أخطر مرض في العراق بعد السرطان .. تصلب اﻷعصاب المتعدد “تكاليف باهظة وإعاقات مهلكة

تحقيق : وسام الحداد

لم يدر بخلد الكهل الأربعيني، خالد محمد، وهو في طريقه لشراء علاج لأبنته المصابة بـ” تصلب الأعصاب المتعدد “من صيدلية المستشفى الحكومي بأن الدواء غير متوفر فيها، ما دفعه الى التنقل بها برغم سوء حالتها الصحية من مستشفى إلى آخر في بغداد والمحافظات لعله يعثر على ضالته ولكن من دون جدوى .

وبمرارة بدت واضحة على محياه يتحدث خالد، تغالبه دموعه قائلا ” منذ أشهر عدة وحالة ابنتي الصحية تتدهور، فهي تعتمد في علاجها على الأدوية التي نشتريها ان توفرت من السوق السوداء، ولم يعد بإمكانها تحمل اﻵﻻم المبرحة إلّا عن طريق العلاجات الخاصة بمرضها، والتي أن توفرت فبأسعار خيالية تتجاوز ما يتقاضاه موظف حكومي في سنة واحدة وربما أكثر “.

ويوضح اﻷب الحائر… “سابقا كان بإمكاننا الحصول على العلاج من المستشفيات الحكومية وبأسعار رمزية، أما اليوم فقد أجبرنا للحصول عليه من بعض الصيدليات وبصعوبة بالغة وبأسعار باهظة، ما دفعني للبحث عن أية وجهة دولية أو اقليمية لعلاج هذا المرض الخطير في الدول المجاورة كلبنان والأردن وإيران وتركيا والهند، بعدها قررت السفر إلى خارج العراق والذهاب بها إلى الهند لريادتهم في هذا المجال وللأسعار الأقل كلفة من البلدان الأخرى، وللإبقاء على حالتها مستقرة والحليولة دون تعرضها ﻷنتكاسات خطيرة عادة ما تصيب مرضى التصلب اللويحي بمرور الوقت وتأخر العلاج “.

رحلة العلاج الى الهند قبل فقدان الوظائف واﻷعضاء

غياب العلاجات اللازمة لمرضى التصلب العصبي المتعدد يدفع ضحاياه العراقيين للسفر الى الهند ووجهتهم غالبا ماتكون إلى مدينة” مولشاند الطبية” في نيودلهي ، إذ يعالج المستشفى الائتماني التابع لها مايقرب من 7000 مريض أجنبي سنويًا بينهم عراقيون بطرق متعددة أحدثها بالخلايا الجذعية.

وعن العلاج اﻷخير يقول البروفيسور الهندي (أرون كاريج ) انه يستهدف الخلايا الجذعية للغلاف المايليني لمرضى التصلب المتعدد، والذي يتحقق من خلال إدخال خلايا جذعية عبر الحائل الدموي الدماغي، لتقوم هذه الخلايا بالتمايز وإصلاح خلايا الغلاف المذكور في عملية تسمى بـ (إستعادة المايلين)، اضافة الى ، ان الخلايا الجذعية تساعد على إصلاح الجهاز المناعي ومنعه من مهاجمه خلايا الجسم في عملية تسمى بـ( التعديل المناعي) ويستخدم الأطباء هاتين العمليتين لتحسين جودة الحياة لمرضى التصلب المتعدد.

أشرف عدي إبراهيم ( 44 عاما ) واحد من المرضى الذين أضطروا للاستدانة بغية السفر الى الهند ﻷنهاء معاناته المريرة بعد تطور المرض لديه بشكل خطير، طرد على أثره من عمله في مصنع أهلي للألمنيوم وبات مهددا بالبطالة بقية حياته ليضاف الى 3ملايين عاطل عن العمل في العراق، وعن معاناته يقول ابراهيم ” انا وغيري من مرضى التصلب العصبي نتعاطى انواعا متعددة من العلاجات، أبرزها حقنة البيتافيرون betafoeron بين يوم وآخر، علما ان سعرها في حال توفرها يبلغ 90 الف دينار للأبرة الواحدة، وهناك حقنة ثانية تعطى كل يومين يطلق عليها rebif وسعرها إن وجدت 100 $ للواحدة، إضافة الى حقنة avonex مرة واحدة أسبوعيا وسعرها حاليا غير معلوم لعدم توفرها لا في الصيدليات ولا في المستشفيات الحكومية وهي مقطوعه منذ سنتين ، ناهيك عن حقنة tysabari التي تعطى مرة واحدة شهريا “، مشيرا الى ، ان ” تكاليف العلاجات الباهظة تنتهي غالبا بإحجام المريض عن تعاطي بعضها لضيق ذات اليد مايفاقم الحالة الصحية لديهم والتي تنتهي بالعوق الجزئي او الكلي “.

