دخل المكتبة، ليقتني حاجة له، إذ بمالكها يقول لصاحبه وهو يجادله بصوت مرتفع .. أرأيت ماحدث؟، ألم تنظر إلى الدماء وهي تسيل في مصر؟. إن الذي يحدث بسبب عدم طاعتهم لولي الأمر. ألم نقل لهم طيعوا ولي الأمر، ولو كان عبدا حبشيا.
ثم راح يعدّد صفات ولي الأمر، التي بموجبها تحق السمع والطاعة، قائلا .. ولو كان أحقر الناس، وأذل النّاس، ولو كان أسوأهم جميعا، ولو عُلم عنه الفسق والمجون، فإنه يجب طاعته والامتثال لأوامره، مالم ينهك عن صلاة، ويمنعك عن صيام، ويحجبك عن حج، ويحول بينك وبين زكاة.
تدخل الزائر وقال .. لكنك خرجت عن ولي الأمر في سورية. وخرجت عن ولي الأمر في ليبيا. وأنفقت الأموال، ووزعت البلايين، وحُشرت لك المنابر والأقلام، واشتريت الأسلحة بأثمان باهظة، وقدمتها لمن تعتبرهم “مجاهدين !”، واستعنت بالعرب والعجم، وبالجار والغريب، ليزيحوا ولي الأمر، ويكون عبرة لكل ولي أمر، يرفض الانصياع لكبير ولي الأمر.
ثم أردف قائلا .. في أية شِرعة، يجب طاعة ولي الأمر في عدم الخروج عنه في عدم التظاهر عند هؤلاء. ووجوب الخروج عن ولي الأمر عند أولئك، بل يجب هدر دمه، وتدمير دولته ومجتمعه؟.
ثم واصل الحديث قائلا .. قل لي بربك، أيهما ولي الأمر الذي تجب طاعته؟. وأيهما الذي خرج عن ولي الأمر، وتجب معاقبته؟. وأيهما أحق بالملامة والعتاب؟ ..
هذا ولي أمر منتخب، وهو كغيره من المنتخبين، له دركات ودرجات، ولايختلف في شيء عن ملوك ورؤساء الدول المتخلفة، لكنها مشيئة الصناديق، التي يجب أن تحترم، ولو أفرزت عبدا حبشيا. فهو ولي أمر الجميع، بما فيها 48% الذين لم يمنحوه أصواتهم، ورغم ذلك .. يُعزل، ويُسجن، ويُحاكم، وتُكسّر أقلامه، وتُحجب سماءه، وتُكمّم أفواهه. ويقال له إيّاك إيّاك، أن تعصي ولي أمرك، الذي أدخلك غياهب الجب، وجعل أعزّة أهلها أذلة.
أم هذا الذي امتطى الدبابة المدرّعة، وانتهك حرمة الصناديق المربعة، وصاح في الجميع، لاخير في الصناديق بعد اليوم، وجعلها هشيما تذروها الرياح. وعوض أن يُكرّم الفائز، ولو كان كارها لشخصه، مُبغضا لمنهجه، جعل من حطب الصندوق، نارا تأكل أفئدة الكبار، ولهيبا يحرق بها قلوب النساء والصغار.. فأمسى صاحب الصندوق، سجين صندوق، وانتزعت منه المفاتيح، وغلّقت عليه الأبواب، وأمست في يد عبد الفتاح، يفتح بها على من يشاء .. لشيخ العسكر الذي أفتى له بجواز الخروج عن الصندوق، وآخرون منحوه التفويض، وأخ عربي وهبه المال وأغدق عليه بما يُسيل اللُّعاب .. إذ بولي الأمر، الذي نال الصدارة بالأصوات، وساد عشيرته بالصناديق .. تحت الأحذية الخشنة.
والسؤال المطروح، لكل من كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ. أي وليّ الأمر أحق بالطاعة، وأيهما تجب طاعته وعدم الخروج عنه .. هذا المنتخب؟. أم ذاك المغتصب؟