ودع العراق سياسيا غير عادي بإمتياز توفي أمس في العاصمة بغداد، وهو زعيم لحركة المؤتمر الوطني التي إنبثقت عن الحراك المعارض لنظام صدام حسين وكان على صلة وثيقة بالمعارضة الشيعية وقوى كردستان وشخصيات سنية بارزة عارضت النظام السابق، ولم يكن حدث موت الجلبي عاديا البتة. موت أحمد الجلبي لايمكن أن يكون حدثا عاديا فالرجل إشتهر بصلاته المخابراتية وعلاقاته المثيرة للجدل مع الأمريكيين والإيرانيين، وهو عراب المعارضة العراقية في الخارج وقد أسس ماسمي في حينه البيت السياسي الشيعي الذي فشل في جمع الشيعة وكذلك وصلاته السياسية وماحاطه من ضوء نتيجة حراكه ودوره في غزو العراق ومعارضته لنظام صدام حسين، ومشاركته في نظام حكم فاشل بعد 2003 كلها علامات دالة على حدث غير عادي.
أحمد الجلبي واحد من مجموعة من النخب السياسية التي لم تترك الأثر المرجو لجهة تحقيق مكاسب سياسية وأمنية وإقتصادية للعراق، وقد تعرض الرجل لإتهامات عديدة بضلوعه في قضايا فساد، وكان آخر ماروج عنه قبل وفاته مشاركته في تهريب نسخ من التوراة الى إسرائيل، وعلى العموم فإن السياسيين العراقيين بعد العام 2003 إختاروا طريقا سهلة لكسب المال والجاه والثراء على حساب الشعب، ولم يحققوا له الكثير، وكانوا سببا في الفتنة الطائفية والصراع المحتدم على المناصب وهم من أسس أساس المحاصصة العرقية والدينية وساهموا الى حد بعيد في تمكين دول كبرى وصغرى من التوغل في الشأن العراقي وتسيير الأمور على هواها دون إحترام للسيادة الوطنية، موت الجلبي لم يشعل الحزن في نفوس الناس، وربما كانت فيه بعض الإثارة.
مرة واحد إلتقيت بأحمد الجلبي كانت كافية لأتيقن إنه واحد ممن سيأخذون العراق الى الهاوية، وهو واحد من عديد السياسيين الذين أخذوا العراق الى تلك الهاوية والفرق الوحيد إنه غادر الدنيا قبل أن يرى بلاده كيف تهوي وتنتهي الى الإفلاس والدمار.
عندما نتحدث عن السياسيين في مرحلة وجودهم بيننا، أو بعيد رحيلهم فقد لانجد الكثير لنقوله، أو نكتشفه، ونرهن ذلك للأيام التالية فهي كفيلة بكشف المستور.