/

لطالما طرقت أسماعنا توصيفات لشهر رمضان منذ أن كنا صغارا وإمام مسجدنا يقول انه شهر التراحم والتوبة والمحبة والمغفرة بين بني البشر المسلمين طبعا، وهي حقا توصيفات تطرب الأسماع وتطمئن الأرواح بما فيها من معان رفيعة تكتنز إن طبقت اسمي صور المحبة والتسامح والألفة والتكافل بين البشر، لكنها في واقع الحال تختلف كثيرا، وانا أتحدث عن بيئتنا لكي لا نذهب بعيدا إلى التعميم في كل أصقاع الدنيا التي يتواجد فيها المسلمين، ويزعل البعض منا في التعميم مدعيا إن بلاده أو مدينته مكة على عهد رسول الله (ص).

     حقيقة واحدة من ابرز ما تعاني منه مجتمعاتنا عموما، وخاصة تلك التي سادت وما تزال تسود فيها النظم السياسية والاجتماعية الشمولية، هي الازدواجية التي هي بحق الابنة الشرعية للنظم الدكتاتورية سواء السياسية أو الاجتماعية أو الدينية، وهي التي مسخت وشوهت هذه المجتمعات أفرادا وجماعات، فأنت لا تكاد تعرف منهم الحق من الباطل، ولا الأسود من الأبيض، حتى تظن إن الأكثرية تكذب أو تدعي أو تمثل أو تتقي الشر!

     وقد شهدنا خلال النصف قرن الأخير وتحديدا فترة ظهور الدكتاتوريات الجمهورية في معظم بلدان الشرق الأوسط وخاصة هنا في العراق منذ إسقاط الملكية وإقامة الجمهورية وحتى يومنا هذا، تضاعف هذه المظاهر المتناقضة في أدق سلوكيات الفرد والجماعة، بل وفي أكثرها عقائدية فيما يتعلق بالعبادات وما تقتضيه من سلوك وتعامل وأخلاقيات، وفي طبيعة العلاقة مع الأنظمة ورموزها، كما كان يحصل مع الدكتاتور صدام حسين وقبله البكر والعارفين وقبلهم جميعا مع الزعيم الأوحد، والآلاف المؤلفة من كل الشرائح والطبقات دونما استثناء التي رقصت على كل حبال تلك الأنظمة ثم عادتها ولعنت سنسفيل الي خلفوها متحالفة مع من انقلب عليها وهكذا دواليك، حتى تم تشويه ومسخ أكثر الأمور قداسة وهي تلك العبادات التي يفترض بها أن تكون عاملا للمحبة والألفة والرحمة والتراحم والصدق والحلال في الأكل والشرب والربح والنية!

     إن البون الشاسع بين النظريات والتطبيق أمر مرعب ومخيف جدا، لا يتعلق فقط بالازدواجية بل بشيزوفرينيا الأفراد والمجتمعات وبشكل عدواني وعدائي رهيب، هذا البون الكبير أنتج اختلاف معقد بين ما نسمعه وما نشاهده من تفصيلات يومية لها علاقة في البنية الأساسية للعقيدة الفكرية والدينية والأخلاقية تدفعنا جميعا لكثير من الأسئلة وفي مقدمتها ما له علاقة بالبناء الأساسي للعقيدة ألا وهو الإيمان:

– في معظم بلداننا من القرية إلى العاصمة، ترتفع الأسعار بشكل جنوني قبل وخلال شهر الرحمة والتراحم والغفران؟

– وبنفس القياس وربما أكثر قبل العيد أيضا؟ فهل لهذا أي علاقة بتوصيفات شهر رمضان وأخلاقياته المفترضة، وهو ركن أساسي من أركان الدين؟

– هل فعلا التوبة محصورة في شهر واحد من السنة أي في رمضان، وهل الصوم عادة أم عبادة لدى أولئك الذين يمتنعون عن المحرمات المفترضة فقط في شهر رمضان؟؟

– بنفس القياس هل تعقل الصلاة في رمضان فقط وتترك بقية أيام السنة، أو أن تختصر في أيام الجمع والأعياد!؟

– هل فعلا إن الصلاة تمنع الكثير من هؤلاء عن الفحشاء والمنكر والاستغلال والنفاق والكذب والتدليس وانتهاز الفرص؟

     والأسئلة كثيرة تلك التي تنتجها حالات الاختلاف بين النص والتطبيق وتؤشر الخلل الكبير في البنية الأساسية لكثير من الممارسات السياسية والاجتماعية والدينية وحتى الأخلاقية، فكلما توغلنا فيها أكثر أدركنا حقيقة التخلف المرعب لمجتمعاتنا ودولنا، وأسباب هذا التناحر البدائي والتقهقر المتوارث عبر الأجيال.