يا صحفيي الشخصنة المطلوب إنسانية ووطنية !
احمد الحاج
تواصلا مع سياسة التجهيل وعلى كافة الصعد فإن وسائل إعلام عراقية باتت لاتفرق بين ” كشف ملابسات الحادث ” وبين ” نقل تفاصيل الحادث ” ولهؤلاء أقول ، ان كشف الملابسات يعني التوصل الى حقائق وأسرار وملفات لم تكشف من ذي قبل وﻻتعني و بأي حال من اﻷحوال نقل خبر الحادث كما هو من غير زيادة ولانقصان وﻻحتى خلفيات تعين القارئ غير المتابع على الإلمام بأولياته، فيكتبون في العنوان رغبة بمزيد من القراءات والمشاهدات ” كشف ملابسات مقتل ملكة جمال بغداد ” واذا ما دخلت لقراءة الخبر مدفوعا بالعنوان المثير تجده تكرارا لما سبق نشره وﻻجديد فيه البتة …ويا أيها الصحفي العراقي أيا كان إنتماؤك حاول أن تكون قدر الإمكان في هذه الفترة الحرجة من تأريخ العراق مثقفا وواعيا ووو..عراقيا وكفاك دفاعا عن اميركا وايران ومن والاهما في كل شاردة وواردة على حساب عراقيتك وكأنك ايراني أو أميركي بالولادة والجنسية والتبعية ..كفاك وحسبك !!

وليس التجهيل المبني على الإثارة واللاانتماء وحده هو اﻵفة التي باتت تنخر في جسد الصحافة العراقية بل الشخصنة ايضا ، فقبل 2003 كنت أعرف صحفيا بارزا ” لن اذكر اسمه ” من جيل المخضرمين اﻷوائل المعروفين ، ومنه تعلمت درسا بالغا لم يعلمن إياه مباشرة وإنما تعلمته منه من خلال مصاحبتي له مرغما كونه أحد اﻷقرباء ، وهو يكبرني سنا وكان رحمه الله ﻻيثير مسألة تخص الرأي العام إﻻ اذا مر بموقف شخصي معها ، فهو لايكتب عن الضرائب مثلا إﻻ اذا ذهب الى ضريبة الدخل ولم يرقه تخمينها الضريبي ، لايكتب عن الخبز المصنوع من الطحين اﻷسمر غير المنخول الا اذا إشترى خبزا لايؤكل، لايكتب عن طابوري البيض و الحصة التموينية ، اﻻ اذا وقف فيهما تحت اشعة الشمس اللاهبة ، هو لايكتب عن مأساة جرحى الحرب اﻻ اذا أصيب صديق أو قريب له إصابة أقعدته على كرسي المشلولين مدى الحياة ،والحق يقال أنا لم ألتفت كثيرا لهذه الحالة في وقتها لظني أنها حالة فردية أولا ولإعتقادي بأن الحوادث كانت تأتيه تترى قدرا لتذكره بها فيكتب عنها وحسبه أنه كتب ولم يتجاهل أو – يغلس – كما فعل ويفعل غيره !
اليوم وأنا أتابع – الكبسلة واﻷمركة واﻷيرنة والشخصنة – في بعض ما يكتبه الصحفيون العراقيون والعرب أجد انهم يتخيرون مواضيعهم بناء على إما – مايطلبه المستمعون ،وأعني هنا رئاسة التحرير التي تتلقى بدورها التوجيهات بشأن ما يجب نشره وما يتوجب حذفه من صاحب رأس المال بناء على مصالحه الشخصية والسياسية وخلفياته العرقية والمذهبية لا الوطنية – أو استنادا الى مواقف خاصة يصطدمون بها في واقعهم المعاش فقط ، وإن لم تصادفهم فلن يتذكروا أيا منها ولو كان ضحاياها الشعب كله ، هم ﻻيكتبون عنها بصفتها مأساة لكذا مليون عراقي وانما فقط ﻷنها اصبحت مشكلة شخصية او مذهبية او قومية او انها تهم اميركا او ايران في لحظة ما ، وبناء عليه فأنا أفهم وﻻ أتفهم لماذا لم يكتب الكثير من هؤلاء ولن يكتبوا عن المخدرات مثلا ، ﻷن لا احد من عوائلهم يحشش كما ان اميركا وايران غير معنيتين بهذه الكارثة على المستوى المحلي ، لماذا لايكتب أحدهم عن الانتحار ﻷن لا احد من اقربائه انتحر، هو لايكتب عن اليتم ﻷن لا أحد في عائلته يتيم ، وﻻ عن مرضى السرطان ﻷن أي فرد من عائلته لم يصب بهذا المرض الخبيث مع انه يحصد ارواح العراقيين حصدا ، عن اﻷمية ﻷن كل معارفه من حملة الشهادات العليا ، هو لايتناول الجياع والمحرومين ولو بمقال ﻷن اموره المادية وأمور من حوله احوال ، وﻻ عن النزوح والتهجير ﻷن ليس هناك في عائلته نازح ، هو لايكتب عن مأساة الطلاق وعدد ضحاياه 10 حالات كل ساعة في العراق ، ﻷن كل نساء عائلته يحافظن على ازواجهن طوعا أو كرها ، والحديث يصدق على الصحة والتعليم والنقل وأزمة السكن والخدمات ، ولعل هذه الاشكالية تعد كسابقتها واحدة من آفات الصحافة العراقية والعربية اليوم وأعني بها تخير المواضيع لكتابة التحقيقات والمقالات وإجراء الحوارات بناء على العواصف والعواطف والمواقف الشخصية وطلبات المستمعين من رئاسة التحرير ومن على شاكلتها ، ﻻ بناء على الحاجة الوطنية والانسانية والدينية ، وأنصح صحفيي – الشخصنة – بأن يعمموا ولو لم يصبهم وابل وﻻ طل مما يكتبون فيه ﻷن الدفاع عن حقوق الناس ومآسيهم واجب شرعي واخلاقي وانساني ووطني وان خالفنا هؤلاء بقومياتهم والوانهم ومذاهبهم واديانهم ، ولا يشترط ان تفصل من عملك لتكتب عن البطالة ، وﻻ ان تمرض لتكتب عن مستشفياتنا البائسة ، وﻻ ان تغلق صحيفتك او مجلتك او وكالة انبائك لتكتب عن حقوق الصحفيين الضائعة ، وﻻ أن تطرد من دارك لتكتب عن التهجير والتغيير الديمغرافي وﻻ أن تركب القارب المطاطي فتمخر عباب البحر لتكتب عن الهجرة الى ارض الغربة ومصائبها، اكتب ثم اكتب ثم اكتب حتى ترضي ربك وتبرئ ذمتك وتريح ضميرك وانت تلهج بقوله تعالى ” رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ”.
اودعناكم اغاتي