عائلة بيت “أبي حيدر” مكونة من ولدين: حيدر الكبير، وهو في الصف الرابع الابتدائي، ومحمد الأصغر في الصف الثاني, كانت في ذلك اليوم والليلة المشؤومة على قَدَرٍ، قلب كلَّ كيان حياتها فكانت عند أحد الأطباء في منطقة شارع فلسطين، وبدأ الوقت يتأخر وهم في تلك العيادة، إذ إن مراجعي الدكتور في ذلك اليوم قد ازدادوا، وكانت أم حيدر تعاني من بداية تشكُّل مرض سرطان الثدي، وهذا المرض انتشر في الآونة الأخيرة بُعيَد الحرب، والأزمات التي افتعلتها سلطة البعث آنذاك، والمتمثلة بالطاغية صدام وزبانيته، وأثناء هذه الحروب الخاسرة والمجازفات الكارثية استعملت قوى التحالف الذي تشكَّل بعد احتلال المجرم “صدام” للكويت وأدخل حينها الجيش في أتون معارك خاسرة وحروب لا طائلة من ورائها، فكان التحالف حينها ترأسه أمريكا وكثير من الدول المشاركة فيه، وقد استعملت أثناء الحرب هذه آلاف المقذوفات المحرمة دولياً المشبعة بالإشعاعات الضارة على الحياة في العراق، وكانت هذه الأمراض من إحدى نتائجه, المهم إن عائلة أبي حيدر أتمت الفحص والتشخيص وأقفلت عائدة، وأثناء مرورها في تقاطعات بغداد وشوارعها، فكان الازدحام على أشدّه على طريق “محمد القاسم” الطريق السريع الذي يمرُّ بوزارة الداخلية العراقية، وبعد اجتياز وقطع المسافة مرَّت سيارة هذه العائلة المسكينة المنكوبة بالقرب من سيارة كانت مركونة على الطريق، وبعد الوصول إليها انفجرت تلك السيارة المركونة، وتحولت إلى أشلاء متناثرة، وأصاب التفجير عديداً من السيارات المارة ومنها سيارة بيت “أبي حيدر” فاحترقت مقدمة السيارة بعد أن تهشم زجاج السيارة جراء العصف، وارتفعت السيارة للأعلى وسقطت في مكان قريب من مكانها، وكان التفجير قريباً جداً من سيارة هذه العائلة المنكوبة، وبهذه الأثناء فقدت العائلة الوعي، وكانت حالتهم يرثى لها وآثار الدماء تغطي معظم دواخل السيارة، وانبرى المسعفون؛ ليسعفوا ما يستطيعون إسعافه فأخرج المسعفون هذه العائلة المسكينة خارج السيارة التي أخذت تشتعل وتشتعل، وعلى الفور تم نقل العائلة إلى أقرب مستشفى، وهو مستشفى “الجملة العصبية” فتمَّ وعلى الفور إجراء اللازم والتعامل مع العائلة، وأُدْخِلوا لردهة الطوارئ في المستشفى نفسه فكانت إصابات الأطفال قياساً بالأبوين أقلَّ حدةً، وإصابة الأم أكثر من البقية؛ كون السيارة المركونة كانت من جهتها فماتت على الفور عند وصولها، وأُدخِل الأب لصالة العمليات وكانت إصابته في رأسه، وعلى الفور أُجرِيَت له عملية جراحية، وعاش في غيبوبة سريرية بعدها وأما الولدان حيدر وأحمد فقد عانيا من رضوض وخدوش وبعض الجراحات التي تمت معالجتها وعلى الفور والذي لفت انتباه من كان هناك أنَّ الولد الأصغر كان يحمل علبة علاج توجد فيها أقراص دواء وحينما سُئلَ عن ماهية هذه العلبة أجابهم وهو يرتجف خوفاً أثر الرهبة التي ولَّدها هولُ الانفجار أن هذه العلبة لأمه، وهي ــ حسب قوله ــ أوصته بأن يحتفظ بها لحين عودتها إليه وحينما تم سؤاله أين هي الآن أمك؟ أجابهم: إنها في الصيدلية وستأتي قريباً، والله إن هذا الموقف هزَّني وأبكاني!! لماذا هذا الذي يحصل بنا ؟ و لمصلحة من؟ هل العراقيون أصبحوا رخيصين إلى هذا الحد؟ أسئلة تحتاج منا لوقفة جادة، ولإجابات شجاعة ونتيجة هذه الأسئلة لماذا يتم إيداع المجرم الإرهابي السجن، ولا يتم إعدامه بعد الحكم عليه والتأكد من جرمه ؟ هل إن دماءنا باتت رخيصة إلى هذا الحد؟ فيجب الضرب بيد من حديد وتفعيل أحكام القضاء؛ لأن العراق وشعبه يمرُّون بمنعطف شديد وصعب وزلق . فحفظ الله العراق والعراقيين ونصرهم على الإرهاب .

بقلم: أحمد كاطع البهادلي