سلوى فاهم مجيد ( 42عاما ) وهي أرملة وأم لثلاثة أيتام بدورها تعرضت الى إنهاء الخدمات من معمل لخياطة الملابس النسائية في شارع النهر وسط بغداد، بعد تدهور حالتها الصحية ومعاناتها من مشاكل الرؤية الشائعة بين المصابين بالتصلب المتعدد وأبرزها التهاب العصب البصري الذي يؤدي الى عدم وضوح الرؤية أو الرؤية الضبابية أو وجود بقعة داكنة في وسط المجال البصري او الإصابة بالعمى في عين واحدة ، وتضيف مجيد ، ان ” الحقن التي تستوردها وزارة الصحة يتحاشى الاطباء والصيادلة استيرادها او التعامل بها ﻷنهم سيتهمون حينئذ بأنها مسربة من المستشفيات الحكومية او انهم حصلوا عليها من خلال السوق السوداء بوجود فساد مالي وادراي كبير وتسرب ﻷنواع اﻷدوية من المخازن الحكومية من قبل ضعاف النفوس الى أصحاب اﻷكشاك القريبة من المستشفاي في العادة والمذاخر بل وحتى اصحاب البسطيات مقابل شحها او نفادها في المستشفيات ،ما يعرضهم الى عقوبة قاسية تصل الى تغريم صاحب الصيدلية وختمها بالشمع اﻷحمر ومنعه من مزاولة المهنة مستقبلا ، اﻷمر الذي ضاعف من معاناتنا “.

إهمال حكومي ووزارة الصحة لاتستجيب !

عندما تتحدث وسائل الإعلام عن ظهور الكلاب السائبة في مستشفيات ديالى وبابل وذي قار في أوقات سابقة ، وظهور ضبع مفترس إقتحم مستشفى الديوانية للأطفال، وإندلاع حريق في قسم الأطفال الخدج في مستشفى اليرموك وحريق مماثل في مستشفى العلوية للولادة، وتلوث الردهة الجراحية بمرض معد خطير قيل انه الايدز وقيل الكبد الفايروسي في مستشفى النعمان، ناهيك عن وجود برج للطيور في سطح وزارة الصحة، يتبين لنا مدى الإهمال الذي طال القطاع الصحي في عراق ما بعد الاحتلال، وبات المواطن المغلوب على أمره عرضة للوفاة بسبب نقص الأدوية الحاد وغياب الرعاية الصحية الكافية ، وسط محاولات بائسة لسد هذا النقص، بغياب الخطط الخمسية أو العشرية والحلول الناجعة التي تؤمن للمرضى الرعاية التي يحتاجونها في المستشفيات أو المستوصفات الصحية على مدار العام .

الدكتور لطيف مصطفى وهو طبيب استشاري في إحدى مستشفيات العاصمة ، نوه الى ان ” نقص الأدوية في المستشفيات بات مشكلة كبيرة تؤرق المراجعين وباﻷخص علاج البيتافيرون المخصص لمرضى تصلب اﻷعصاب المتعدد“، مشيرا الى ” تقاعس وزارة الصحة في توفير الأدوية للمستشفيات والمراكز الصحية وهو أمر لم يعد بالامكان التغاضي عن عواقبه الوخيمة ” .

بدوره يضيف مدير عام دائرة صحة بغداد الرصافة “الدكتور عبد الغني سعدون قائلا ” نحن نمّر بظروف مالية صعبة جداً ما أثر بشكل سلبي على واقع الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين” ، مؤكداً، ان ” هناك مشاكل حقيقية تنذر بكارثة صحية أكبر مالم تتظافر الجهود للحيلولة من دون وقوعها ” .

