تبادل الهدايا من شيم الأفراد والدول، إن لم تستطع إزالة الضغائن والأحقاد، فإنها تبقي نافذة مفتوحة على أمل أن يعود الدفء وتتحسن العلاقات. لكن هناك إستثناء في الحالة بين الجزائر وفرنسا، ألا وهي..

كلّما بالغت الجزائر في تضخيم الهدايا إلى فرنسا، وكان سبّاقة في تقديم ماهو غال وأصيل، كلّما بالغت فرنسا في شتم الجزائر بكل أنواع السباب، دون مراعاة للهدية الثمينة التي قدمت لها، والتي لم تحلم بها طيلة حياتها، ولن تحلم بها أبدا.

وحين يعود المرء للأسباب، يجد أننا نحن الجزائريين نتحمل وزر شتائم فرنسا، لأننا كنا سببا في شتم الجزائر على أيدي من لم يعرف قدر الهدية ولم يقدّر صاحب الهدية.

يعود صاحب الأسطر بالذاكرة إلى الوراء، فيتابع عبر صفحة زميلنا Anis Bouzid، مقطعا لزيارة فاليري جيسكار ديستان للجزائر سنة 1975، رفقة بومدين، فيلاحظ..

نفس المبالغة في الترحيب، ونفس التملق المذموم، ونفس الشعارات المكتوبة باللغة الفرنسية، ونفس الحناجر التي تصرخ بحياة الرئيس الفرنسي. لم يتغير شيء سوى الألون. البارحة كانت بالأبيض والأسود، واليوم أمست بالألوان.

إذن المبالغة المفرطة من طرف الجزائر في إستقبال رؤساء وساسة فرنسا، كانت وستظل عاملا من عوامل شتم فرنسا للجزائر، فوجب التخفيف منها، والحد من المبالغة، والتعامل مع الزيارة على أنها زيارة عادية كغيرها من الزيارات التي لاتلفت الانتباه، وأن تمر بهدوء دون ضجة إعلامية، وصخب الأقلام، ودون إجراء مقابلات وندوات صحفية، ويكفي أن تكون داخل القاعات وبين المعنيين .

والمبالغة الثانية تكمن في كون الجزائر بالغت بشدة في تقديم الهدايا الثمينة والأصيلة لرؤساء فرنسا. كالحصان العربي الأصيل، والبرنوس الأصيل، ومفتاح مدينة الجزائر، والترحاب المبالغ فيه الذي حظيت به عشيقة هولاند. وكانت النتيجة كارثية بكل ماتحمل الكلمة من معنى..

السكير ساركوزي يشتم الجزائر، وهو الذي أهدي له حصان بربري أصيل، لم يحلم به طيلة حياته.

والعشيق هولاند يشتم الجزائر، ويتهمها ظلما بأنها إرتكبت مجازر ضد أبنائه المدللين من الحركى، وهو الذي أهدته الجزائر رفقة عشيقته.. حصانيين أصيلين، وسرجين تقليديين مطرزين باليد، لن يحلم بهما طيلة حياته.

طبعا لايلام السكير، ولا يلام العشيق الذي أهدانا لعبة أطفال تتمثل في حصان خشبي بحجم اليد، فهذا طبعهم وتلك أخلاقهم، لكن يلام الجزائري الذي بالغ في الحفاوة ، والتودد المذموم عبر الهدايا الثمينة الأصيلة، لمن لايستحقها.

وجب وعلى جناح السرعة، وضع حد للهدايا الثمينة والأصيلة التي تقدمها الجزائر، خاصة تلك المهداة لفرنسا. فلا يعقل بحال أن الجزائر مازالت تقدم برنوس الأمير عبد القادر، لمن أهان، وقتل، وعذّب أبناء وأحفاد الأمر عبد القادر.