بسمالله الرحمن الرحيم
مابعد جريمة “هاناو”
دوسلدورف/أحمدسليمان العمري
مضىعام على المجزرة الدمويّة التي أقدم عليها النيوزلندي “برينتون تارانت”في مدينة “كرايستشرش” في نيوزلندا والتي راح ضحيتها 51 مصلياً مسلماًيوم الجمعة 15 مارس/آذار 2019م، في أسوأ حادث إرهابي لقتل جماعي بخلفية فاشيةعنصرية، حتى فجُعنا مساء الأربعاء 19 فبراير/شباط في مدينة “هاناو” تبعد30 كيلو متر شرقاً من فرانكفورت، بهجوم آخر على مقهى أرجيلة قُتل فيه خمسة شُبانتترواح أعمارهم بين 21 والـ 44 عام ومن ثم غادر القاتل المكان وبدم بارد دخل حانوتفي الجوار فقتل أمّاً لطفلين وحامل وأجهز على أربعة آخرين معها.
هذهالأماكن المستهدفة يرتادها بالعادة عرب وأتراك وجنسيات عديدة أخرى. راح ضحية هذاالعمل الإرهابي الفاشي 10 أشخاص بين أتراك وبلغار، روماني، بوسني وأفغاني،بالإضافة إلى والدة القاتل التي أجهز عليها ولدها المجرم “توبياس راتجن”البالغ من العمر 43 عام بعد تنفيذ العملية الإرهابية، ومن ثم قتل نفسه ليكون هو الحاديعشر ضحية إجرامه وكراهيته وتوّجهه الإرهابي اليميني المتطرّف المدمّر.
لميمرّ أكثر من ثلاث أيام حتى تكرّر الهجوم يوم السبت 22 فبراير/شباط في جنوبألمانيا في مدينة “شتُوتغَارت” على مقهى أرجيلة مماثل كالذي في”هاناو”، غير أنّ الهجوم لم يخلّف وراءه أضرار بشرية لعدم وجود أحد لحظةإطلاق النار على المبنى. كذلك الاثنين 24 فبراير/شباط في مدينة”فولكمارسن” دخل سائق سيارة “ماوريس ب” الألماني الأصل،البالغ من العمر 29 عام وبسرعة فائقة بشكل متعمّد أثناء عرض الكرنفال ليدهس حشود كبيرة من الناس بينأطفال ونساء وعجزة وشبان، لتصل الإصابات إلى مائة وقد تزيد، وكثيرها بالغة الخطورةحسب صحيفة “ميركور” الألمانية في 03 مارس/أذار.
لاتشير التحقيقات لغاية الآن إلى أي خلفية معينة، لكنّ المحقّقون يلوّحون إلى مرضنفسي كالعادة، إلّا أنّ ذات الصحيفة أجرت مقابلات مع جيرانه، أحدهم إمرأة مسنّة،قالت أنّه تحدث إليها أكثر من مرة عن وجوده في الصحف في الأيام المقبلة.
فيمرحلة ما بعد التحقيق بيوم أو بضعة أيام أو علّها تمتد حيناً إلى ما بعد حديثالعامّة عن هذه الحادثة البشعة مروراً بوقفات احتجاجية مندّدة للحزب النازي والتيبلغت حيناً في “ماربورغ” مثلاً وحدها 4500 شخص ضد الكراهية وفي مدينةالواقعة “هاناو” لم يختلف الحال كثيراً عن “ماربورغ” من حيثالعدد والغضب ورفع رايات رافضة لليمين في مجتمع ديمقراطي.
فيهذه الأثناء قد يكون المحقّقون أجابوا على كثير الأسئلة التي يتداولها العامّةوالمهتمون بقضايا الحريّات والحقوقيّات.
