المرتقب اتفاقية سورية أمريكية اسرائلية وهذه الاتفاقية سوف تقلب السحر على الساحر, وتعيد المياه لمجاريها في سوريا ويسوق لموقف أمريكي جديد اتجاه المنطقة.

كنت  أحاول دائما الأبتعاد عن الحديث لما يجري من كوارث في سوريا لكي لا أتخذ موقفاً لا أعرف عن ما يدور هناك من مؤامرة أو ما يسمى (بالربيع العربي). لكن أهمية ما يحدث في سوريا وأثره المستقبلي على الأوضاع في العراق دفعني لكتابة هذا المقال.

لكل ما جرى ويجري سببين رئيسين هما..

 أولاً – أصبح واضحاً للجميع بأن ما يحدث في سوريا من كوارث مدعوم دولياً واقليماً والصراع ليس داخلي من أجل اصلاحات أو تغير لنظام الحكم. وما حدث في ليبيا وتونس ومصر واحدث اليمن والبحرين والسعودية يدل على أن هناك مخطط أمريكي اسرائيلي وبمساعدة ودعم دول أوروبية وخليجية لتنفيذ ما تبقى من مشروع شرق أوسط جديد…وأهم ما يخطر في البال تأمين أمن اسرائيل واستنزاف طاقات وموارد بلدان المنطقة.

ثانياً – التخوف الحقيقي من قوة ايران النووية وتحالفاتها مع اطراف بات لها اساس قوي في ادارة السلطة في العراق وحزب الله اللبناني والحكومة السورية، وقد تمتد تفوذ ايران لتشمل بعض  دول أفريقية ولاتينية لتشكل جبهة مناهضة للامبريالية العالمية المتمثلة بأمريكا واسرائيل ومن يساندها.

وهنا لا يمكن لامريكا ان تبقى تنظر للتوسعات الايرانية خصوصاً اذا امتد لروسيا والصين ودول لها قوة اقتصادية ليشكلوا بالتالي قوة عظمى تواجه أمريكا، أي القضاء على زمن القوى العظمى الوحيدة أو من أجل توازن القوى العالمية وقد نرجع لزمن المعسكرين المتناحرين أو المتفاهمين من أجل ضمان مصالحهما.

لو نجحت السياسة السورية في تفويت الفرصة على الاسلاميين  في سوريا من خلال قبولها بالتفاوض مع أمريكا واسرائيل لضمان أمن اسرائيل وقد نجحوا اكثر من غيرهم مع ان الجولان محتلة من زمن بعيد فلم تطلق أي رصاصة اتجاه اسرائيل ولا حتى الاراضي المحتلة…فأي نظام اسلامي يأتي للحكم يضمن لأمريكا واسرائيل مثلما ضمنت سوريا على أرض الواقع، وان كانت تقدم كل الدعم لحزب الله و للفلسطينيين بصورة غير مباشرة أي نقلت دائما الحرب والمشاكل خارج أراضيها.

لكن هل سوريا قادرة ان تضحي بعلاقاتها الاستراتيجية مع ايران وحزب الله في آن واحد…هنا احتمالين

1-    ان يكون لايران دور في قبول مثل هذا التفاوض لكسب الوقت

2-    أو ان سوريا ترى مصلحتها يحتم عليها فعل اي شيء للخلاص من الامر المحتوم

 

لكن الوضع الدولي والاقليمي والخليجي العربي تغير الآن لصالح سوريا (الحكومة)، ولعله لصالح الشعب السوري أيضاً، والسبب يعود للآتي

 

لم تتوصل دول محور الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لقرار شن حرب مثل ما جرى في العراق ولا لتوجيهات ضربات الناتو كما حصل في ليبيا، ولم يصل مجلس الأمن لقرار مشترك من أجل تغير الحكم في سوريا بالقوة وهنا كان لروسيا والصين موقف واضح.

ولا يمكن لتركيا أن تتدخل عسكريا دون موافقة أمريكا بالدرجة الأولى…من الخاسر من كل ما يجري على أرض سوريا اليوم.

 

الخاسر الأهم هو الشعب السوري وبالخصوص الأبرياء..والخاسرين على المستوى الاقليمي هم السعودية وقطر وتركيا والدول التي دعمت توجهاتهم بخجل وتحت الطاولة.

وهنا ممكن طرح سؤال هل أن أمريكا بهذا القدر من السذاجه أن تقبل التفاوض مع سوريا دون تعهدات مثلا بالتخلي عن دعم حزب الله أو كشف أوراق ايران والدخول في خدمة المصالح الأمريكية الاسرائيلية.

أصبح لتركيا دور مهم  في التغييرات الحاصلة في المنطقة بكاملها، فلتركيا  دخل كبير في العراق، وتركيا حصلت على مكاسب اقتصادية كبيرة بعد عام 2003 والشركات التركية تعد الأكثر فعالية في العراق، ولتركيا نفوذ قديم في العراق يرجع لفترة الامراطورية العثمانية…وعالمياً تركيا انتجت فكراً أسلامياً أكثر قبولاً من الفكر الاسلام الذي يتبعه بعض البلدان الاسلامية في معاداتها للغرب.

وتركيا انتقلت من دولة مديونة لدولة منتجة ومن مستوردة لمصدرة وأصبح لها موقع سياسي في المنطقة بكاملها وهي الدولة الأكثر حليفة لأمريكا وفي ذات الوقت تحاول الدخول للسوق الاوروبية بل تعتبر الجسر المهم بين اوروبا والعالم العربي والاسلامي.

باختصار …أتصور بأن ما يمسى بالربيع العربي في سوريا سرق من قبل السعودية وقطر وتركيا لكنهم فشلوا في تحقيق أهدافهم لتشكيل محور الاخوان والذي يمتد من ليبيا …تونس …مصر وســوريا، وهذا الفشل سيكون له تأثير في داخل تركيا والدول الخليجية التي دعمت مخططات أمريكا واسرائيل.

الهدف غير المعلن لقبول اسرائيل بان تتكون دول عربية دينية (أخوانية) هو لكي تحصل على مباركة دولة دينية اسرائيلية وتطرد ما تبقى من فلسطينين وتكون القدس بدون أي منازع عاصمة لدولة اسرائيل وبمياركة مصر، تونس وتركيا واذا تغير الوضع لصالح الاخوان في سوريا، لكن أرى بان القادة السوريون قادرين ان يمنحوا تطمينات لاسرائيل ولهم فعلاً تجربة فيما يخص جولان.

سرقت الربيع العربي من قبل السعودية وقطر ودخول تركيا على الخط بات أمراً مفضوحاً وقد حسرت المخابرات الأمريكية هذا الرهان بين مؤسساتها وهذا من أهم الأسباب الذي يغير رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وأوبا قد وقع على تنحيه عندما وافق على هذا المشروع…أمريكا متعودة للدخول في الصراع من خلال زج جيوشها وتحريك بوارجها لتفرض هيبتها وهيمنتها على العالم وتكون فعلاً وقولاً الدولة العظمى الوحيدة في الكون.

عباس النوري