في حياة كل إنسان شخصيات تمر من أمام ناظريه إما كأسماء يقرأها في كتاب أو تطرق أذنيه أو يراها عيّاناً أو في شريط أو شاشة وهي بالنسبة لأمثالنا كثيرة الحدوث فكل يوم ومن خلال العمل البحثي نتعامل مع أسماء ومسميات كثيرة من هنا وهناك ومن كل الأصناف واللغات والجنسيات والأديان والمذاهب فلا يقتصر العمل على لون واحد من المذهب أو اللغة أو الوطن وهذه واحدة من خصوصيات العمل الموسوعي.
وعندما كنت بصدد كتابة تعريف كشكولي عن دائرة المعارف الحسينية عام 2007م مرّت تحت أناملي وانا أضرب أزرار الحاسوب أسماء لامعة في سماء العلم والأدب والسياسة وأرباب مدارس فقهية ومذهبية لهم حضورهم على صفحات الموسوعة الحسينية بنحو أو بآخر ولا سيما في مجال تقريض الموسوعة وراعيها أو كتابة مقدمة لأحد أجزائها بوصفها موسوعة كبيرة قلّ نظيرها في عالم الدوائر المعرفية وبوصف راعيها نادرة عصره في عالم التأليف تنوعاً وكمّاً وكيفاً.
ومن هذه الأسماء رئيس جمهورية باكستان الإسلامية السابق قاضي القضاة محمد رفيق تارر الذي تولى الرئاسة عام 1998م والذي كتب في 15/8/1999م تقريضا بحق الموسوعة ومن تدور عليه بيانها ومن يحبّر كلماتها فمررت عليه وأنا أدبج فصلاً من كتاب (العمل الموسوعي في دائرة المعارف الحسينية) ولم يدر في خلدي أن ألتقي هذا الرجل أو غيره من الذين يمرون تحت أناملنا فبعد المسافة حاجز حيث أسكن في جزيرة ويسكن هو آسيا البعيدة والصفة الرسمية توسع من الشقّة فهناك موانع عدة لا تجعل من اللقاء أمرا سائغاً لمثلي.
ثم يتبادر الى الذهن التساؤل العريض: وهل يعلم الإنسان الغيب وما يخبئ له القدر؟
بالطبع لا ولكن القدر نفسه له خاصية الجمع من حيث يعلم المرء أو لا يعلم تماماً كالرزق فإنه ينزل على الإنسان من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب وهذا ما حصل معنا بالضبط إذ قادنا التوفيق الإلهي الى باكستان لحضور (مؤتمر الإمام الحسين الدولي الأول على ضوء دائرة المعارف الحسينية) لليومين 15 و16 حزيران يونيو 2013م وكان يفترض أن يكون الرئيس الباكستاني السابق بين الحاضرين غير أنّ عامل السن حال دون ذلك لكن الرجل آل على نفسه أن يكون مضيّفاً للوفد القادم من لندن فاستقبلنا يوم الأربعاء 19/6/2013م في المجمع الرئاسي في العاصمة الدينية لاهور ولم يكتف بجلسة الشاي ولم يرض أن نقفل راجعين الى مقرنا في مؤسسة إدارة منهاج الحسين(ع) التي رعت المهرجان الدولي إلا أن نجتمع معه على مائدة الطعام في جو ساد فيه الحديث عن العلم والعلماء والثقافة والمثقفين والمسيرة الحسينية والوحدة الإسلامية ولم يعطنا جلوسنا في فترة الشاي مع شخصية جمعت بين وظيفة قاضي القضاة ورئيس المحكمة الباكستانية العليا ورئيس الجمهورية السابق شعوراً أننا في قصر رئاسي حلّ فيه قادة باكستان منذ استقلالها عن الهند عام 1947م فالجو العلمائي والعلمي هو الذي ساد يتقدمنا العلامة الشيخ محمد حسين أكبر وهو من الزعامات الباكستانية المرموقة وعندما شرعت بالحديث عن الظاهرة الأممية للنهضة الحسينية علّق على كلامي قائلاً: (نحن نعتقد جازمين بأن الإمام الحسين(ع) ليس قائداً وإماماً للشيعة فحسب بل هو زعيم الأمة الإسلامية بخاصة والإنسانية بعامة وقد حمل في كربلاء راية جده رسول الله(ص) وضحى بنفسه وعياله وأصحابه ولذا فإن البشرية حتى يومنا هذا تذكره وتتذكره فهو بالتأكيد ركيزة بقاء الإسلام ودوام رسالة محمد(ص) ولابد لمجتمعات الأرض قاطبة أن تأخذ من سيرة الإمام الحسين(ع) نموذجها الحي وكما هو مفاد قول أحد الشعراء: عندما تستيقظ البشرية من غفوتها فكل أمة تدّعي بالحسين وصلاً وتنسبه لها).
