فاجأني عنوان هذه المقالة بعد قراءتي لتقرير وكالة رويترز من القدس الذي من الصعب تلخيصه، والأفضل للقراء لإدراك مغزى هذا العنوان أن يقرأوا هذا التقرير القصير كما كتبه مراسل رويترز “ألين فيشر إيلان” يوم الرابع من يوليو 2014 . يقول التقرير عن القاسم المشترك بين طفلين إسرائيلي وفلسطيني تمّ خطفهما وقتلهما:
(كان محمد أبو خضير الفتى النحيل ذو العينين البنيتين الثاقبتين يحب الموسيقى ورقص الدبكة. وكان نفتالي فرنكل المراهق الضخم البنية ذو الشعر الأحمر مولعا بعزف الأغاني الشعبية العبرية على جيتاره. ولكن المراهقين الفلسطيني والإسرائيلي اللذين توفيا عن 16 عاما ينحدران من أرض لا يسودها الوئام ويبدو أن قدرها أن تتشارك مأساة رحيل المزيد من الفتية صغار السن في صراعها الممتد منذ عقود. عثر على جثة محمد متفحمة في غابة بالقدس يوم الأربعاء بعد ساعات من اختطافه بالقرب من منزله في المدينة ثم قتله في جريمة يعتقد الكثير من الفلسطينيين أن إسرائيليين نفذوها انتقاما. وقبل يوم واحد دفن نفتالي وطالبان يهوديان آخران إثر خطفهم وقتلهم حسب قول إسرائيل على يد عناصر من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بينما كانوا يسعون للحصول على وسيلة نقل مجانية في الضفة الغربية المحتلة في 12 يونيو حزيران الماضي . وقالت سهى والدة محمد في منزل العائلة في حي شعفاط العربي في القدس للصحفيين إن ابنها كان دمث الخلق ومبتسما دائما. وكان محمد الذي دفن جثمانه يوم الجمعة يدرس الهندسة الإلكترونية في مدرسة مهنية وكان يحرص على حيازة أحدث الأدوات وشغوفا بالموسيقى وعضوا في فرقة للدبكة. ووصف سعيد خضير -ابن عم محمد الذي يدير مطعما للمأكولات السريعة في القدس- قريبه القتيل بأنه كان هادئا يكره المشاكل والمتاعب. وقال إنه لا يصدق أنه يتحدث عنه الآن بصيغة الماضي.أما نفتالي فقد كان يعيش في نوف أيالون وهي بلدة في إسرائيل تبعد 30 كيلومترا عن منزل محمد ويرتاد مدرسة دينية في إحدى مستوطنات الضفة الغربية. وقال أصدقاؤه إنه كان يلعب البنج بونج وكرة السلة في أوقات الراحة بالمدرسة. وكان نفتالي- الذي يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والأمريكية- يستمتع بأداء الأغاني الشعبية العبرية بينما يعزف على الجيتار. وكان يعزف أيضا على الناي وكان محبا للموسيقى كما ذكرت والدته راشيل في رثائها إياه في مأتمه. وقالت “ارقد بسلام يا بني. سنستمر دائما في الغناء من دونك وسنسمع دوما صوتك بداخلنا”.
