حمد جاسم محمد/مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

 

اعلنت السعودية عن استعدادها إرسال قوات برية ضمن التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، لقتال تنظيم “داعش” في سوريا، يتم عن طريق الاراضي التركية وبتعاون معها.

ففي الرابع من شباط أدلى العميد أحمد عسيري، مستشار وزير الدفاع السعودي بتصريحات لقنوات تلفزيونية عربية، قال فيها إن القضاء على التنظيم يقتضي الجمع بين عمليات جوية وبرية، واستدل المسؤول السعودي بتجربة التحالف العربي في اليمن، مبينا على أن القصف الجوي غير كاف لقلب ميزان القوى على الأرض ما لم يسنده عمل بري.

وعلى الفور لقيت تصريحات العميد العسيري ترحيب وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر الذي قال إنه يتطلع لمناقشة العرض مع نظيره السعودي. وأضاف أن اتخاذ دول التحالف الدولي قرارات من هذا القبيل سيسهل مهمة واشنطن في الحرب على تنظيم “داعش”.

وفي الخامس من شباط أعرب سفير مملكة البحرين في لندن (الشيخ فواز بن محمد آل خليفة) عن استعداد بلاده أيضا للمشاركة بقوات برية “بالتنسيق مع السعوديين” في إطار ما وصفها بقيادة عسكرية خليجية موحدة لمحاربة تنظيم “الدولة الاسلامية” و”نظام الأسد الوحشي”، في إشارة للحكومة السورية، وفي اليوم السادس من شباط ضمت الإمارات صوتها للسعودية والبحرين وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية (أنور قرقاش) إن بلاده “ثابتة في موقفها لدعم القوات التي تحارب داعش” لكنه أضاف موضحا في مؤتمر صحفي “أنا لا أتحدث عن آلاف القوات، أتحدث فقط عن قوات إسناد لقوات تقاتل على الأرض” واشترط الوزير ضرورة “أن تلعب الولايات المتحدة دورا قياديا في ذلك”.

وتزامنا مع اعلان السعودية تدخلها العسكري البري في سوريا، فان وزارة الدفاع السعودية قد أعلنت عبر وسائل الإعلام في (9 شباط 2016) بدء تنفيذ مناورة تدريبية عسكرية دولية أطلقت عليها اسم (رعد الشمال) في مناطق صحراوية تقع ضمن محافظة حفر الباطن السعودية، ويشارك في المناورة (350) ألف عسكري من 25 دولة، منها الامارات والكويت والبحرين وقطر ومصر والسودان والأردن واليمن وتركيا، وتتضمن المناورة استخدام مئات الدبابات والمدرعات والطائرات العسكرية المروحية وثابتة الجناح.

على الرغم من حجة التدخل البري في استندت الى محاربة تنظيم داعش الارهابي، وان هذا التدخل سيكون ضمن التحالف الدولي، الا ان الاسباب الحقيقية للتدخل البري، وخاصة الاندفاع السعودي التركي لها اهداف اخرى غير محاربة داعش، ومنه:

1- ان التقدم الذي حققه الجيش السوري وحلفاءه على الارض، والمدعوم من قبل الطيران الروسي ضد قوات المعارضة السورية كان له الاثر في اندفاع الاطراف الاخرى بالدعوة الى تدخل بري في سوريا، لإيقاف تقدم الجيش السوري والابقاء على موازين القوى على الارض، خاصة وان اكبر الهزائم لحقت بالمعارضة السورية المحسوبة على تركيا والسعودية وهي (جبهة النصرة، واحرار الشام، وجيش الاسلام)، حتى ان المتابعين للاجتماع الذي بدأت اعماله يوم 11 شباط في مقر حلف الناتو في بروكسل، وشارك فيه وزراء دفاع وخارجية دول التحالف الستيني بقيادة الولايات المتحدة تحت عنوان “محاربة الدولة الاسلامية” (داعش)، يرون فيه الاخطر منذ بدء الازمة السورية قبل خمس سنوات، لان امام دوله احد خيارين: اما فرض الحل السياسي بالقوة العسكرية، او الاستسلام بالكامل ورفع الرايات البيضاء، امام التقدم الكبير الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤهم في جبهات القتال بإسناد الطيران الروسي ضد قوات المعارضة السورية المسلحة، لهذا فهم يدفعون باتجاه التدخل البري من اجل ايقاف تقدم الجيش السوري.