هذه الشخصية القانونية والرئاسية إستخرج ذكرها من تلافيف الزمن القريب (ديوان الشعر الأردوي) في جزئه الأول للأديب المحقق الدكتور محمد صادق الكرباسي الصادر حديثاً (نهاية العام 2013م) عن المركز الحسيني للدراسات بلندن في 398 صفحة من القطع الوزيري حيث يتحدث المؤلف عن نشأة الأدب الأردوي في أجواء الهند الكبرى وعن التشكيلة الرئاسية لدول الباكستان التي نمى فيها الأدب الأردوي.
تحت مظلة السلاطين
كشفت وقائع التاريخ ولازالت أن الأدب ينمو بشكل عام في ظل سلطة محبة للأدب فكلما قرّب الحاكم الأدباء والمثقفين واحترم عقولهم وآراءهم ثقل ميزان الأدب المنثور منه والمنظوم وهي معادلة طردية محسوسة نعم قد ينمو الأدب في ظل سلطة غاشمة أيضا ولكنه نمو الفطريات التي تضر ولا تنفع لاسيما إذا كان الأدباء والشعراء يسبحون بحمد السلطان ويسجدون له فما عاد النمو ايجابيا وصار وبالاً على مسيرة آداب تلك اللغة.
وعند قراءتنا الأدبية والموضوعية السابقة لكتاب (المدخل الى الشعر الأردوي) وهو أحد أجزاء دائرة المعارف الحسينية أوقفنا الأديب الكرباسي على دور السلاطين في الهند الكبرى في بث الحياة في اللغة الأردوية وتنشيطها كما أوقفنا على دور الأدب الحسيني المنظوم في حمل الأدباء على تنظيم أسس اللغة الأردوية وتقعيدها ونقلها من لغة منطوقة الى لغة مكتوبة.
وهذه الحقيقة يعود الأديب الكرباسي ويطلعنا عليها عند تقويمه للديوان الذي ضمَّ الشعر الحسيني باللغة الأردوية: (فعلى سبيل المثال فإن الشاعر السلطان علي الأول العادلشاهي هو السلطان الخامس من الدولة العادلشاهية التي كان ملوكها من اتباع مدرسة أهل البيت(ع) وقد حكم سنة 965هـ بعد أبيه السلطان إبراهيم الأول ابن اسماعيل وتوفي سنة 987هـ وكان الأدب الأردوي قد تخرج من بلاطهم ولا غرو أنه ينظم في الإمام الحسين(ع) وليست في ذلك غرابة بل الغرابة تكمن في قلة النظم فيه(ع) والذي نعزوه إلى الضياع والتلف المتعمد أو الإهمال).
