ربما تظن واشنطن أن الربيع العربي وفر لها الظروف لتحقيق مشروعها الشرق أوسطي الجديد. وربما لهذا السبب تصارع إدارة الرئيس أوباما لإطالة أمد الربيع العربي لعلها تتمكن من تحقيق أهدافها واحلامها, وتحسين صورة بلادها المشوهة. وقد تعتقد أن الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية ستعيد لها خلط الأوراق. لأن المسافات التي قطعها البعض خلال مجريات الربيع العربي بنظرها لا تسمح له بالالتقاء أو الحوار مع باقي الأطراف, ولا رتق ما أنفتق, لتعزيز أواصر اللحمة الوطنية. فالظروف بنظر الادارة الأميركية باتت مهيأة لتحقيق هذه الأهداف:
-
إدخال الفصائل والجماعات الاسلامية بصراعات تناحرية فيما بين بعضها البعض. بحيث توهنها وتفتتها هذه الصراعات. وتتخذ منها ذريعة لوصم الاسلام بالإرهاب. وتنفير بعض المجتمعات من الاسلام, وحتى تنصير المسلمين في بعض الأصقاع.
-
إطالة أمد الفتنة المذهبية كي يحترق بنيرانها أكبر قدر ممكن من السنة والشيعة. وبذلك تتآكل المجتمعات الاسلامية وتتفتت وتصاب بالاهتراء. وحتى وإن أخمدت هذه الفتنة فستبقى بعض النفوس مشحونة بالحقد والبغضاء والتعصب المذهبي.
-
إطالة أمد الأزمة السورية لعدة أعوام, لإرهاق كافة الأطراف, بحيث تجد ذاتها مضطرة للقبول بأي حل يعرض عليها لأنها لم تعد بقادرة على الاستمرار في هذا الصراع.
-
تغييب الصراع العربي الصهيوني واستبداله بصراع عربي عربي واسلامي إسلامي. وجعل المنطلق لحل لهذه الصراعات هو بضمانة خدمة مصالح واشنطن وإسرائيل.
-
إصلاح الوضع الاقتصادي من خلال تحصيل أتمان الصواريخ والذخائر الأميركية المستخدمة في هذه الحرب, وذلك بإلزام حلفائها بدفع التكاليف. علما بأن صواريخ توما هوك وغيرها ستسحب من الخدمة خلال عام لانتهاء مدة صلاحيتها.
-
إسقاط بعض الأنظمة الحليفة والعدوة لواشنطن, واستبدالها بأنظمة تخدم المصالح الأميركية بصورة أفضل, وتكون مستعدة لتطبيع وتطوير علاقاتها مع إسرائيل.
-
تحسين صورة الولايات المتحدة الأميركية المشوهة. وذلك من خلال تقربها من الامتين العربية والاسلامية بتبنيها نشر الديمقراطية, ومحاربة الأنظمة الديكتاتورية. وتشويه صورة روسيا والصين بتصوير مواقفهما على انها معادية لتطلعات الشعوب.
إلا أن هذه الأهداف الأميركية تحبطها مظاهر التخبط والتردد والقلق الذين يعصفون بإدارة أوباما والمجتمع الأميركي, والذين يلقون بظلالهم الداكنة على تحالف واشنطن الجديد وعلى الأنظمة الحليفة لواشنطن. وهذا الضعف والوهن والتخبط تتناقله بعض وسائط الاعلام استناداً لتقارير ودراسات دورية لمراكز بحوث ودراسات. والتي يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
-
تحالف واشنطن الجديد يعاني الهزال والقلق والخوف على الحاضر والمستقبل. فأسبوعية نيوريبوبليك نشرت دراسة ديفيد شينكر مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن ، حيث لخص شينكر الواقع الأردني, والذي يعاني من الأمور التالية:
-
دعم شعبي ملحوظ لتنظيم لدولة الاسلامية, وقلق السلطة من تداعيات المستقبل، فليس كل الاردنيين يؤيدون المشاركة في التحالف الدولي.
-
اعتبار واشنطن والعديد من حلفائها بأن الاردن هو الحليف الأهم في التحالف, وجبهة الحرب الرئيسية. وأن مشاركة الاردن حيوية, فعلى أراضيه يجب أن تتمركز القوة الجوبة للتحالف، لتأمين الدعم اللوجستي للحرب على تنظيم الدولة الاسلامية، وتدريب المعارضة السورية, وتأمين عملياتها القتالية.
-
واستطلاع للرأي اجراه مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الاردنية اظهر ان 62% من الاردنيين يعتبرون تنظيم الدولة الاسلامية منظمة ارهابية، بينما 31% من الاردنيين يعتبرون جبهة النصرة منظمة ارهابية.
