة آلأنتصار لها في كلّ ألأحوال و بكل السّبل الممكنة بآلباطل و آلكذب و آلنّفاق و غيره و نادراً ما تجد من يستسلم للحقيقة معترفاً؛ و لعل السبب الأكبر هو؛ كونه لمْ يتربّى أساساً على ألقيم ألصّحيحة و آلمُثل ألأنسانيّة ألعُليا و آلمنطق و آلرّحمة و آلشّفقة و حبّ آلخير و آلأيثار و التواضع بسبب مناهج البعث الجاهلية الإرهابية .. إلى جانب آلفقر و آلحرب و الذل الذي وصله هذا الشعب المسكين, مُتحسّساً على آلدّوام ألشّعور بآلنّقص و آلضّعف و إنحطاط آلشّخصيّة .. نتيجة ألتربية الخاطئة و آلضّغوط آلتي واجهها في آلبيت و آلمدرسة و آلقوانين ألوحشيّة و إنعكاس الشخصيّة الصدامية – ألبعثيّة و ألعشائريّة و آلنّظريّات ألخاطئة على طبيعة الحياة ألّتي تربّى عليها مُذ كان جنيناً في بطن أمّه حتى المراحل اللاحقة حين كان يسمع صرخاتها بسبب الضرب و وحشيّة ألأب و قسوتهِ و آلعُنف ألأسريّ ألذي سادَ و لا يزال في كلّ ألمُجتمع حتّى صاحَ آلجميع؛ (ياحوم إتْبع لو جرينه لكن لا على الاعداء الحقيقيين ؛ بل على زوجته و إبنه و أرحامه و جيرانه) و تعاظم هذا الامر خصوصاً بعد رحيل ألبعث ألجّاهل ألمجرم عام 2003م بسبب الحرية النسبية التي أعطيت لهم .. لذلكَ و بسبب جُبن ألعراقيّ و خنوعه و بُعده عن ألحقّ وتكوره على ذاته الخبيثة توسّل أخيراً بآلعشيرة و آلحزب و آلخلايا ألأرهابيّة و آلعصابات و المليشيات و آلمحسوبيّة و آلمنسوبيّة بعيداً عن ولاية الله و آلمُؤمنين و شرّع الله الذي للأسف لا يعلمه مراجعهم لأنهم لا يدرسون من كتابه سوى 500 آية فقط .. كل هذا ليُحقّق مبغاهُ الشخصي و أهدافه الخاصة بتبريرات جاهليّة و وحشيّة, مُحطّماً آخر ما تبقى من آلقيم و آلأسلام ألمُغيب أساساً ألّذي حاول يائساً معدودين ممن تبقى لإحيائه و لو بشكل محدود!
و لا أجانب الحقيقة لو قلت بأن تلك آلقيم أصبحتْ آلآن عاراً على كلّ من يُنادي بها أو يريد تطبيقها في العراق و آلّتي تأمرنا أوّل ما تأمرنا بآلتواضع و آلمحبّة و آلتّسامح و آلإيثار و آلشّرع و آلأخلاق ألفاضلة و حمل آلأخوان على محامل ألحسن و إحترام آلأنسان و ألقانون و آلتي جميعها باتتْ للأسف لا تتطابق مع نَفَسِ و روح ألعراقي – ألغالبيّة ألعُظمى منهم – بسبب تشبعّ أرواحهم بآلظلم و آلحُقد و آلخبث و آلكراهيّة و آلقسوة و آلفساد و الخيانة و آلأنحراف و آلضّعف و آلأستعداد ألكامل لإرتكاب آلجرائم و آلسّرقات و النصب و الغيبة و الكذب و النفاق التي يعتبرها زاده اليومي, بآلطبع نستثني منهم ألثّلة ألقليلة ممّن قد تبقى من ألمؤمنين ألّذين بقوا و ثبتوا على إيمانهم و لم يشتركوا بهذا الدمار و آلإرهاب لأنهم تغرّبوا في بلاد العالم و لم يشاركوا العراقيين في الظلم و الفساد!
و هذا هو سبب تفاقم و شيوع الفساد و ألظلم و القتل و آلأرهاب و آلذبح و الطلاق و رمي حتى الأطفال في البحر من قبل الأمهات و حتى قتلهم من قبل آلآباء و رجوعهم للوراء و تعصّبهم للعشيرة و آلحزب و آلقبيلة بدل مبادئ الأمام الحسين(ع) العادلة و مبادئ آلأسلام ألحقيقيّة ألتي تمسكوا بظاهره فقط, و إنغلقوا عن ألحقّ و آلتّواضع و آلرّحمة و آلأنسانيّة و التضحية لأنقاذ مظلوم أو الدفاع عنه لإبتعادهم عن العشق و المعرفة و حقائق الوجود و غايته, لهذا إستحقوا عملية الإستبدال التي وصلت لأشواطها الأخيرة ………… و لا حول و لا قوّة إلّا بآلله.
ألحل الوحيد للقضاء على هذا المسخ الشامل, و عملية الإستبدال بآلأستخلاف هو :
فتح المراكز و المنتديات و الندوات الفكرية و الثقافية و مشاركة الناس الفعالة في إحيائها بشرطها و شروطها التي بيّناها في كتاب:
[أسس و مبادئ المنتدى الفكري].
ألعارف الحكيم عزيز حميد مجيد.