ومن ذلك قول الشاعر السلطان علي الأول العادلشاهي في قطعة من سبعة أبيات بعنوان: واها واها يقول ما ترجمته:
مِــــن كـــرب سيـــدي يبــكي الفـؤادُ واأســـفـــاهْ
أيها الخــلقُ سمــاءُ الكون تمطرُ دماً واويلاه
مضى سُلـــطان الكـون بـــعــد أن أمـلى بالآهْ
مـــن دمِ القـــلب جفـــونه حُــزناً واويـــلاهْ
ثم يختم الشاعر السلطان العادلشاهي:
فليســمـــع الـكــلُّ أنّ عادل علي واغـــمّاهْ
أشهـــراً وسنيناً يقيمُ عــــزاءَ السيدِ واويـــلاهْ
فالسلطان الشاعر الحاكم الخامس من السلالة العادلشاهية الذي حكم في الفترة (1557- 1579م) هو واحد من واحد وثلاثين شاعراً حسينياً ورد ذكرهم في هذا الديوان الذي غطّى الشعر الحسيني في ثلاثة قرون: العاشر والحادي عشر والثاني عشر الهجري وهم كما يؤكد الكرباسي: (بما لهم من موقع مرموق في الثقافة بشكل عام يمثلون أركان هذه اللغة الفتية إذ كان أربعة منهم من ملوك دولتين قامتا على الولاء لأهل البيت(ع) الدولة العادلشاهية والدولة القطبشاهية).
وفي عهد الحاكم الثامن السلطان علي الثاني ابن محمد العادلشاهي الذي حكم في الفترة (1660- 1672م) كما يشير المؤلف: (نما أبرز شعراء هذه اللغة الفتية).
ومن السلاطين الشعراء الحاكم الخامس من السلالة القطبشاهية السلطان محمد قلي ابن ابراهيم قلي القطبشاهي الذي حكم في الفترة (1580- 1612م) وفي عهده كما يضيف المؤلف: (برز في عهده عدد من أقطاب الشعر وكان من المشجعين لإشاعة هذه اللغة والنظم عليها فنظم هو بنفسه الشعر وخصص بعض قصائده في الإمام الحسين عليه السلام).
ومن إنشائه أربعة أبيات بعنوان: الإئمة في العالَمَيْن جاء في الأول والثاني من المقطوعة ما ترجمته:
الأئمة في العالَمَيْن يألمون ويبكون في العزا واحسرتاهْ
لقـــد أجهــدوا قـــواهُـــم وأنـفُسَهم مضــطرين واويــلاهْ
أضــــعفتِ الشمسُ السَّـما من الحــــرِّ ذُبولاً واحُرقتــاهْ
اســـودَّ القمـرُ تجهُّمــــاً واحـــــترقَ ألمــاً واويــلاهْ
والسلطان الرابع الذي له الدور المشهود في نمو اللغة الأردوية وظهور أدبها المنظوم هو الحاكم الثامن من السلالة القطبشاهية وآخرهم السلطان تانا شاه ابن عبد الله القطبشاهي الذي حكم في الفترة (1672- 1687م) والذي هو الآخر كما يوثق الكرباسي: (نظم الشعر على هذه اللغة وشجع الآخرين على النظم عليها).
ومن شعره الحسيني قوله في بيتين بعنوان روضة محمد ما ترجمتهما:
يا شبيرُ بستانُ أحـمدَ روضتُهُ الحسـيــنْ
شمسُ خضراءِ حيدرةَ المرتضى حُسيـــنْ
لم هذا الـــدجى وقد كنت شمع الفرقدين
لأهل بيت النبوةِ كـان يضيءُ الحـــسينْ
حَمَلة اللغة الأردوية
من الثابت أن الشعر العربي في العهد الجاهلي كان له كبير الأثر في الحفاظ على اللغة العربية وعندما نزل القرآن الكريم فإن اللغة الفصحى وفي ظل كلام الله المبين عاشت في كهف قوي حصين يمنعها من الاندثار والضعف والخوار ولكن لم يمنع احتكاك العرب بالأمم والشعوب الأخرى من بروز العجمة في الأحاديث اليومية ولكن الثابت ايضا أنَّ اللغة العربية تركت تأثيرها الكبير على اللغات الأخرى ومنها اللغة الاردوية التي يتحدث بها نحو 350 مليون إنسان بين مسلم وغير مسلم يتوزعون على شبه القارة الهندية من بين 225 لغة حيًة ومحلية متداولة في الهند وحدها.