-
تنامي المشاعر المناهضة لتحالف واشنطن الجديد تظهر بشكل ملموس بين الاردنيين وتشمل مؤيدي التيار الاسلامي وتيارات الليبراليين والعلمانيين.
-
قلق واشنطن من تنامي المشاعر الشعبية المطالبة بتغيير السياسة الاردنية، سيما وان الملك الأردني يميل للتجاوب لمطالب منتقديه ومعارضيه.
-
الخوف من تفاقم مصادر الاحباط والسخط الشعبي الاردني، بسبب الغارات الجوية, وإصرار واشنطن على ضرورة مشاركة الاردن في الجهد الدولي.
-
وحال بعض دول التحالف المحورية ليست على ما يرام ولا يبشر بالخير. فصحيفة العرب اليوم نشرت خبراً عن الاوضاع السياسية في بعض الدول, وأهم ما جاء فيه:
-
السعودية تظهر على أنها الخاصرة الرخوة في المرحلة المقبلة. فمسار الأمور في العراق واليمن وسوريا أصبح خارج السيطرة السعودية، بل قد تكون المملكة العربية السعودية قد تحولت هذه الايام من لاعب مؤثر إلى هدف محتمل.
-
غياب الرؤية السعودية الواضحة يتسبب اليوم بتعظيم هذه المخاطر، فالرياض التي تشن حرباً مباشرة على الإخوان المسلمين في العالم، تدعم بسياساتها في سوريا التصور التركي الحاضن لجماعة الإخوان المسلمين.
-
سعي فريق في الإدارة السعودية للتوصل الى تفاهمات استراتيجية مع طهران، لكن فريقاً آخر يعمل على تفجير هذه التفاهمات.
-
تركيا وجدت نفسها بمأزق متفاقم. فتطور الاحداث جاء معاكساً لرغبتها، إذ إن مدينة عين العرب صارت محط أنظار العالم، والحرب في عين العرب (كوباني) وضعت السياسة التركية في التعامل مع اكراد المنطقة على المحك.
-
تخبط السياسة الخارجية التركية نتيجة حرب التحالف على تنظيم الدولة الاسلامية. فصحيفة ميللييات التركية قيمت سياسة الحكومة التركية, وهذا أهم ما جاء فيه:
-
لعبنا خطأ في التعامل مع كوباني وخرجنا مبتدئين. وحدث عكس ما كانت تقوله سلطة حزب العدالة والتنمية بالنسبة الى كوباني. ولم يتطرق أحد الى الموضوع لا رئيس الجمهورية ولا وزير الخارجية. وحتى رئيس الحكومة الذي تحدث ساعة كاملة أمام نواب حزبه, إلا أنه لم يتطرق الى لموضوع أيضاً.
-
لقد حدث عكس ما كانوا يقولونه. كانوا يرفضون ممر المساعدة الى كوباني لكنه تحقق. وبعد فتح الممر أعلنت تركيا أنه ممر الأخوة، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يفتح هذا الممر من قبل؟
-
رفضت الحكومة التركية إرسال السلاح لعين العرب حتى لا يقع بيد حزب العمال الكردستاني فقامت واشنطن بإسقاط السلاح من الجو للأكراد.
-
كانت الحكومة التركية تعلن أن حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في سوريا تنظيماً إرهابياً, فجاءت الخارجية الأميركية لتقول عكس ما تقوله الحكومة.
-
ضعف وهشاشة السياسة التركية ومواقف حكومة حزب العدالة والتنمية. فصحيفة راديكال التركية, نشرت تحليلاً عن سياسة الحكومة التركية, وهذا أهم ما جاء فيه:
-
الحكومة التركية رضخت للضغوط الأميركية وتراجعت في عين العرب، وأن هذا الأمر أظهر إفلاس سياسة حزب العدالة والتنمية.
-
سلطة حزب العدالة والتنمية حنت الرأس أمام واشنطن وتراجعت في كوباني.
-
واشنطن أظهرت أن هناك تغييراً جذرياً في موقفها لمصلحة التعامل والتعاون مع المجموعات الكردية في المنطقة، فضلاً عن تعاونها الكامل مع كرد العراق.
-
واشنطن ستبدأ عبر حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في سوريا، تعاوناً غير مباشر مع حزب العمال الكردستاني.
-
السياسة الخارجية لأردوغان وحزبه وحكومته قد أظهرت إفلاسها مرة أخرى.
