وتداعتْ عليكم ألأمم:
فمــا أنتــــم فاعلون؟
شخصيّاً و منذ الصّغر .. كنتُ حين أسمع صوتاً عالياً أو ضوضاء يعلو قليلا من أشخاص أو شخص مجاور أنزعج وأضطرب ولا أستطيع التفكير ولا حتى الكلام أو الرّسم في تلك الأجواء وأحاول ترك المكان وتغييره لمكان آمن وهادئ وتطبعت على هذا, وأصحابي ألعلماء ألعظماء كانوا هادئين و وقوريين, لإيمانهم بأنّ الحياة الحقيقيّة والأنتاج الفكريّ – ألفلسفيّ لا يتحقق إلا في أجواء الأمن وألهدوء والصّمت والتأمل والتفكير العميق ألمُستند على المحبة .. كي يُمكننا العمل بصوت عال لبناء الحضارة و آلمدنية!

بعكس ألشّعب العراقيّ وحتى العالم بقيادة الأحزاب الحاكمة ألمتحاصصة ألتي تُؤمن بآلعنف وآلسلاح والأرهاب والكذب لإبقاء الضوضاء وآلعبث والعشائرية والحمية وأصوات العيارات النارية وكأنك وسط حرب نفسية دائمة ودوائر و زارات محمية بآلحديد و النار و الفساد؛ لهذا قلتُ وأقولُ : (كيف يمكن أن ينشأ الطفل في هكذا أجواء ليُفكّر ويبني ويصلح حين يصبح قادراً)؟ لذلك بات الشعب العراقي كما أكثر شعوب العالم(1) لا يؤمن بآلفكر والهدوء ويعتبر صاحبه مريضا ومعقداً, وهذا ما سمعته حتى من “أكاديمييهم وعلماؤهم” لأنّهم ليس فقط لا يعرفون قيمة ومكانة ذلك, بل لا يعرفون معناها وأبعادها وتعريفها وتأثيرها في الحضارة والمدنية؟

تلك هي مشكلة العراق الأساسيّة و حتى عالم اليوم بحسب التحليل النفسي والتأريخي والسياسي والأجتماعي الذي أجريته وتوصّلت لتلك النتيجة و تيقّنت من عدم وجود عراقيّ يُؤمن بآلفكر والفلسفة بشكل جدّي كأساس للحضارة والمدنية, أو يفكر بآلفكر وبنظرية المعرفة (ألأيبستيمولوجيا, لأنه أساسا لا يعرف معناها فكيف يعمل بها؟ هذا بآلنسبة لمثقفيهم و علمائهم .. فكيف بالناس العاديين!؟

أما أسباب ذلك؛ و كما بيّناها في مبادئ الفلسفة الكونيّة(2), فيعود بإختصار لـفقدان الأدب و فساد التربية والتعليم والوالدين وتسلط القيم العشائرية والبدوية والمعدانية وإطلاق حرّية الشهوة لأبعد الحدود مقابل تقييد حرية التفكر لأبعد الحدود, و ضياع مبادئ معرفة الجّمال, والأهم من كل هذا هو خطأ فهم الدّين المحمدي الكونيّ, حيث تصوّروا بأنّ الأسلام أحكام و مسائل فقهية ومعظمها محرفة و مكررة يختلف عليها الفقهاء لذلك كان من الطبيعي وبسبب الدِّين المؤدلج إستبدال (العشق الحقيقيّ) ألروحي بـ (آلعشق المجازي) الماديّ ومن هنا تبدلت و إنعكست القيم و المعايير المجتمعية فولدت الأرهاب و الظلم و الطلاق وآلأنتخار.

و من يعتقد بأنّ شعب العراق شعب عاديّ و مسالم فهو مجنون حتماً مثلهم.
إنه شعب غاضب ومُعصّب و ثائر على كل شيئ؛ على السماء و الأرض, و شهدت هذا عند رجوعي للعراق بين الأهل والأقرباء والأصدقاء حيث شهدت أن كلٍّ منهم ثورة ضد الآخر وكأنه يغلي على نار وقد يشتعل في أية لحظة وهو مهيأ للأنتقام و إثارة الفتنة حتى على صغائر وأتفه الأمور, لقد أعمى الله بصيرتهم بحيث لم يعودوا يعرفوا الجّمال من القبح, وسحر الطبيعة و قدرة الهدوء و سحر آلرومانسية .. بل بات حاكماً يطلق الأحكام تلو الأحكام على أهله و زوجته و أبنائه و جيرانه بإستثناء نفسه .. و كأنّ العالم كلّه مدين له بمليون ثأر وثأر .. لذلك لا قيم و لا حدود ولا حياء تحدّه خصوصاً لو سنحت له الفرصة للتعبير عن ثورته وغضبه المكنون لأجل النفس التي ضُغطت وظُلمت وكُبتتْ كثيراً بسبب الأنظمة التي توالت وأشاعت الأرهاب بنهبها لأموال الناس, من خلال الفروق الطبقية والحقوقية والأجتماعية, و كم قلت للحاكمين؛ بأنّ [كلّ جيوش العالم مجتمعة لن تستطيع القضاء على الأرهاب, العدل وحده يستطيع ذلك](3).
و رغم تكرار الحُكّام لمقولتي الكونيّة تلك, في كل خطاب؛ لكنهم كانوا يفعلون بعكسها عملياً, ويحاصروني ويضيقون الخناق علينا بقطع حقوققنا لمجرد إنتقادهم!