وكما كان للنصوص المنظومة أثرها في اللغة العربية فإن الشعر الأردوي كان له كبير الأثر في وضع قواعد اللغة الأردوية ولاسيما الشعر الحسيني الذي نما بصورة بارزة استدعت معها الحاجة الى كتابته بدلاً من الحفظ الذي يتعرض الى النسيان والضياع ولأن اللغة الأردوية حديثة نسبة للغات الأخرى كالعربية والفارسية فإنَّ ما وصلنا من أدبها المنظوم في النهضة الحسينية يكاد يكون قليلاً جداً بخاصة قبل القرن العاشر الهجري حيث كانت اللغة في طور الكتابة والتقعيد ولهذا كما ينوه الأديب الكرباسي أن ما تم اكتشافه حتى الآن من الشعر الحسيني يرجع الى نهاية القرن التاسع الهجري اذ ظهر شاعر واحد فقط هو الشاعر شاه أشرف البياباني المتوفى في الربع الأول من القرن العاشر الهجري وهذه الشحة في المنظوم الحسيني هو الذي دفع المؤلف الى وضع الديوان حسب القوافي بمجموع ثلاثة قرون معاً ولكن الزيادة ستظهر في الأجزاء اللاحقة من ديوان الشعر الأردوي حيث كثر عدد الشعراء بعدما ما أخذت اللغة الأردوية طريقها بين اللغات الحيّة وما عادت لغة محلية ولا بلغة منطوقة فحسب وزادتها العربية رونقاً كما زادها الإسلام رصانة والنهضة الحسينية كماً وكيفاً.
وبشكل عام فإنَّ خيمة اللغة الأردوية الفتية قامت على ثلاثة أعمدة من الأدباء وهم الشاعر غلام بن ضياء الدين أشرف البياباني الرفاعي الجالنتي (854- 921هـ) وكان يتخلص في شعره بـ (أشرف) وهو ممّن تلقّى التشجيع من قبل السلطان محمد قلي القطبشاهي والشاعر شمس العشاق الميرانجي المتوفى سنة 902هـ والذي كان يتخلص في شعره بـ (حاتم) ومن بعده ابنه شاه الميرانجي المتوفى سنة 990هـ والمتخلص في شعره بـ (جانم) وكما يذهب إليه الكرباسي: (هؤلاء الثلاثة حملوا راية اللغة الأردوية نثراً ونظماً حتى أقاموا عودها وقووا صلبها) ولعلّ الشاعر أشرف يقف في المقدمة ومع هذا فإن الأديب الكرباسي لا يقطع بأن الشعر الحسيني يبدأ منه إذ: (نرجح وجود شعراء قبله قد نظموا في سبط الرسول(ص) ولكن لم يصلنا شعرهم).
ومن شعر أشرف البياباني قصيدة من عشرة أبيات بعنوان: الطفل أصغر ينشد بما ترجمته:
كنــتُ أرتِّبُ تـــرتــيباً سـريـرَ المهــدي
عندمـا هززتُ عليّاً الأصغرَ في المهدِ
حتى يقول وهو يصف حال الأم التي انقطع عنها حليبها بسبب العطش فكان السهم في نحر الرضيع هو آخر الكأس:
غــــار حــلـيبُ الأمِّ مــــن عـــــطشٍ جــفّا
من رؤية حال الأصغر كانت ترتجف خوفا
رَمَـــوْهُ بسـهــــمٍ أولـــئـــكَ الفَــــجَــرَة
قُســــاةَ القلــبِ كـــانـــوا ظالــمين كــفرة
إذن وحسب استقراء المؤلف فإن اللغة الأردوية المتكونة من 36 حرفاً أصيلاً نشأت بطابعها الأدبي في البلاط الملكي في مدينة دكن الهندية وكانت نشأتها في الأساس إسلامية كما أنَّ أتباع مدرسة أهل البيت(ع) وراء نمو وتطوير هذه اللغة وفي أواخر القرن الثاني عشر الهجري عُرفت بالأردو أي معسكر الجيش أو لغة العسكر الرفيعة وفي الهند الحديثة اُعترف باللغة الأردوية عام 1947هـ كإحدى اللغات الرسمية وأصبحت في الباكستان في العام نفسه لغة البلاد الرسمية وأهم اللغات التي ساهمت في بناء المفردات الأردوية هي: العربية الفارسية التركية المغولية السنسكريتية السندية الملتانية الكابلية والانكليزية اضافة الى لغات أخرى هي الپنجابية والسندية والگجراتية والبنغالية والپالية والپشتوية والفرنسية كما مرّت اللغة من حيث التسمية في مراحل بدءاً من اللغة الهندية وانتهاءاً بالأردوية مروراً بالدكنية والريختية والهندوستانية.