2- تركيا هي الاخرى ترى ان معظم مخططاتها، في النفوذ على سورية وتغيير نظامها، على حافة الانهيار، بسبب الانقلاب الحادث في موازين القوى على الارض، واقتراب القوات السورية من السيطرة على حدودها مع بلاده، وقطع خطوط الامداد عن المعارضة التي يدعمها، وتدفق اكثر من سبعين الف لاجئ سوري جديد يطرقون ابواب معابر بلاده الحدودية بحثا عن ملاذ آمن، وعودة مدينة حلب وجوارها الى سيطرة الحكومة السورية مجددا، ووصول الجيش السوري الى مدينة اعزاز السورية على الحدود مع تركيا، حتى ان الرئيس التركي هدد اوروبا بإغراقها بعشرات الآلاف من اللاجئين السوريين، اذا لم يتجاوبون مع مطالبه المالية والسياسية والعسكرية، وقال ان الطائرات والحافلات جاهزة، و”سنقوم بما يلزم”، اذا لم تضع اوروبا حدا لتقدم الجيش السوري وحلفاءه الاكراد في شمال سوريا، اذ يعد تقدم الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري في شمال سوريا وسيطرته على اجزاء مهمة قرب الحدود التركية السبب الاساس لدعوة تركيا لتدخل بري او فرض منطقة عازلة في شمال سوريا، كما ان الجيش التركي بدا بقصف مكثف للمناطق الحدودية السورية الخاضعة لسيطرة الجيش السوري والمسلحين الاكراد، كما اعلنت بعض المصادر بدخول مئات المسلحين القادمين من تركيا الى مدينة اعزاز السورية لمنع تقدم الجيش السوري نحوا الحدود التركية.

3- السعوديون كذلك هم اكثر غضبا وقلقا من تركيا نفسها، هم يرون تعهداتهم بإجبار الرئيس السوري على الرحيل عبر الحلول السياسية ما زالت بعيدة التحقيق، ولذلك لم يبق لهم الا الحل العسكري، ولهذا ارسلوا الامير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، وزير الدفاع الى بروكسل لقيادة وفدهم حاملا عرضا بإرسال قوات سعودية خاصة الى سورية، عبر البوابة التركية لإنقاذ المعارضة، واقامة منطقة عازلة، وبدء العمليات البرية فورا.

4- ان التدخل البري في سوريا هدفه الاساس هو ضرب القوة الروسية في سوريا من خلال ضرب الجيش السوري وهزيمته، اذ ان المداولات الحالية في بروكسل –وهذا ما يراه بعض المتابعين- ليست لمحاربة (داعش)، انما هي لمحاربة روسيا، وهزيمة حلفائها واسقاط النظام في دمشق، فـ”(داعش) هي فزاعة يستخدمها الغرب، والا لماذا تذهب قوات برية سعودية لمحاربتها في حلب والرقة، وهي على بعد خطوات من قواتها وحدودها في عدن، والمكلا، وابين، ولم تطلق على تجمعاتها طلقة واحدة، وهذا ينطبق ايضا على تركيا، وعلى روسيا والنظام السوري ايضا.

5- تحاول القيادة السعودية الى جر ايران الى الحرب في سوريا، بعد ان فشلت في جره الى حرب مواجهة مباشرة في اليمن.

 المعوقات:

1- الرفض الروسي: ان الروس يناورون وارادوا كسب الوقت، قبل القبول بوقف لإطلاق النار الذي يأتي كشرط لإنجاح مباحثات جنيف المقبلة بين النظام السوري والمعارضة، لان الرئيس فلاديمير بوتين لديه ايمان راسخ بأن كل الجهود لقتال تنظيم (داعش) لا يمكن ان تنجح في سورية، او التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار، بدون اغلاق الحدود السورية التركية، وقطع الامدادات عن المعارضة السورية المسلحة، والجماعات الاسلامية المتشددة، إن روسيا لن تسمح بأي تدخل بري في سوريا، كيفما كان نوعه، إلى أن تقضي على المعارضة المسلحة عسكريا قضاء تاما.

