ونحن نقرأ الواقع السياسي اليوم وحاجتنا الماسّة الى ترتيب أوضاع بيتنا الداخلية إثر كل هذا الفشل الذي تراكم ليصبح جبلا من المشاكل التي أثّرت تأثيرا كبيرا بالنسيج الاجتماعي مهددة وحدة الوطن الجغرافية، خصوصا بعد الفشل الامني الكبير والتراجع ” الهروب” الواسع لقطاعات كبيرة من القوات المسلحة أمام عصابات داعش الارهابية لتحتل ما يقارب ثلث مساحة البلد، مما أستدعى تدخل دولي شبيه بالتدخل الاممي تتزعمه كالعادة الولايات المتحدة الامريكية، علينا أن لانحصر قرائتنا بالفترة ما بعد الاحتلال الامريكي أي التاسع من نيسان 2003 التي كانت الطائفية أحدى أهم سماتها، والتي أدت نتيجة هيمنة “الشيعة” على المفاصل الحساسة في هيكلية الدولة، وتصرف حكومة المالكي خصوصا خلال فترتها الاخيرة بطائفية وهذا ما أقره الكثير حتى داخل المعسكر الشيعي، عندما بدأت بممارسات بعيدة كل البعد عن الوطنية ووحدة الشعب حينما كانت القوات العسكرية التي تحت أمرته تتعامل مع مواطني العديد من المحافظات ” السنية” بفوقية متعمدة محاولة أشعار الطرف الآخر بالدونية في عملية “أنتقام” لعقود من تهميش المكون “الشيعي” على يد حكومات “سنية”. بل أن نعود الى المزاج الشعبي “السني” الرافض وللأسف الشديد القبول بواقع سياسي عراقي جديد نتيجة أحتلال كانت فيه سلطات البعث هي العامل الأرأس في رسمه نتيجة رعونتها وهمجيتها، هذا المزاج الذي تحول بعد ما يقارب الثمانية عقود من “الحكم” وعدم أستطاعة القوى “الشيعية” الخروج من معطف المعارضة وهي على رأس السلطة وفشلها في أدارة الدولة، أن تجعل من المناطق ذات الغالبية “السنية” حاضنة لأرهاب قاس وشرس ممثلة بميليشيات طائفية على علاقة بحزب البعث الفاشي ولتتوجها نتيجة سوء تقدير بأحتضان أكبر التنظيمات الارهابية وحشية في التاريخ المعاصر وهو تنظيم داعش، وليدفع شعبنا ومن ضمنهم الكثير من ابناء المناطق الغربية ثمنا باهضا لأيوائهم ودعمهم.
أن أحتلال هذا التنظيم الدموي مدنا وبلدات وقرى آهلة بالسكان وتواجد مسلحيه بين صفوف المدنيين لم يمنع حكومة المالكي من قصف تلك المدن والبلدات والقرى، علما ان حكومة المالكي كانت قد قامت بعد فشلها في أحتواء “أعتصامات” العشائر والقوى الدينية والسياسية السنية في الفلوجة على الاقل بقصف المدينة بالقذائف. حتى بات مطلب وقف قصف المدن على الرغم من تعاون البعض من عشائرها ورجال دينها مع تلك العصابات مطلبا رئيسيا حمله الساسة “السنة” كأحد أهم المطالب التي على حكومة بغداد تنفيذها. وقد أصطدمت مطالبهم تلك بعقلية المالكي الفردية وعدم رغبته بالتوصل مع غرمائه الى حلول معقولة ضمن برامج معينة تنفذ على مراحل عدة، ما جعل القوى السنية أن تتشدد اكثر في موقفها من حكومة بغداد في موقف من المعقول فهمه، ولكن الغير معقول فهمه هو سكوتهم على بعض العشائر ورجال الدين المساهمين مساهمة بارزة في تبني الارهاب وما حادثة “سبايكر” الا وجه من أوجه التشدد الغير مقبول وطنيا للضغط فيها على حكومة المركز. وقد نجحت هذه القوى ومعهم التحالف الكوردستاني وبعض القوى الشيعية وقوى أقليمية ودولية أخرى في تغيير جزء بسيط جدا من الخارطة السياسية وهذا التغيير كان بمنصب رئاسة الوزراء لاغير.
أن التغيير الذي حصل في رئاسة الوزراء وبعد بيان السيد “العبادي” بوقف العمل بقرارت سلفه وأصدار قراره بأعتباره قائدا عاما للقوات المسلحة العراقية بوقف قصف المدن ليس بالتغيير البسيط أذا ما أستثمرته المناطق التي تنشط فيها داعش وقواها السياسية، بل سيكون بابا لتغييرات اكبر أذا ما نجح ابناء تلك المناطق من التعامل مع العقلية الجديدة في بغداد ومؤازرتها كي تدفعها لاتخاذ قرارات أخرى تصب بمصلحة البلد. وأهم ما عليها ان تفعله هذه العشائر والقوى السياسية التي تدعمها هو العمل مع الجهات الامنية والعسكرية بشكل فاعل من اجل الاسراع بتطهير مناطقهم من رجس المجرمين الدواعش، أضافة الى عدم تقديم مطالبهم ضمن حزمة واحدة كون هناك البعض منها لايستطيع لا العبادي ولاغيره تنفيذها لأن تنفيذها لايعني الا انتحارا سياسيا.
أن خطوة العبادي هذه تعبر عن نظرة جديدة نتمنى ان تستمر وتتطور بمساعدة ومساهمة الاخرين للوصول الى افضل الحلول الممكنة وأقصرها للنهوض بواقع البلد، كما وان هذه الخطوة قد وضعت السيد العبادي في وضع مريح بعد أن رمى بالكرة الى المعسكر الاخر منتظرا ومعه شعبنا كيفية أستغلال الطرف الاخر لهذه الخطوة والتي عليهم عدم تفويتها أن كانوا فعلا حريصين على وحدة العراق وسلامة شعبه. أما أمكانية وقوف العبادي في وجه صقور حزبه وتحالفه الشيعي والمضي ببرنامجه السياسي الى نهايته أو على الاقل تنفيذ الجزء الاكبر منه فمسألة سنراها في قادم الايام.
قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ظلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا “سورة الكهف”