-
غضب أردوغان من بعض تصرفات واشنطن في حربها على تنظيم الدولة الاسلامية. فالرئيس التركي أردوغان أبدى انزعاجه من تصرف واشنطن بإسقاطها لأسلحة للأكراد في عين العرب. حيث قال أردوغان: إن قيام واشنطن بإسقاط أسلحة جوا للمقاتلين الأكراد في مدينة عين العرب “كوباني” خطوة خاطئة, لأن قسماً من الأسلحة وقع بيد تنظيم الدولة الاسلامية في الشام والعراق وأن تقديم أمريكا مساعدات لمسلحي PKK و PYD أمر غير مقبول من طرفنا.
-
موقف واشنطن الرمادي من البيشمركة. فصحيفة يني شفق, نشرت خبراً جاء فيه: أنقرة طلبت من أربيل لائحة بالأسماء, واشترطت أن يعود المقاتلون أدراجهم لاحقاً بالأسلحة التي ستزودهم بها أميركا وألمانيا. وإن عدد المقاتلين سيكون 2000 مقاتل, ولن يحملوا أي سلاح أو أعلام أثناء عبورهم الأراضي التركية. وتريد أنقرة أن تستمر العملية ثلاثة أشهر فقط يعود بعدها البيشمركة الى كردستان. وقال فيه وزير الخارجية مولود أوغلوا إن أي مقاتل من البيشمركة لم يعبر بعد الأراضي التركية الى كوباني.
-
تشدد موسكوا وطهران بخصوص حرب واشنطن على تنظيم الدولة الاسلامية. حيث نقلت وسائط الاعلام مواقف كل من موسكو وطهران. وتتلخص بالنقاط التالية:
-
تصريح مرشد الثورة الايرانية خلال استقباله رئيس الحكومة العراقية, حيث قال: محاربة الإرهاب يجب أن تكون على يد دول المنطقة نفسها. وبغداد لا تحتاج لتدخل أجنبي لمواجهة داعش. والعبادي قال: إن داعش والإرهاب خطر على كل المنطقة, وبعض الدول لا تدرك حجم هذا الخطر وأبعاده.
-
والرئيس الإيراني حسن روحاني, قال للعبادي: إن محاربة المجموعات الإرهابية يجب أن تكون بشكل رئيسي في عهدة الجيش والشعب العراقيين. واستمرار الضربات الجوية من قبل واشنطن وحلفائها على المدى الطويل يصبّ في مصلحة داعش. وقضايا المنطقة مرتبطة ببعضها وعلى دولها أن تواجه الإرهاب من خلال التنسيق والتعاون فيما بينها. والعبادي قال: إن الإرهاب يهدد وجود كل دول المنطقة, ومطمئنون لوقوف ايران لجانبنا حتى القضاء على هذا المرض المهلك. والعراق حكومة وشعباً يقدر وقوف إيران إلى جانبه في مواجهة الإرهاب. وعلى المنظمات الدولية المعنية تهيئة الارضية لخروج عناصر مجاهدي خلق من العراق. ونحن ندرك الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعبين الايراني والعراقي. والبيت الأبيض يعتمد استراتيجية الاستنزاف الطويل المدى، أملاً بأن يؤدي إلى شرذمة سوريا وسقوطها لقمة سائغة.
-
تصريح سيرغي لافروف, والذي قال فيه: علاقات روسيا مع واشنطن بلغت الحضيض. بيد أن روسيا أخذت تتحرّك مع إيران نحو محور مقابل لتحالف واشنطن، لمنعه من بلوغ غاياته.
-
التفاهم بين مجلسي الأمن القومي الإيراني والروسي, على قواعد من شأنها تعطيل مساعي تحالف واشنطن، لإسقاط الدول وتغيير جغرافيتها السياسية، بذريعة مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية.
-
التعاون بين روسيا وإيران لتسليح الدولة في سوريا والعراق ولبنان، من أجل مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية، وتفويت الفرصة على استغلال ضعف التسلّح في دول المنطقة. وتأكيدهما أن تنظيم الدولة الاسلامية نتيجة تسليح الجماعات الإرهابية، والمراهنة عليها لتغيير الأنظمة السياسية، بينما تستمر هذه المراهنة في تقسيم الجماعات نفسها إلى معارضة جيّدة ومعارضة سيئة.
-
سعي طهران إلى عقد مؤتمر دولي لمكافحة الارهاب، يضم أطراف دولية مقابل تحالف واشنطن. وإنذارها بأن الرد على داعش سيكون قاسياً. وهذا الرد يتضمن تحذيراً لواشنطن والذي أوجزه لافروف بتصريح, قال فيه: إن مراجعة واشنطن لحقيقة مكانتها في العالم سيأخذ وقتاً.