2- ان اعلان التدخل العسكري البري السعودي الخليجي في الازمة السورية كان منذ البداية وحسب القائمين عليه مشروط بموافقة وبقيادة الولايات المتحدة له، وان يتم تحت مظلتها، لهذا سوف يصطدم منذ البداية برفض الادارة الامريكية الحالية والتي لا تريد الرضوخ للضغوط التركية والسعودية المتصاعدة، والتورط في حرب برية في سورية، وعبر عن هذا الموقف بصراحة وزير الخارجية (جون كيري) عندما قال مستنكرا لمعارض سوري استفزه في لندن “هل تريدني ان ادخل في حرب مع الروس من اجلكم؟”، أن التحالف العربي عاجز عن التدخل البري ضد “داعش” في سوريا إلا بمظلة أممية أو أمريكية وهما مفقودتان في الوقت الراهن.

3- الايرانيون، ان معارضة الايرانيين واحتمال مقاومتهم للتدخل البري العربي واردة هي الاخرى، وهو ما يتضح من تصريحات قائد الحرس الثوري الايراني اللواء (محمد علي الجعفري)، اثناء تشييع احد ضباطه الذي استشهد في سورية “ربما يتمنون هذا التدخل البري السعودي الذي يعتبرونه – خطوة انتحارية، وقال اللواء (جعفري) “لا اعتقد أنهم يمتلكون الجرأة للقيام بهذا الأمر لأن جيشهم تقليدي والتاريخ أثبت عجزهم… لو قاموا بهذا الإجراء فانه سيكون بمثابة رصاصة الرحمة لهم، لقد تفوهوا بكلام أكبر من حجمهم”، فايران تعتبر سوريا ميدانها الحيوي، وهي تدافع عنها وكأنها تدافع على ارضها.

4- بالإضافة الى ان الروس والايرانيون عاقدون العزم على منع سقوط النظام السوري مهما كلف الامر، فان دخول قوات سعودية وعربية الى سوريا بدون موافقتها هو الاخر سيكون عائقا مهما لهذه القوات، ففي تصريحات لوزير الخارجية السوري (وليد المعلم) الذي يعتبر من الحمائم، اكد فيها ان الجنود السعوديين سيعودون في صناديق خشبية في حال دخولهم الاراضي السورية دون اذن حكومتها، وجرى تسريب انباء في مواقع استراتيجية قريبة من موسكو، تقول بانه تم التوصل الى اتفاق بين القيادتين الروسية والسورية يقضي بدعم الاولى للثانية بالتصدي لأي قوات تخترق السيادة السورية فورا وبقوة ودون الرجوع للقيادات العليا، وهذا ما اكد عليه بعض المحللين السياسيين في ردهم الساخر على التدخل السعودي في سوريا، ” ان الهجوم البري السعودي في سوريا سيؤدي الى انضمام نصف هذه القوات الى داعش وهزيمة النصف الاخر”.

5- وتزامنت التصريحات السعودية والبحرينية والإماراتية حول شن هجوم بري على “داعش” في سوريا ضمن تحالف دولي مع بعض التقدم الميداني للجيش النظامي في سوريا في محافظتي حلب في الشمال ودرعا في الجنوب، وكسر الحصار عن بعض البلدات بغطاء جوي روسي، ويرى بعض الخبراء العسكريين أن الإعلان السعودي، حتى وإن وجد سندا كبيرا من حلفائه العرب والمسلمين، فإنه لن يُفَـعل في المستقبل المنظور وقد يتحول الى مغامرة غير محسوبة العواقب، إذ إن أي قوات سعودية أو خليجية على أرض سوريا ستجد أمامها جنودا نظاميين من سوريا وايران ومقاتلين من حزب الله، هذا ناهيك عن معارضة موسكو لأي تدخل من هذا القبيل، وهذه القوات مهما بلغ حجمها وتسليحها لا يمكنها الصمود والمقاومة في حرب بحجم الحرب في سوريا.