شفرة الألم والأسى
للهلال في تراث كل أمة صور ومعان مختلفة وقد تكون متناقضة في آن واحد حسب العين الباصرة فالهلال بما هو هلال يمثل الوجه البارز للعيان من الجرم السماوي العاكس لضوء الشمس الخارج من مرحلة المحاق والذي يأخذ منازله من الظهور حسب الأيام حتى يكتمل ثم يأخذ دورته في النصف الثاني من الشهر في الضمور والدخول في مرحلة المحاق حتى ظهور هلال الشهر التالي وهكذا دواليك ولكن الأدباء يتعاملون مع الهلال بصورة حسيّة ينزلونه من عليائه الى الأرض فيكون منجلاً أو خنجراً أو سكيناً أو شفرة أو خيطاً أو قرطاً تتدلى منه النجوم أو سريراً تنام على أريكته ملائكة السماء وأمثال ذلك سلباً وإيجاباً.
وفي التراث الحسيني فإنَّ الهلال ارتبط لدى الأدباء المرهفي الحس بالشهادة الحمراء للإمام الحسين(ع) وأهل بيته وأنصاره فيستحضرونه مع بروز صور الألم والعَبرة وتنغمس الصور والتشبيهات بالقاني من الدماء ويتحول الى شفرة تقطع الأوردة والأوداج.
فالشاعر حسين بهاء الدين غواصي المتوفى عام 1102هـ يتفجر أسى لحلول هلال محرّم فيخاطب صحبه يذكرهم بالمصاب الجلل للإمام الحسين(ع) المستشهد في كربلاء في العاشر من محرم الحرام عام 61هـ فينشد ما ترجمته:
واحســرتاه جديـداً أحبّتُنا علـــينا أطـلَّ المحـرّمُ
بآلاف من الأحزان والحسرات ويلاهُ ممّا به نألمُ
ولا يكتفي الشاعر غواصي بالهلال كدلالة على الألم ولكنه يرى في القمر كل المصاب فيخاطب الآخر في مقطوعة من تسعة أبيات بعنوان: قصة كربلاء ما ترجمته:
كـيفَ أمثِّلُ لكَ واقــعةً حدثت بكـــربلا؟
مُندهشاً أطوفُ حول نفسي نادباً مُبتلى
فيرى أن الأجرام السماوية كلها مندهشة بين بكاء وعويل لما حلّ على سبط النبي محمد(ص) في عرصات الطف فيعلن ما ترجمته:
القمرُ المضطربُ بكربه العظيم يرى أن عُمرَه صار هباءا
ومــــن أجــل جللِ مصابــــه النــجومُ أجهشنَ بكاءا
ويشبّه الشاعر محمد رفيع بن محمد شفيع سودا الدهلوي المتوفى سنة 1195هـ في مطلع قصيدته الرباعية من 24 بيتاً هلال الشهر بالشفرة القادرة على جرح قلب الدهر وليس قلب الإنسان فحسب فينشد ما ترجمته:
ليس هذا هلالُ محرَم في هذا الشهر في التاريخ قد جرى
وإنمـا هــــو شفـــرةُ محـــرّم جـــرتْ على الكـون أمْرا
هـــذه شفـــــرته ستجـــرحُ قلـــوبُ الدّهــر بمـا يَتــرى
حيثُ لا ينفــع مــــع الجــرح خياطةٌ ولا بلـــسمٌ يشفيــه
وهكذا يتفنن الشعراء في توصيف الهلال بما يناسب الفاجعة الأليمة ويساعدهم في ذلك طبيعة الهلال كجرم علوي يراه كل إنسان من الطفل حتى الكبير وهو منطبع في الذهن ويرى في أول الشهر وآخره بالعين المجردة أي أن أعين الناس تطاله فضلاً عن تأثيراته على الإنسان نفسه في المدّ والجزر وغيرهما فهو إذن مرئي ومحسوس ومعاش ولذلك يسعى الشاعر من خلاله أن يجعل واقعة كربلاء حيّة في النفوس يتجدد موسم العزاء في كل هلال محرّم مثلما يتجدد موسم الصوم والقيام والعبادة مع ظهور هلال شهر رمضان.