فمثلاًالسؤال الذي طرحه “هانز جيورج ماسن” السياسي الألماني المخضّرم والرئيسالسابق للمكتب الإتحادي لحماية الدستور، عبر موقعة في تويتر وهو: “إذا توجهقاتل “هاناو” إلى المسؤولين الحكوميين برسائل تشير إلى اضطراب نفسي،أتساءل لماذا لم تخبر أي من هذه السلطات الجهات المعنية كسجلّ الأسلحةالوطني؟” ولقد أتى تساؤل الآخر بعد تصريح المدّعي العام “بيترفرانك” أنّ مكتب المدّعي الفيدرالي كان قد تلّقى اتصال بالفعل من القاتل فينوفمر/شباط الماضي على شكل شكوى وتحذير ضد منظمة كبيبرة خطيرة سريّة غير معروفة تحاولالتأثير على أراء الناس وتوظيفها من أجل السيطرة.
سؤال”ماسن” مبرّر وهو ذاته الذي يتساءله الشارع في ألمانيا، لماذا كان يقتني”توبياس” أسلحة؟ ولمَاذا لم تتفاعل السلطات مع هذه الشكوى في الوقتالمناسب؟
لقدأرجأ رئيس مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية “هولجر مونش” سبب الوقعة عنصريةالخلفية حسب التقييمات الأولية إلى مرض نفسي مزمن ونفى ما دون ذلك، في الوقت ذاتهصرّح وزير الداخلية “هورست سيهوفر” أنّ مسؤولية مرتكب الجريمة لا يمكنإرجاؤها إلى اختلال عقلي، لا بل خلفية عنصرية واضحة لا جدال فيها.
المثيرللجدل والاستفزاز في آن هي التصريحات التحقيقية في محاولة لنفي النزعة الفاشية عنالمجرم وإلباسه رداء المرض، كما هي كثير الحالات الإجرامية التي يرتكبها قتلةيمثّلون أحزاب عنصرية أو توجّهات عرقية، وإستثناء حقائق كإنهائة الدراسة الجامعيةفي إدارة الأعمال، وأخرى أكّدها الناطق الرسمي لمقاطعة “ماين كينزيغكرايز” “جون مويز” حول إنتساب الجاني كرامي رصاص حي هاوي في مدينة فيذات المقاطعة وعضويته أيضاً في نادي الرماية في مدينة “بيرغن إنكهايم”،كما وأكّد الناطق حصول المجرم على رخصة سلاح قبل بضعة أعوام، والتي تم تسجيل ثلاثةأسلحة عليها ذات رمي سريع وتسلّمه إياها.
كماونشر “راتجن” بياناً من خلال رسالة فيديو بصوته، والتي احتفظت بهاالشرطة وأغلقت رصيده على الإنترنت، ولقد تضمّنت عبارات يقدّم نفسه كبطل وإشارة إلىغزو جديد، وهي دلالات تدلّ على قناعات عنصرية متأصّلة ونظريات المؤامرة التيقدّمها في العام الماضي للسلطات الألمانية، وهي التي أهملتها الجهات المسؤولة،وهذا يعني بالضرورة شراكة تلك الجهات في هذه الجريمة حتى لو بشكل غير صريح أو دونخلفية إجرامية أو دون قصد، فالإهمال المؤسّسي بحدّ ذاته جريمة يجب أن لا يستثنيهاالقانون مع عقوبة الجاني بشكل عام.
لامحال أنّ جانباً كبيراً من الرسالة التي وجّهها القاتل لأقرانه الذين يشاركونهالأراء العنصرية من خلال الفيديو هي إحساسه بتزايد الأشخاص الذين يؤمنون بالنظريةالعنصرية والتي خلت من الشك كونها رسالة موّجهة لهم، وعلّه الآن يتصدّر قائمةالشرف لأبطال القضية الوطنية في الحزب الفاشي.
بعدالهجوم الغاشم على الأبرياء في “هاناو” بدأت المطالبة من سياسيّ الإتحادوالحزب الديمقراطي الاشتراكي بضرورة مراقبة الحزب اليميني المتطرّف من قبل مكتبحماية الدستور، ومطالبة أخرى من الأمين العام للحزب الديمقراطي الاشتراكي”لارس كلينغبايل” بسحب ميزة “الموظف المدني” من أمين حزباليمين المتطرّف “بيورن هوك”.