6- يرى البعض أن القيادة السعودية غير جادة وتلوح بالقوات البرية كورقة ضغط للوصول الى حل سياسي يحسن شروطها، ويجبر الروس على التنازل في موضوع مستقبل الرئيس الاسد، لأنه من الصعب خوض حرب في سورية دون حسم اخرى اهم في اليمن، واللافت ايضا انه لم تعلن اي دولة من دول التحالف الاسلامي، باستثناء البحرين والامارات تأييدها للتدخل العسكري البري “السني” في سورية، وهذا امر يدعو للقلق، قلق السلطات السعودية سيكون اكبر.

7- ان محاولة السعودية جر ايران الى حرب في سوريا هو خيار فاشل مقدما، وان ايران يبدو على ابواب نجاح آخر بجرها، اي السعودية، الى حرب استنزاف ثانية في سورية، ربما تكون اكثر تكلفة من الاولى لأنها ليست محاذية لحدودها السعودية، وعلى ارض معادية لها، وتملك فيها ايران وحلفاؤها اليد العليا.

ويمكن اختصار المشهد السوري وتداعيات التدخل البري وتداعياته المقبلة في ثلاثة سيناريوهات محتملة:

1- ان هذا التهديد باستخدام القوة وهذا التصعيد العسكري والتلويح باستخدام التدخل البري هو نوع من الضغط على اطراف التفاوض، لإبداء نوع من المرونة ونجاح في المفاوضات القادمة في جنيف، خاصة وان الطرف الاقوى (الروسي السوري الايراني) متمسك بمواقفه، وهو غير مستعد للتنازل عنها، وهو يحقق تقدم فعال على كل الجبهات في سوريا، لهذا تطمح السعودية وتركيا ومن ورائهم امريكا الى التهديد بالتدخل واستخدام القوة البرية للضغط على هذه الاطراف للتراجع عن بعض مواقفها، وابداء المرونة اللازمة النجاح المفاوضات، وانهاء الازمة السورية بالطرق السلمية.

2- الاحتمال الاخر، هو التهديد الفعلي بالتدخل وباستخدام القوة في سوريا، ربما تنجر الولايات المتحدة الى قيادة تحالف بري سعودي تركي يتصدى للتدخل الروسي ويقيم منطقة عازلة، ويعيد التوازن الى المعادلات العسكرية الميدانية، اذ ترى كلا من السعودية وتركيا ان اهدافها في سوريا لم يتحقق منها اي هدف، وان المليارات السعودية قد ذهبت هباءا منثورا، كذلك لا يمكنها ان ترى ايران المنافس اللدود لها وهو يتفوق في سوريا، كما ان تركيا هي الاخرى لا يمكنها الوقوف متفرجة على التمدد الكردي على حدودها الجنوبية، خاصة وانها قد احتجت على المساعدات الامريكية للمسلحين الاكراد، كما انها حذرت امريكا وان عليها ان تختار بين صداقتها معها او مع اكراد سوريا، وهنا احتمالات حرب كونية تصبح في هذه الحالة شبه مؤكدة، او بالأحرى حتمية.

خلاصة القول، ان كل ما يقال عن تدخل عسكري بري عربي في سوريا هو موجود منذ اكثر من خمس سنوات، فقد قدمت السعودية وحلفاءها العرب والاتراك المليارات من الدولارات والاسلحة والارهابيين في سوريا، الا انها لم تحقق ما كانت تبتغيه من زوال النظام السوري، وسيطرة المجموعات الموالية لها، كما ان الهزائم المتتالية للمعارضة السورية وتقدم الجيش السوري وحلفاءه على الارض قد فرض معادلة جديدة، كان لزاما على السعودية ان تستعد لمواجهتها، وهي تستعد لذلك من خلل تدخل بري واسع من شمال سوريا عبر تركيا، ان التدخل العسكري البري ان حصل لن يغير شيئا على الارض بل سوف يورط السعودية في مشكلة اخرى تضاف الى التورط في اليمن، وهو ما قد ينهي حكم ال سعود ويفتح الباب لحكم جديد في السعودية، وان لم يحصل فهو التوقع منذ بداية الاعلان عنه، لان السعودية ليس لديها القدرة على حرب برية واسعة، والدخول في ازمة كأزمة سوريا.