وأردف سعدون ، أن ” الحاجة الفعلية للمؤسسات الصحية التابعة لدائرة صحة بغداد /الرصافة تقدر بـ (46) مليار دينار بغية تأمين جميع الاحتياجات الدوائية والعلاجية والمختبرية والأمور الفنية والعمليات الجراحية “، مستدركاً بالقول ” إﻻ أن ماتم تسلمه حتى اﻵن من قبل وزارة المالية ﻻيتعدى المليار و400 مليون دينار فقط ، فكيف يتم توزيع تلك المبالغ لتغطية الحاجات والنفقات الفعلية ؟“.

خطر الموت يداهم مرضى التصلب المتعدد بعد تحطيمهم ماديا ومعنويا !

الشابة مريم (25 عاما ) ،احدى ضحايا تصلب الأعصاب المتعدد الذي يصيب طبقة الميلانين المغلفة للأعصاب لخلل ما في جهاز المناعة ويعمل على تحللها ما يترتب عليه إصابة الجهاز العصبي بالعجز عن أداء وظائفه، وقلة التركيز وفقدان الذاكرة والتوهان وضعف الأطراف والحركة والشد العضلي وآلام العضلات ، والذي يصيب النساء أكثر من الرجال، تقول ” عند دخولي إلى المستشفى لا أجد أملا بالشفاء وتلقي العلاج اللازم حيث عدم الاهتمام وغياب النظافة التي أصبحت سمة من سمات المستشفيات الحكومية، ناهيك عن أخطاء التشخيص والمعاملة السيئة، وعدم الاكتراث ووفاة العديد من المرضى من جراء أمراض أخرى أقل خطرا يمكن السيطرة عليها مقارنة بمرضي الذي حار في أسبابه الاطباء ، ودون الحصول على ابسط أنواع الرعاية، وما زاد الطين بلّه نقص العلاج ﻷمراضنا المستعصية وعدم توفرها باستمرار، وان لم أجد العلاج بشكل أسبوعي، فهذا يعني بأنني متجهة الى أعراض متقدمة للمرض أشد خطورة من سابقتها كفقدان البصر، او تلف الكبد والكلى، هذا ان لم أصبح بمرور الوقت عاجزة تماماً عن الحركة والكلام، ما يدفعني للشعور القهري بأنني سأواجه الموت لامحاله بسببه “.

وتتابع مريم وقد أغرورقت عيناها بالدموع ” المرض بدأ يأخذ أشواطاً جديدة في حياتي اليومية، فبعد سوء الهضم وازدواجية البصر وصعوبة المشي وتنمل الأطراف وحالات من التبول اللا إرادي، بدأت تفكر عائلتي جديا في السفر وتلقي العلاج في بلدان اخرى كالهند أولبنان أو الاردن، وتحمل التكاليف المرهقة لإبقائي على قيد الحياة” .

منظمات حقوق الانسان وشكاوى في سلال المهملات

جمعية الحياة لتصلب العصب اللويحي المتعدد، أخذت على عاتقها مسؤولية مخاطبة ومقابلة المسؤولين في وزارة الصحة، سعيا منها الى إغاثة المرضى والتخفيف من معاناتهم، والتي وجد (ابو مريم) ضالته فيها بعدما أعيته الحيل بالعثور على العلاجات المتعددة لأبنته وإنقاذها قبل تفاقم حالتها ﻻسيما وهي تتناول أكثر من أربعة أنواع مختلفة أسبوعيا فيما لم تلق الوزارة لهم بالا، وجميع الشكاوى التي رفعت لها بهذا الشأن تعاملت معها بعدم الاكتراث، متذرعة بأن أسباب التلكؤ في انقاذ حياتهم ناجم عن الروتين التعقيدي وتأخر الإجراءات الخاصة بعملية استيراد الأدوية وإنها ستصرف لهم تباعا في اقرب وقت ومنذ أكثر من عام ما دفعهم الى مفاتحة الجمعيات والمنظمات الإنسانية التي بدت متعاطفة معهم، وكان الاهتمام الأكبر لجمعية الحياة لتصلب الأعصاب المتعدد التي تولت بالنيابة عنهم مفاتحة الوزارة وتحذيرها من مغبة الإهمال وضرورة توفير العلاجات ليس فقط لمرضى التصلب اللويحي المتعدد بل لمختلف الإمراض المستعصية الأخرى .

