ومن الجهل ما قتل وهدم
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم

علي الكاش

في 10 نيسان2022 قامت قوة أمنية ولائية صدرية بإعتقال (علي موسى كاظم المسعودي) وهو ‏خطيب جامع الفتح المبين ويعود الى السيد حسن الصرخي، جريمة الخطيب انه القى خطبة طالب ‏فيها بإزالة قبور الأئمة، وتم الإعتقال بعد تغريدة لصاحب مشروع الإصلاح مقتدى الصدر هاجم ‏فيها جماعة المرجع الشيعي محمود الصرخي، وجاء في البيان الصدري ” نرفض العقائد الفاسدة، ‏في المجتمع”. وأمهل الصرخي ثلاثة أيام للتبرؤ من دعاة تهديم القبور‎.‎‏ ولا نعرف على أي أساس ‏أعطى هذه المهلة، فهل الصدر صاحب منصب حكومي مثلا ليصدر قرارا مثل هذا؟ ان كانت بداية ‏الإصلاح هكذا يصدق المثل العراقي” لا حصل الركاع من ديرة عفج”، وقصة المثل ان اسكافي ‏فتح محلا في قرية عفج، ووجد بعدها ان الناس فيها لا يلبسوا الأحذية فغالبيتهم يمشون حفاة.‏
المشهد الأول
لنعود بالذاكرة قليلا الى الوراء ونستذكر حدثا مهما في تأريخ العراق الإحتلالي بعد عام 2003 وقد ‏حصل في جامعة الكوفة عام 2018 تحت عنوان محاكمة الخليفة الأموي هشام عبد الملك، وكان ‏أميرا للمؤمنين للفترة 105ـ 125 هـجرية. والطريف في هذه المهزلة التأريخية انها تمت من قبل ‏نقابة المحامين العراقيين، التي تركت الحاضر الفاسد لتتهم بالماضي المشرق، أما جريمة هشام بن ‏عبد الملك فهو ان قتل زيد بن زين العابدين الذي خرج عن طوعه، وقتله وفقا لحديث وسياق عمل ‏جده علي بن ابي طالب، الذي قاتل من خرج عن طاعته كأمير للمؤمنين كالخوارج مثلا، وفقهاء ‏المذهب، قال الطوسي” يجب قتال من خرج على إمام عادل”. (التذكرة1/454). وسموهم الشراة” ‏هم الخوارج الذين خرجوا عن طاعة الإمام علي في حرب صفين”. (هامش مناقب آل أبي طالب ‏لإبن طاووس1/3). ولو افترضنا ان هشام بن عبد الملك غير عادل، فإن علي بن أبي طالب يقول” ‏لابُد للنّاس مِن اميرٍ برِّ او فاجر”. (شرح نهج البلاغة للبحراني2/103). (التفسير المبين ‏لمغنية/439).‏
تكونت المحكمة الهزلية من ثلاثة قضاة شيعة ومدع عام شيعي، ومحامي شيعي الدفاع، كل هؤلاء ‏لنمضي معهم، لكن الأكثر طرفا هو حضور المجني عليه، ليس روحه من خلال إستحضار الأرواح ‏وأعمال السحر او المعاجز المزعومة، بل بشخصه. الأدهى من هذا هو الشهود المستحمرين الذين ‏قدموا شهادات في المحكمة، وهم الأستاذ الجامعي (حسن عيسى الحكيم)، والمعمم الدجال (مهدي ‏الحكيم)، والصحفي الأجير (حيدر حسن الجنابي).‏
قام المجني عليه بشرح مظلوميته وأسباب خروجه عن طاعة أمير المؤمنين، وكيف تعرض الى ‏القتل والحرق، وحضر الواقعة شهود عيان أكدوا مظلومية المجني عليه، وسُمعت أقوال محامي ‏الدفاع عن المتهم، وصدر الحكم التالي” الإعدام شنقاً حتى الموت بحق المدانين هشام بن عبد الملك، ‏والوليد بن يزيد بن عبد الملك، ويوسف بن عمر والي العراق، والحكم بن الصلت أحد القادة ‏العسكريين في الجيش الأموي”، وأسدل الستار على الكوميديا المملة، وغادر الجميع قاعة المحكمة ‏بما فيهم المجني عليه والشهود الثلاثة الذين شهدوا الواقعة التأريخية قبل اكثر من ثلاثة عشر قرنا، ‏وهم سعداء بكسبهم القضية. ولأن المتهم حُوكم فلا بد ان تقوم نقابة المحاميين بالطلب من وزارتي ‏الداخلية والأمن الوطني بتعميم أسماء الجناة على السيطرات والمنافذ الحدودية على الرغم من ‏شنقهم، وهذه من مهارات القضاة وحسن عقلهم وتدبيرهم، فربما الجسد أعدم، ولكن لابد من ‏ملاحقة أرواح الجناة، فقد تلوذ بالفرار بعد شنق الأجساد، ولله في خلقه شؤون!‏
كما أن الأرواح خاضعة الى المادة،4 إرهاب في القانون العراقي، لذا توجب على المخبرين ‏السريين متابعتهم ورصد حركاتهم. وكتابة مذكرة لهيئة الأنتربول الدولية لإلقاء القبض عليهم، في ‏حالة هروب الأرواح الى خارج العراق، ستتم مناشدة دول العالم المسيحي بعدم اعطاء الأرواح ‏المجرمة حق اللجوء السياسي. وتزويد المحكة الجنائية الدولية بنسخة من المذكرة، مع ان العراق ‏ليس عضوا في المحكمة، ولكن الحذر يقي من الضرر.‏
بعد تسليط الضوء على هذا الجانب التأريخي المهم ليعرف أخوتنا في الإسلام ومن العرب وغير ‏العرب التطور العقلي والتقني والمعلوماتي الذي وصلت اليه نخبة من المفكرين وأساتذة الجامعة ‏والقضاة والمحامين والإعلاميين في العراق، ومدى فائدة مراكز المعلومات والدراسات في تقديم ‏الأفكار البناءة لتنوير المجتمع وإصلاحة، وضرورة الرجوع الى تأريخنا الجميل لإستظهار ‏الصفحات الزاهية وقيم الإسلام والعروبة، وإعطاء الغرب صورة مشرقة للحضارة الإسلامية، ‏ومآثر الأجداد العظام. وتنوير العالم الإسلامي عن الدين الشيعي الذي يستلهم دروس الماضي ‏ويطبقها على الحاضر، وهذا جزء صغير مما يحصل، لذا على دول العالم ان تستفيد من هذه ‏المحكمة، وان تعود إدراجها الى العصور القديمة لمحاكمة الجناة، ويبدأوا من جريمة قتل قابيل ‏لأخيه هابيل ولحد اليوم.‏
وربما تشهد جامعة الكوفة مستقبلا محاكم أخرى تتعلق بمحاكمة ابي بكر وعمر رضي الله عنهما ‏لإغتصابهم الخلافة من علي (رض)، وأم المؤمنين عائشة (رض) في معركة الجمل، وأمير ‏المؤمنين معاوية عن حرب صفين، والخوارج، وأهل الكوفة لخذلانهم الحسن والحسين، وإكمال هذه ‏المحاكمة بجزء ثاني يتعلق بمحاكمة الشيعة الذين تخلوا عن زيد وخذلوه، فهم ايضا يستحقوا ‏المحاكمة. أما جرائم الحاضر فيمكن تأجيلها الى (13) قرنا قادما، حسب الأهمية.‏