وهذا المعنى تؤكده الدكتور ليودميلا ماثيوز عند كتابتها مقدمة باللغة الانكليزية عن الجزء الأول من ديوان الأردو ملحق بنهاية الكتاب وهي تتحدث عن (المرثية) في الأدب الأردوي المنظوم وفي نظرها أن: (المرثية من الأنواع الفريدة في الشعر الأردوي ومحوره استشهاد الحسين وهي اليوم تمثل جزءاً أساسياً من المجالس التي تقام في باكستان والهند خلال العشرة الأولى من شهر محرم) وعبّرت الدكتورة ليودميلا ماثيوز وهي من أوكرانيا مقيمة في لندن عن تصورها تجاه النهضة الحسينية من خلال المعايشة اليومية خلال وجودها للتدريس في الهند الكبرى وفي المملكة المتحدة فتقول: (لم أر شخصية في تاريخ البشرية أعظم من الإمام الحسين حيث فرض احترامه ليس على قلوب أتباعه فحسب بل على قلب كل محب للإنسانية والحرية) واكتشفت من خلال عملها كاستاذة وباحثة شاركت زوجها المستشرق البريطاني ديفيد ماثيوز في السفر الكثير والعمل في مجال تدريس اللغة الأردوية والترجمة: (ليس هناك أمة أو لغة على وجه الأرض لم يُكتب بها عن الإمام الحسين وأنصاره الذي استشهدوا في كربلاء فواقعة كربلاء حية في مؤلفات الكتاب من أنحاء العالم في مجالي الأدب المنثور والمنظوم).
وعبّرت الدكتورة ليودميلا ماثيوز عن قناعتها: (إنّ الموسوعة الحسينية التي ألفها الشيخ محمد صادق الكرباسي هي عبارة عن مجموعة فريدة من المعارف والتحقيقات في موضوعات شتى محورها الإمام الحسين ولا يوجد محور معرفي له علاقة بالامام الحسين لم يطرق بابه فالموسوعة شاملة لكل المحاور) وهذا ما قادها الى القول: (اطلعت على الجزء الأول من ديوان الشعر الأردوي من هذه الموسوعة العظيمة فوجدت أن المؤلف على دراية كاملة بما يكتب عن الأدب الأردوي بلسان عربي ما يدل على أنه ذو شخصية فريدة وقدرات هائلة ومعرفة فائقة بما يؤهله للبحث في هذا الموضوع الذي يتناوله فهو عالم في الفلسفة والتحقيق والفقه والكتاب المقدس (القرآن) والتاريخ والتفسير وكل العلوم اللازمة التي لها علاقة مباشرة بالنهضة الحسينية بما يحقق الخلود للأبحاث والمعارف التي يتناولها في موسوعته).
وهذه حقيقة لا مراء فيها يدركها كل من احتك بالمؤلف قصرت المسافة أو طالت.