-
اتهام قيادة قطر بدعم الارهاب. فصحيفة نيويورك تايمز, نشرت تقريراً, جاء فيه:
-
دعم قطر للمتطرفين في الشرق الأوسط ينفر منها كل حلفاءها.
-
تصريحات الداعية الشيخ حجاج العجمي في مؤتمر عقد مؤخراً في الدوحة، وضم عدداً من الأثرياء القطريين، والتي قال خلالها: امنحوا أموالكم لأولئك الذين ينفقونها على الجهاد وليس للمساعدات الأخرى. والحكومة الأمريكية وضعت العجمي ضمن قائمة المانحين الرئيسيين لفرع تنظيم القاعدة في سوريا. وأن الداعية المثير للجدل عمل طيلة سنوات عدة من العاصمة القطرية، ما يعد دليلاً على دعم قطر للجماعات الإرهابية من خلال توفير ملاذ آمن, ووساطات دبلوماسية، ومساعدات مالية، وحتى دعم بالأسلحة في بعض الأحيان. وأن حواراً تلفزيونياً لشقيق حجاج العجمي، الشيخ شافي العجمي، أقر خلاله بشراء أسلحة من المجالس العسكرية المدعومة من الغرب، حيث قال: أحيانا ما نتسلم أسلحة من قطر، ولا يجب أن نتوقف عن دعم جبهة النصرة ، لأنها لا تزال تقاتل نظام بشار الأسد.
-
وأن هناك خمسة ممولين لتنظيم القاعدة يعملون في الدوحة، ويعتلون منابر مساجد تديرها الدولة، إضافة لظهورهم على قناة الجزيرة بشكل منتظم.
-
والرعاية القطرية للإرهاب لم تقتصر على إيواء الممولين لتنظيم القاعدة، بل إن قطر توفر مساندة إعلامية ومادية وتسليحية لطالبان وحماس، والمليشيات المسلحة في ليبيا وسوريا، وكافة حلفاء جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة.
-
وإضافة لاتهام السعودية والإمارات ومصر لقطر بأنها راعياً رئيسياً للإرهاب، فإن في واشنطن من يتهمها بتقديم الدعم المباشر لتنظيم الدولة الإسلامية.
-
ومسئولين في وزارة الخزانة الأمريكية أكدوا أن قطر تتصدر الدول المساهمة في تمويل الإرهاب. وعام 2010م قدمت حكومة قطر مساعدة 1.2 مليون دولار، لبناء مسجد للشيخ عبدالوهاب الحميقاني، الذى وضع ضمن قائمة ممولي الإرهاب وجامعي التبرعات الرئيسيين لتنظيم القاعدة في منطقة الخليج.
-
ظهور الشيخ العراقي حارس الداري المدرج على قائمة ممولي الإرهاب منذ عام 2011م على فضائية الجزيرة القطرية خلال افتتاح مسجد في الدوحة عام 2008م على بعض خطوات من مقر أمير قطر الشيخ حمد.
-
حرب واشنطن على تنظيم الدولة الاسلامية في خطر. والخطر مرده لهذه الأسباب:
-
لا يوجد تعريف واضح ومحدد لمفهوم الارهاب لدى واشنطن. فهي تتهرب من تحديده وتوصيفه, كي لا يطال إسرائيل. ولكي تتحرك فيه على مزاجها.
-
عدم حل قضية الصراع العربي الصهيوني. والذي قال لافروف عنه: غياب حلّ للقضية الفلسطينية يبقى من العوامل الرئيسية التي تساعد المتطرفين في السيطرة على عقول الشباب وجذب أنصار جدد إلى صفوفهم.
-
الحروب الطائفية والمذهبية إذا طال أمدها ستحرق الأخضر واليابس ولن يكون أحد بمأمن منها. وكل الدول معرضة للحريق بتطاير بعض شررها.
-
الخلافات بين دول التحالف, وانقسام المجتمع الأميركي حول هذه الحرب.
-
أنها الحرب التي تدخلها الولايات المتحدة الأميركية وهي بحالة وهن وضعف.
-
انقسام المجتمع الدولي لعدم الثقة بأهداف واشنطن الحقيقية من هذه الحرب.
أقر الاتحاد السوفيتي بعجزه فطوى صفحاته واندثر. بينما مازالت العجوز الشمطاء أميركا تتصابى وتتجبر وتجمل شكلها بالأصباغ, وهي تدري بأنها إنما تخدع نفسها وعشاقها فقط.