لم يعد سرا في ان مدير شبكة الاعلام العراقية قد حول هذه المؤسسة الممولة من خزينة الدولة والتي عليها عكس سياسة الدولة وليس السلطة التنفيذية، الى مؤسسة تابعة وناطقة بأسم السيد رئيس الوزراء وحزبه الحاكم. ولأن السلطة في العراق كأية سلطة في العالم بحاجة الى صحف مقرّبة منها لتبث من خلالها رؤاها وافكارها وسياساتها الداخلية والخارجية، فأن صحيفة الصباح البغدادية التابعة لشبكة الاعلام العراقي تعتبر الناطقة بأسم السلطة التنفيذية، خصوصا عبر افتتاحياتها ومقالاتها في باب “آراء” والتي يحررها رئيس تحريرها المقرّب جدا من المالكي وحزبه.
لقد كتب رئيس تحرير صحيفة الصباح البغدادية اليوم 29/1/2014 مقالا جاء كأفتتاحية للموقع الألكتروني للصحيفة تحت عنوان “معركة بغداد” تضمن سيناريوا مرعبا لأيام قادمة حبلى بالأحداث الكارثية. جاء فيه أن “داعش” الارهابية ستخوض معركة “التمكين” حسب وصفه للسيطرة على منطقة فائقة الاهمية بعد ان تنقل معركتها من “الفلوجة” الى بغداد او بعض بغداد، تأكيدا لشعار “قادمون يا بغداد” الذي رفعته في ساحات الاعتصام “العار”. واستمر الكاتب في السيناريو الذي وضعه “وُضِعَ له” ليحدد مناطق وجيوب خزن الاسلحة التي ستستخدم في هجومها على العاصمة وكذلك اخفاء نساء ورجال غسلت ادمغتهم لقتل الشيعة لانه الطريق الاقصر للجنة وملاقاة النبي، وستكون هذه المناطق هي حزام بغداد وربما مناطق اخرى من بغداد “سنية الصبغة” وقريبة من المواقع الحساسة ومنها بالتأكيد المنطقة المقدسة “الخضراء”، ليشيعوا ان لم يستطيعوا السيطرة والتمكن “احتلال بغداد” الفوضى والارتباك في صفوف الدولة ورجالها والتي تشكل ضربة معنوية للدولة. الا انه يتراجع قليلا في السيناريو المفترض ليمنحنا بعض الامل عن طريق رد الصاع صاعين “لداعش” عن طريق القادة العسكريين الواعين لهذا الامر وبمساندة ابناء شعبنا.
في معركة مفترضة “كمعركة بغداد” يعتبر تحصين الطرق والممرات المؤدية للمدينة وقطع الطريق على الارهابيين من الوصول اليها عن طريق محاصرتهم في اماكن تواجدهم والقضاء عليهم بنقل المعركة الى ارض الخصم، من بديهيات العلوم العسكرية التي اعتقد ان الضباط المسلكيين المؤتمرين بقائد سياسي او عسكري كفء على دراية كاملة بها. ولكن السيناريو الذي جاء به السيد رئيس تحرير صحيفة الصباح يشير الى أمرين اثنين اولهما عسكري والثاني سياسي.
على الصعيد العسكري، يعتبر مجرد التفكير بمثل هذا السيناريو وليس حدوثه جريمة وطنية كبرى يتحملها قادة عسكريين فاشلين وليس من المستغرب ان يكونوا من قوات “الدمج” الذين ابتلت بهم البلاد من اعضاء ميليشيات الاحزاب وخصوصا الاسلامية كونهم من المتنفذين في المؤسسة العسكرية، ومن وراء هؤلاء القادة قيادة مدنية عاجزة عن حماية “مواطنيها” كونها تدير مؤسسة عسكرية ذات سمات طائفية وضعيفة من حيث نوعية الاسلحة والتدريب والامداد والجهد الاستخباري.
وعلى الصعيد السياسي ، فأن اشاعة اجواء عدم الثقة بين مواطني العاصمة واشاعة الفوضى سيؤدي كالعادة الى تمترس طائفي وهذا ما يحتاجه الساسة المتنفذون اليوم لاننا وببساطة على ابواب انتخابات تشريعية جديدة. بعد ان فشلت السلطات ومنها سلطة المالكي الاطول عمرا خلال السنوات العشر السابقة من تقديم اي شيء “لمواطنيها” عدا الخراب الذي دمر البلد.
وعودة الى سيناريو انتقال ارهابيي “داعش” للهجوم على بغداد وضرورة التصدي لهم، ألم يكن من الافضل للحكومة الاستجابة لبعض مطالب المتظاهرين المقبولة منها طبعا، وعدم فسح المجال امام الانتهازيين والبعثيين والارهابيين والطامحين للعب دور سياسي اكبر من حجمهم بركوب الموجه والظهور بمظهر “الابطال” على الاقل في مناطقهم وحواضنهم؟ ألم يكن من الافضل للحكومة ان تعزز من مكانة القوى التي قاتلت تنظيمات القاعدة وطردتها من مناطقها تلك التي اطلقت عليها اسم قوات “الصحوة” والتي اصبحت في وقت ما هدفا للارهابيين كونهم قاتلوهم جنبا الى جنب قوات الجيش من جهة، وهدفا لقوات الحكومة بعد اتهامهم بالارهاب؟
اذا كانت “معركة بغداد” التي يبدوا ان التخطيط لها قد تم على اعلى المستويات ونتائجها هي جزء من حملة المالكي الانتخابية وهي امتداد لتحشيدات و صولات ومعارك سابقة، فلتكن ومن اجل البدأ بمشروع بناء الدولة عن طريق استقرار الاوضاع السياسية والامنية وللحد من مقتل آلاف الابرياء من ابناء شعبنا آخر معارك قادسية المالكي. فهل ستكون كذلك ام هناك امامنا معارك اخرى.
ختاما اذا كانت حجة المالكي عدم قتال “داعش” في الفلوجة هو خوف السلطة على مواطنيها لانهم يتحصنون بين الاهالي، فأن الامر سيكون كذلك ايضا اذا تمكن هؤلاء الذين ثقافتهم نشر الموت والرعب بين الابرياء من دخول بغداد أو بعض بغداد، بل ان جرائمهم بين صفوف المدنيين ستكون فضيعة واكثر بشاعة كون بغداد ليست ذات صبغة قومية او دينية او طائفية واحدة كما الفلوجة. أن اي تلكؤ من قبل المالكي في حسم أمر داعش في الفلوجة يصب في صالح الارهابيين الذين قد يعززون من مواقعهم ليس بالفلوجة فقط بل وفي مناطق اخرى، ويصب ايضا في مصلحة المالكي الذي يلعب على عامل الوقت لحين موعد الانتخابات الذي تهيأ له منذ فترة ليست بالقصيرة عن طريق الشحن الطائفي والدخول في صراعات على مختلف الجهات، وقد تكون تأجيل الانتخابات واطالة عمر حكومته احدى نتائج سياسة المالكي المرعبة.