حسبمؤسسة “كانتار” وهي واحدة من المؤسّسات الرائدة في العالم بأكثر من 100دولة تعمل في علوم البيانات والأفكار والاستشارات فإنّ 60 بالمائة من الألمانيعتقدون أنّ حزب اليمين المتطرّف يساهم في المسؤولية عن العنف الذي يقف وراءهمتطرّفين ألمان، بالإضافة إلى مطالبة رجال أعمال كمدير شركة “الرايناير” الإيرلندية “مايكل كيفن أوليري” في مقابلة للصحيفة البريطانية”ذا تايمز” دعا فيها لمزيد من التفتيشات الصارمة على الرجال المسلمين فيالمطارات، حيث قال: “الإرهابيون هم المسلمون، لأنّ هذا في العقيدة الإسلاميةعامّة”.
مثلهذه التصريحات من رجال أعمال عالميين لها كلّ الأثر في تهييج النعرات الفاشيةتحديداً ضد المسلمين، كما صرّح الآخر وكثير قبله وبعده.
الأمرالملفت للنظر أنّ الحزب النازي في الفترات الأخيرة أصبح البديل لإخفاق كثيرالأحزاب الألمانية، والدليل ما جرى في 5 فبراير/شباط عندما نجح “توماسكيميرش” في انتخابات رئاسة الوزراء في ولاية “تورينغن” بدعم من حزباليمين النازي، ممّا أثار سخط العامّة في جميع أرجاء ألمانيا ليجبره الشارع بذاتالوسيلة على تقديم استقالته، وهذا ما فعله فعلاً في اليوم التالي.
وجزئيةأخرى لا بدّ من طرحها حول والد القاتل الذي أُدخل مصحّة نفسية بعدما نفّذ ولدهالجريمة البشعة. فحسب الصحيفة الألمانية “بيلد” فإنّ والده كان يعلمبتحركاته وعن نيته الهجوم على المقهى، وهذا ما قدّمته بعض التحقيقات كما أوردتالصحيفة.
هلأصبح المرض النفسي هو اللباس الرحراح للقتلة والمجرمين؟ أم أنّه المنفس القانونيلممارسة الإرهاب ضد العزّل والأبرياء بذريعة الإضطرابات النفسية؟
الحقيقةهي أنّ الشارع الألماني منقسم بين حزب فاشي استطاع أنّ يثبت نفسه من خلال غطاءسياسي، وآخر بمجموعة أحزاب كثيرها لا يخاطب المزاج الألماني من حيث القرارتالداخلية والسياسة الخارجية التي يعاني آثارها الآن المواطن البسيط وأهمّها قضيةاللاجئين السوريين.
فهلإخفاق العمل السياسي الحزبي ساهم في عِداء المسلمين وغير الألمان بشكل عام؟ أمّأنّ الموروث المجتمعي الذي يرفض غير الألماني التخلّي عنه من عادات وتقاليد لاتنسجم مع التراث الغربي هو ما يؤرّق الألماني، فلا يجد بعضهم بُدّاً من محاربتهبطريقة وحشية أو بطريقة رفض أخرى.
وهليُعذر الألماني من الطفرة الكبيرة الذي يصوّرها البعض بـ “المستفزّة” منحجم غير أبناء البلد في المؤسّسات وجميع القطاعات والشارع بشكل عام؟ أمّ أنّ قادةالحروب هم من غذّى بشكل غير مُبَاشر هذه النزعات في كثير المجتمعات جرّاء نزوح منهنا وبطالة من هناك، وبين هذا وذاك نقف نحن المهاجرين بوجوه سمراء عربية عُراةوبعضنا بأرواح غربية، غرّبونا العرب ورفض جلّنا الغرب.

Freundliche Grüße AhmadAl Omariأحمد سليمان العمري Medizinische Dekanat Heinrich-Heine-Universität Düsseldorf Universitätsstraße 1 40225 Düsseldorf Germany Tel.:  +49211/811-3084Mobil: +49174/4266837 E-Mail: alomari@hhu.de