بقلم: عبد الجبار نوري

العرض / داء العظمة مصطلح تأريخي يعني جنون العظمة أو وسواس العظمة ، لوصف حالة من وهم الأعتقاد حين يبالغ الشخص بوصف نفسهُ بما يخالف الواقع ، فيدعي أمتلاك قابليات أسبثنائية وقدرات جبارة أو مواهب متميّزة أو اموال طائلة أو علاقات مهمة تعجيزية ليس لها وجود حقيقي ، وهي حالة مرضية ذهانية ، ترقى أحياناً كثيرة إلى مرض عقلي يتقمص ( البارانويا ) وهو عبارة عن أعتقاد جازم بفكرة خاطئة عندما يقع في شراك وهم غير حقيقي بأنهُ شخصٌ عظيم ، ومهم للغاية ، كأنْ أدعى أشخاص كثيرون بأنّهم ” اليسوع المخلص ” أو أشخاص تقمصوا ” شخصية المهدي المنتظر ” .
والتأريخ يحدثنا عن قادة وملوك وعسكريون أصيبوا بفايروس هذا الداء ، عندما يعلنون بأنّهم ظل الله في الأرض ، فيستعبد العباد ويمتلكهم جسداً وروحاً ، وعلى سبيل المثال أنْ كان رجلاً عسكرياً يحاول القيام بأنقلاب عسكري لتنفيذ خططهِ وأوهامهِ كأنقلاب (القذافي) على السنوسي ، و{هتلر } الأب الروحي وعراب الحركة النازية الأثنية والشوفينية تمكن بدعاياته وأدعاءاته من غسل أدمغة 80 مليون ألماني بأنهم الشعب المختار ويجب السيطرة على العالم وفعلاً تمدد في الأرض الأوربية لحد الأنتحار ، وهكذا زميله ” نابليون ” الذي توهم بأنه القوي والموهوب عسكرياً فأجتاح أجزاء واسعة من العالم وقامر بأبادة 60 مليون فرنسي ، وفي النهاية سقط الجميع في حضيض التأريخ المظلم ولأنّهم ليسو حكام سويين بل يعانون من أنحرافات نفسية . وأوهام طوباوية خيالية سلبية .
أما ” أردوغان ” بدأ حياتهُ السياسية بالهوس الديني الراديكالي ، وجاء المد الديني في نهاية الألفية الثانية لصالح برنامجه في أقحام الدين في السياسة ، وأستعملها في الدعايات الأنتخابية عند تأسيس حزبه ” حزب العدالة والتنمية ” 2001 ، وهذه واحدة من خطاباته { مساجدنا ثكناتنا ، قبابنا خوذاتنا ، مآذننا حرابنا ، والمصلون جنودنا ، وهذا الجيش المقدس يحرس ديننا } ، أتبع سياسة المهادنة مع العلمانيين والأحزاب اليسارية ولكنه في الخفاء عمل على هدم قلاعهم بالتحفظ والأعلام التسقيطي والأتهامات الباطلة ، وحتى مجاملة الطائفة الشيعية التركية وتوصية حزبه مشاركتهم مراسيم عاشوراء ، والمجالس الحسينية ، أما على الصعيد الخارجي ، ففي المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية التركي أختتم أعمالهُ في العام الفائت الذي حضره الأسلاميون الراديكاليون والمتشددون ، والقيادات الأخوانية من محمد مرسي ، وزعيم حزب النهضة التونسي ” راشد الغنوشي ” وزعيم حركة حماس الفلسطينية ” خالد مشعل ” وألقى أردوغان خطاباً مليئاً بالتمجيد لقادة وسلاطين أتراك متشبهاً ومساويا نفسه بهم مثل : كمال أتاتورك ووالسلطان محمد الفاتح وألب أرسلان وتوغرت أوزال ونجم الدين أربكان ، وأقحم أسم ” عدنان مندريس معهم ليتشبه به وليعيد له الأعتبار.
وأعلن تأييده للأخوان بفوزهم في الأنتخابات المصرية ، وكان خطابه في مؤتمر لاكوس 2009 لصالح حماس المتشدد دينياً والذي هو على لائحة الأرهاب الدولي ، وبهذه السياسة الديماغوجية حصل على تأييد السعودية لكسب أستثماراتها في تركيا ، وكبرت وتعاظمت لديه فكرة السعي في أستعادة الأمجاد العثمانية الزائفة التي حكمت شعوب المنطقة أكثر من 400 سنه بالحديد والنار والجهل ، والعمل على تغيير الدستور التركي وذلك بنقل السلطة البرلمانية إلى رئاسة الجمهورية على غرار النظام الأمريكي وعملت هذه الأفكار الخيالية الطوباوية في تعجيل العد { التنازلي } في تحجيم مقاعد حزب العدالة والتنمية ال 300 مقعد من مجموع 550 مقعد برلماني في 2003 وصعد بها إلى الحكم .
وتبخرت أحلامه الدونكوشوتية البالونية وأنكسرت جرّة الراعي بظهور نتائج أنتخابات الأحد الماضي بأفول نجمه بحصول الحزب على نسبة 8-40% من الأصوات البرلمانية تقدر ب 248 مقعد من مجموع 550 مقعد وهذا لايسمح له تشكيل حكومة لمفرده ، وحلت باردوكان النكسة والنكبة حين يتذكر نتائج أنتخابات 2011 ، ب 9- 49 %من الأصوات ،والوقت القاتل ال 45 يوم الدستورية يحاصره لتشكيل الحكومة بالوقت الذي ترفض جميع أحزاب المعارضة الأئتلاف مع حزب العدالة والتنمية ، وصرّح حزبا المعارضة التركية {حزب الشعب الجمهوري التركي و الحركة القومية }بشرطهما / لا أئتلاف معك يا أردوغان ألا بعد مغادرتك القصر الأبيض الجديد الفخم والعودة إلى القصر القديم ( تشانكايا ) ، وكان أقوى الأسباب التي أزاحت أصوات أردوغان هو أنّ العلمانيين الأتراك وأنصار البيئة والنساء والمثقفين هو الحشد ذاته الذي تصدر الأحتجاجات ضد الحكومة في 2013 ، أصطفوا معاً إلى جانب حزب الشعب الديمقراطي الكردي المهمش من قبل أردوغان وحزبه .
توقعات مستقبلية // يقول “كرم أوكتم” ، أستاذ دراسات جنوب أوربا { هذا نصر للديمقراطية ، الأتراك لايقومون بثورات } وأشار أوكتم ان هناك في التأريخ التركي نتائج أنتخابيتين مصيريتين جرت في حياة تركيا وهي : في سنة 1950 أزاح الناخبون حزب مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة ، وفي 1983 رفض الناخبون الحزب الذي يدعمه العسكريون . * ويقول ” سنان أولجن ” رئيس مركز دراسات في أسطنبول { سيكون هناك شيء من فقدان الأستقرار ألا أنّ هذا جزء من اللعبة ، ولكن لا أعتقد أنها ستطول لأنّ أحزاب المعارضة متعطشة للسلطة . ** ورأي الشخصي : أنّ حدوث الأنقلابات العسكرية في تركيا واردة خصوصا عندما تتلبد غيوم الجو السياسي والأختناق الأقتصادي — وأذكر بالأنقلابات التي حدثت في تأريخ تركيا : 1960 ، 1971 ، 1993 1997 ، وحاوله أنقلابية في 2009 . وأرجو وأمنياتي الوطنية والأنسانية أن لا نسمع في جميع أنحاء العالم ، القائد الرمز أو رئيسا برقم أنتخابي 9-99 % ——
17-6-2015