انتهى تقرير رويترز، والسؤال الملحّ هو عنوان المقالة:
هل يمكن أن ينتصر صوت الموسيقى على صوت الرصاص؟
أنا أتمنى ومن المؤكد معي الملايين من مختلف القوميات والديانات والطوائف، يتمنون أن يحل السلام والوئام في هذه الأرض التي يستباح الدم فيها ليلا ونهارا طوال 65 عاما أي منذ مايو 1948 عند الإعلان عن قيام “دولة إسرائيل” على أرض شعب يعيش فيها منذ ألاف السنين بحجة غير منطقية ” أرض بدون شعب لشعب بدون أرض” وكيف كانت أرض بلا شعب وقد تمّ تهجير ملايين منها ما زالوا يعيشون في المنافي حتى اليوم؟ وكيف هي أرض بلا شعب عندما تقرّر الجمعية العمومية للأمم المتحدة في قرارها رقم 194 حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة أو التعويض. بعد التذكير بهذه الحقائق التاريخية الموثقة دوليا، نعود إلى السؤال الرئيسي عنوان المقالة. إنّ انتصار صوت الموسيقى التي كان يعزفها الطفلان الفلسطيني “محمد ابو خضير” والإسرائيلي الأمريكي “نفتالي” على صوت رصاص صواريخ حماس المصنوعة من أنابيب مجاري لا تلحق ضررا، وصواريخ وقذائف الجيش الإسرائيلي التي لم تبق بيتا ولا حجرا في قطاع غزة إلا ودمّرته، ليس من السهل تحقيقه ولن يتحقق إلا في حالة تحقيق رغبة وأمنية وأمل فلسطيني، وهو قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وهذا الأمل الفلسطيني لم يكن وليد اتفاقية أوسلو التي تمّ توقيعها في سبتمبر 1993 بل قبل هذا التاريخ بستة سنوات عندما أعلن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في الدورة الثامنة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقدة في العاصمة الجزائرية في أبريل 1987 قيام تلك الدولة الفلسطينية ضمن حدود 1967 مما يعنّي أنّ الفلسطينيين يعترفون منذ ذلك التاريخ بدولة إسرائيل ضمن تلك الحدود.
ولكن تعنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة،
لا يحول دون تحقيق هذا الهدف فقط بل تستمر في المزيد من استفزاز كافة قطاعات الشعب الفلسطيني مما يحوّل المعتدلين إلى متشددين متطرفين، إذ أنّ المستوطنات مستمرة في ضم وهضم أراضي الضفة الغربية حيث تستولي هذه المستوطنات على ما لا يقل عن عشرين بالمائة من أراضي الضفة، والاستمرار في احتلال الضفة واقعيا رغم وجود السلطة الفلسطينية ديكوريا، إذ يتجول الجيش الإسرائيلي ويقتل ويهدم ويعتقل كما يريد،و أيضا ما معنى ومن يفهم وجود ما لا يقل عن ثمانية ألاف معتقل وأسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية منذ عشرات السنين بينهم مئات من النساء والأطفال. ومن يفهم هذا الحصار الدائم الذي حوّل قطاع غزة إلى سجن كبير حسب شهادات دولية محايدة.
أمّا ذريعة حماس وصواريخها الديكورية،
فهي من طرف حماس من حين لآخر مجرد صراخ يقول (هانحن موجودون) بدليلين قاطعين: الأول، التصريحات المتعددة لخالد مشعل للإعلام الأمريكي تحديدا بقبول حماس لدولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 والثاني، هو ركض حماس الداخل بعد كل قصف إسرائيلي لإستجداء المخابرات المصرية للوصول لاتفاقية وقف إطلاق نار بينها وبين الجيش الإسرائيلي. لذلك أقول لكل الأمهات والآباء فلسطينيين وإسرائيليين: لن يتغلب صوت الموسيقى التي كان يحبها الطفلان محمد و نفتالي على صوت الرصاص إلا بقيام الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وعندئذ سيتحرك الشعب الفلسطيني لوقف أي صوت للرصاص من جانبه ضد الشعب الإسرائيلي، وبدون ذلك يا أم “نفتالي” من حقك ان تستمري في سماع صوت الموسيقى ولكن صوت الرصاص ضد الشعبين سيتغلب على سماعك لصوت نفتالي بداخلك!! فهل تتحرك ضمائر من يريدون الحرية والاستقلال لكل الشعوب للمساعدة في تغليب صوت موسيقى الدبكة الشعبية الفلسطينية و صوت موسيقى الأغاني الإسرائيلية على أصوات الرصاص من كل الجوانب والأطراف؟. وسيظلّ السؤال قائما رغم صوت الموسيقى والرصاص: لماذا لا يكون من حق الشعب الفلسطيني دولة مستقلة على مساحة ما لا يزيد عن عشرين بالمائة من وطنه التاريخي؟. هذا هو الأمل والحلم دولتان مستقلتان بحدود واضحة مرسومة لشعبين يتجاوران في أمن وسلام على أنغام الموسيقى الفلسطينية والإسرائيلية.