أعجبتني كثيرا كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في ندوة للقوات المسلحة حضرها، وكان عدد من الصحفيين والكتاب والمثقفين وصناع الرأي والفنانين من ضمن الحضور، وتطرق فيها الى قضايا عديدة تخص الشأن المصري، والعلاقة مع دول عربية وأفريقية، وكذلك العلاقة مع القوتين العظميين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. وكان لافتا إستخدام الرئيس لكلمة، لست متآمرا، ولن أكون، في سياق الحديث عن جملة التحديات التي تتطلب من الرئيس تقديم تنازلات في ملفات عدة، وهو بحسب تعبيره يدرك حاجة شعبه الى الطعام والمال والحياة الكريمة والملائمة في ظل ظروف معقدة وخاصة جدا تتطلب رؤية وصبرا وقرارات مصيرية تخفف الضغوط عن الدولة المصرية ويبعث من خلالها رسالة الى العالم والعرب في مقدمتهم بأن الموقف المصري ليس للبيع، وإن حاجتنا للدول العربية لاتعني الخضوع الكامل والتنازل المهين وتلبية كل المتطلبات حتى لو كانت على حساب سيادة وكرامة الشعب المصري ومستقبله.
الرئيس المصري صدم بمواقف عديدة من الدول العظمى الغربية تحديدا التي وصفت ماقام به إستجابة للتظاهرات العارمة ضد مرسي بأنه إنقلاب عسكري مناف للديمقراطية ويرسخ حكم العسكر الذي مايزال يقود البلاد منذ العام 1952 التي جاءت بحكم الرئيس جمال عبد الناصر ومجموعة الضباط الأحرار، وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا خاصة تتعامل بإزدواجية عالية فهي من جهة تحاول التواصل مع النظام الجديد، لكنها تمد الخيوط مع الإخوان المسلمين وقوى المعارضة، وتبعث إشارات عدة عن عدم رضاها عن الوضع الراهن، وبدت قوى أخرى واضحة في موقفها من التغيير كالمملكة العربية السعودية التي قدمت الكثير من الدعم، وساعدت في تحجيم دور الإخوان والقوى المدنية الأخرى التي ماتزال غير راضية عن جملة التحولات في الساحة المصرية.
روسيا الإتحادية من جانبها لم تنتظر كثيرا لتعلن أنها قريبة من مصر خاصة مع وجود تقارب في الرؤية تجاه بعض الأحداث الإقليمية في سوريا واليمن التي ترى القاهرة أنها لايمكن أن تحل على الطريقة التركية، أو الأمريكية وأن بقاء الأنظمة العربية ضرورة لحفظ التماسك والبحث عن سبل خلاص مختلفة، وكانت الزيارات المتبادلة عامل دعم مضاف فالرئيس بوتين زار القاهرة، وكذلك فعل السيسي الذي توجه الى موسكو، وبدأت العلاقات تتطور بين الجانبين، وهاهي تتوج بمحاولات راسخة لعودة السياحة والتبادل التجاري والخبرات، بينما يستعد البلدان لإجراء مناورات عسكرية كبرى في غرب البلاد الأمر الذي يمثل رسالة واضحة وصريحة عن طبيعة دور مصر وعلاقاتها الدولية ونوع الرغبة في التماسك الداخلي، ورفض الإملاءات مهما كان نوعها والضغوط التي تمارس من هذا الطرف، أو ذاك.
المصريون برغم مايعانون لكنهم شجعان وأقوياء ولديهم الرغبة في الصمود بوجه التحديات ودوام القناعة، وشعارهم، يامصر قومي وشدي الحيل، فحتى حين يبحثون عن الرزق بطرق مختلفة قد لاترضينا في بعض الأحيان إلا إنهم مصرون على كونهم لايريدون أن يكونوا أتباعا لأحد، وهذا هو المهم.