حقوق المريض العراقي الى أين ؟

حسين علي ( 45 عاما ) وهو مراقب للشؤون الصحية يبين، أن ” من حق المريض وفق القوانين الدولية ان يتلقى الرعاية الرحيمة و أن تتم رعايته صحياً بشكل وافٍ ومن حقه التعرف على هوية الطبيب المعالج ، والممرضين ، والقائمين على علاجه و أن يتم إبلاغه بشكلٍ وافٍ عن تشخيص مرضه ، وخطة علاجه ، مع استخدام مصطلحات ومفردات واضحة ومفهومة له والإجابة على كل أسئلته بهذا الشأن ،ومن حق المريض أيضا أن يتم الحفاظ على خصوصية وسرية معلوماته وبياناته الطبية والاجتماعية، ومن حقه أن يتم إبلاغه عن اللوائح والأنظمة المعمول بها “، مستدركا بالقول ” إﻻ اننا وحينما نحاول أن نلقي نظرة خاطفة على ما يجري في المستشفيات الحكومية العراقية، لاسيما في جانب ضعف الخدمات وتوفير العلاجات، فإننا سنحصل على نتائج مغايرة لا شأن لها باللوائح الدولية وحقوق الانسان ويمكن لمسها لمس اليد سواء من قبل المواطن او المسؤول او المتابع ، ذلك ان المواطن والمسؤول الصحي على طرفي نقيض، اذ يرغب الاول بعلاج أنموذجي وبمعاملة انسانية حسنة تليق بالبشر على وفق العرف والشرع والقانون ،فيما يميل الثاني الى تحقيق رغبة المواطن وهي حق من حقوقه الى الجانب الشكلي الذي يتنافى مع جوهر الخدمة الصحية في عراق البطالة والامراض المزمنة والمستعصية “.

ماضاع حق وراءه مطالب

تأبطت أوراقي لأتابع أمراضا أخرى تفتك بضحاياها في بلاد الرافدين بوجود نقص حاد في اﻷدوية والعلاجات اللازمة تماما كما يفعل ” تصلب اﻷعصاب المتعدد“، ليس أولها مرض الثلاسيميا أو فقر دم البحر الابيض المتوسط، مرورا باللوكيميا والتوحد ومتلازمة داون وسرطان الدماغ والغدد اللمفاوية والتهاب الكبد الفايروسي والعجز الكلوي والايدز والتشوهات الخلقية بسبب التلوث البيئي وليس انتهاء بضمور العضلات التشنجي الحاد التي تفتك بالمئات شهريا، وبينما كنت أحث الخطى قدما لمحت في طريقي تظاهرة حاشدة لذوي مرضى ” تصلب الاعصاب المتعدد ” أمام دائرة صحة بغداد يطالبونها بتوفير الرعاية الصحية ﻷبنائهم وصرف الأدوية التي أثقلت كواهلهم مجانا كونها حق من حقوقهم المشروعة التي كفلها الدستور، فقفزت الى ذهني تظاهرات الجمعة في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد منذ عام 2015 والى يومنا هذا احتجاجا على الفساد المالي والإداري المستشري في المؤسسات الحكومية، وللمطالبة بمحاسبة المسؤولين المتهمين بقضايا فساد وتنفيذ الإصلاحات التي وعدوا بها، ومحاسبة المقصرين و المتسببين في سقوط الموصل وجريمتي سبايكر والصقلاوية من دون ان تحقق هذه التظاهرات من مطالبها شيئا قط، إﻻ أنني علي يقين بالحكمة القائلة ” ماضاع حق وراءه مطالب” وكذلك من يتظاهرون أمامي يحذونا اﻷمل بتغير الأحوال الى أفضل حال وﻻمستحيل تحت الشمس .