والحال لا يُوجد قطيع من الأبل أو سرب من الطيور تقتل أدلّائها ومُعلّميها وقدواتها الحقيقيين, بينما الشعب العراقي هو الوحيد مع حُكامه يستأسدون لفعل ذلك وبشتى الوسائل والحيل أقلّها دعم الفاسدين مقابل ألأرتزاق وتبرير الغيبة وإشاعة الكذب والنفاق لأجل مصالحه آلخاصّة, لهذا لا ترى أبداً مفكراً شريفاً .. أو فيلسوفاً يعيش في أوساطهم بأمان, لأنه مقتول لا محال.

وأن آخر ما أقوله والمخلصين وهم كآلياقوت في هذا الزمن الأغبر المالح فيما يخصّ المجال الأجتماعيّ, هو:
إلى الذين كانوا نضيفين وطيّبين فوسّختهُم المحاصصة ولقمة الحرام .. أقول:
يا قوم إنيّ اخافُ عليكم مثل يوم الأحزاب, يوم إحترق الاخضر و اليابس سويّة.
محمد باقر الصدر (رحمه) تجسّد فيه الخير كله؛ لكنكم قتلتموه و بسلوككم دمّرتم نهجه وإتهموه بأنه يريد أن يصبح خميّنياً ثانياً للعراق! بينما صدام على ساديّته ما إستطاع سوى قتل جسده, وحين حكم من بعده من جعله – أي الصدر – غطاءاً لتنفيذ مآربه و نزواته, كان كصدام بحكمه.
حيث ليس فقط لم يرى الشعب منكم لحد الآن خيراً يذكر.. بل ساءت الأحوال أكثر!
شهداء عظام كانت آلسّماء والأرض تستحي من مشيتهم .. حاصرتموهم و قتلتموهم ليبق بعدهم من لا ضمير ولا إنسانيّة ولا حياء في وجوده بسبب تبدل القيم والمحبة!
شهداء .. ما كان أعظمهم .. أصحاب قلوب طيبة لا تعرف القساوة والظلم والأنانية لكنكم و لموت ضمائركم بسبب لقمة الحرام؛ إعتبرتموهُم معقدين و فوضويّين.
وفوقها لحقهم القتل و التشريد و الظلم .. ومعهم كلّ مثّقف كبير ومفكر وفيلسوف .. حتى خُلي العراق اليوم من مثقفٍ كبير أو مفكر قدير .. ناهيك عن فيلسوف حكيم!

فكيف بكم أيها الحُكام والنواب و الوزراء والقضاة؛ لو بدأت ثورة الفقراء .. و صولة الكريم اذا جاع و الحليم اذا غضب؟
لا .. بل كيف بكم إذا جارت عليكم الأمم و قد بدأت بآلفعل … و ذاك ما أخبرنا عنه رسول الله(ص), بقوله في(حديث مرفوع):
[حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بِشْرٍ الْمَرْثَدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ ، عَنْ مَرْزُوقٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحِمْصِيِّ ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحْبِيِّ ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا ، قُلْنَا : مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : لا ، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ، قِيلَ : وَمَا الْوَهَنُ ؟ قَالَ : حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ”].
أكرّر أيها الناس توبوا وحُكّامكم إلى بارئكم, فهذه الدّنيا زائلة و والله ستُحاسبون على ذرة -أكرّر ذرّة-وهل تعلمون ما حجم الذّرة بآلمقياس الكونيّ, فكيف بكم وأنتم تهدرون أموال الأمّة بمنعكم لأهل العلم من أخذ دورهم و حقوقهم تمهيداً لقتلهم!؟
ألفيلسوف الكوني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) دول أوربية بدأت شعوبها بآلكامل تحدد ساعات معينة تبدأ معها بآلصياح و العياط للتخفيف عن هموهم والضغوط النفسية.
(2) راجع سلسلة المباحث الكونيّة بعنوان: [محنة آلفكر الأنسانيّ], يشمل عشرين بحثاً.
(3) ولا يُعرف آلعدل, إلّا بآلمعرفة الكونيّة من خلال الأطلاع على نظام الحكم العلويّ.