المشهد الثاني لمسرحية قادمة
جاء في بيان مقتدى الصدر زعيم مسيرة الإصلاح الموعد (في المشمش)” نرفض العقائد الفاسدة، ‏في المجتمع”. وأمهل الصرخي ثلاثة أيام للتبرؤ من دعاة تهديم القبور”.‏
المسرحية الصدرية القادمة ستجرى في محكمة الكوفة ايضا او في الحنانة مقر إقامة مقتدى الصدر ‏وتتعلق بمحاكمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ـ معاد الله ـ والخليفة الرابع علي بن أبي طالب، ‏على إعتبار ان الأول هو المخطط، والثاني هو المنفذ للمؤمرة على الشيعة، والمجني عليه علي ‏السيستاني والفياض والبشير وبقية المستفيدين من زيارة العتبات الشيعة والخمس، والمدعي هو ‏مقتدى الصدر، ومحاموا الدفاع كتاب الله تعالى وسنة نبيه المصطفى ومصادر الشيعة الرئيسة. ‏وأصل الدعوى” رفض العقائد الفاسدة، في المجتمع، والأبقاء على الأضرحة والقبور”. المدعي ‏عليه الخطيب الصرخي (علي موسى كاظم المسعودي). والشهود شيوخ الشيعة الكليني والطوسي ‏والمجلسي والعاملي، وهم من أصحال المصادر الرئيسة الثمانية للشيعة.‏

اولا: كتاب الله وسنة تبيه
قال تعالى في سورة التوبة/84 (( ‏‎ ‎وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ‎ ‎‏)). وجاء ‏في الحديث النبوي الشريف” اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد، لعن الله‎ ‎قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم ‏مساجد”. (أعيان الشيعة11/105). (الإنتصار للعاملي5/152).‏
وروي عن جندب بن عبدالله قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم)، قبل أن يموت بخمس وهو ‏يقول” إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم‎ ‎خليل، فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ‏ولو كنت متخذا خليلا‎ ‎لاتخذت أبابكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم ‏مساجد، ألا‎ ‎فلا تتخذوا القبور مساجد! فإني أنهاكم عن ذلك!”. قال النبي (صلى الله عليه وسلم): لا ‏تجعلوا قبري عيدا”. (في ظل أصول الإسلام لجعفر السبحاني/208). وذكر المجلسي” قال امير ‏المؤمنين علي (ع): سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: لا تتخذوا قبري عيدا ولا ‏تتخذوا قبوركم مساجدكم، ولا بيوتكم قبورا”. (بحار الانوار79/55). (مستدرك الوسائل ‏للطبرسي2/379). وقال احمد النراقي” في مرسلة الفقيه، قال النبي (صلى الله عليه وسلم). ‏لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا، فإنّ الله عزّ وجلّ لعن اليهود لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم قبلة. هذا ‏كلّه في غير قبر المعصوم، وأمّا فيه فلا ينبغي الريب في مرجوحية استدبار”. (مسند ‏الشيعة4/437). (مرسلة الفقيه1/114). (وسائل الشيعة5/161). وقال الكليني” عن أبي عبد الله ‏‏(ع)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، نهى أن يُزاد على القبر تراب لم يخرج منه”. (فروع ‏الكافي3/203). ‏

ثانيا: شهادات أئمة الشيعة
ذكر الحر العاملي” عن أبي عبد الله قال: قال‎ ‎الإمام علي ” بعثني رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ‏في هدم القبور‎ ‎وكسر الصور”. (وسائل الشيعة 2/870). وآخر” عن أبي عبد الله (ع) قال: قال ‏الإمام علي” بعثني رسول الله عليه (صلى الله عليه وسلم)، إلى المدينة فقال: لا‎ ‎تدع صورة إلاً ‏محوتها، ولا قبراً إلا سويته”. (وسائل‏‎ ‎الشيعة 2/869). ذكر الكليني” عن أبي عبد الله ” لما قُبض ‏أمير‎ ‎المؤمنين (ع) أخرجه الحسن والحسين ورجلان آخران، حتى إذا خرجوا من الكوفة‎ ‎تركوها ‏عن إيمانهم ثم أخذوا الجُبّانة حتى مروا به إلى الغرى، فدفنوه وسووا قبره‎ ‎فانصرفوا”. (أصول ‏الكافي1/458). لاحظ العبارة ” سووا قبره”، بمعنى إندرس ولم يبقَ له معالم واضحة. وذكر ‏الحر العاملي” قال جعفر الصادق (ع)” كلما جعل على القبر من غير‏‎ ‎تراب القبر فهو ثقل على ‏الميت”. (وسائل الشيعة 2/864). ‏

ثالثا: شهادات مؤسسي الدين الشيعي
ذكر شيخ الطائفة الشيعية الطوسي” يكره‎ ‎تجصيص القبور والتظليل عليها والمقام عندها ‏وتجديدها بعد إندراسها، ولا بأس‎ ‎بتطييبها ابتداء”. (النهاية/44). لكن بدلا من تطيينها قاموا ‏بتذهيبها يا شيخ الطائفة! روى الكليني” عن العدة ن سهل عن ابن محبوب عن يونس بن يعقوب ‏قال : لما رجع أبو الحسن موسى (ع)‏‎ ‎من بغداد ومضى إلى المدينة ماتت له ابنة بفيد فدفنها وأمر ‏بعض مواليه أن يجصص قبرها ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر”. (الكافي3/202). وقال ‏الشيخ الصدوق” عن حمزة العلوي عن عبد العزيز الأبهري. عن محمد بن زكريا عن شعيب بن ‏واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه: قال : نهى رسول الله (ع) ‏‎ ‎أن يجصص المقابر ‏ويصلى فيها”. (أمالي الصدوق/253).وقال الشيخ الطوسي” عن علي بن جعفر (ع)‏‎ ‎لا يصلح ‏البناء على القبر ولا الجلوس عليه ولا تجصيصه ولا تطيينه”. (التهذيب للطوسي1/130). (بحار ‏الأنوار للمجلسي82/38).‏
قرار المحكمة
بعد إطلاع المحكمة الشيعية على حيثيات الموضوع، والإستماع الى محامي الدفاع وشهادات ‏الشهود، تقرر رفض الدعوى وبطلانها، وإطلاق سراح الخطيب الحسيني (علي موسى كاظم) ‏وبرائته من التهمة الموجهة اليه، وتحميل المدعي مقتدى الصدر كافة النفقات المترتبة على دعواه.‏

كلمة أخيرة لصاحب مشروع الإصلاح
لقد حُرمت من الصلاح وليس لمشروعك من فلاح، أنك تجهل يا حجة الله الذكر الحكيم والسنة ‏النبوية الشريفة، ولا علم لك بأحاديث كبار مؤسسي دينك، أو انك لا تلتزم بشرع الله ورسوله، ‏وتصر على الباطل. ‏
لذا بقى أمامك يا حجة الله ـ على الجهلة والمستغفلين ـ أما الإصرار على موقفك وتعنتك، وضرب ما ‏ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأحاديث أئمتك (ع) وأقوال علمائك الثقة عرض ‏الحائط، او الإعتذار عما قلته وسحب الدعوى والمهلة التي لا تتوافق مع الشرع والقانون والعقل ‏والمنطق. ولك الخيار يا صاحب مشروع الإصلاح!‏
أقول: في بلد يُحكم بالتغريدات المرتجلة، والبيانات الصبيانية، لا يمكن ان يُصلح ولا ان يفلح. قال ‏تعالى في محكم كتابه العزيز، سورة الأحزاب/67 (( وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ‏ٱلسَّبِيلَا۠)). صدق الله العظيم.‏

علي الكاش