الإعلام من أنجح الوسائل وأخطرها فى إضفاء الشرعية على التنظيمات الإرهابية وإبعاد صفة الإرهاب عنها، ومن أمثلة الكتابات الصحفية التى تزيف الحقائق وجدت أثناء قراءتى لمقال فى أحد المواقع العربية الألكترونية يحكى عن فتاة يزيدية تبتسم بعد رحلة رعب مع الدواعش، كان كاتب المقال منصفاً ونقل الواقع بأمانة صحفية واصفاً معاناة فتاة يزيدية ورحلة الرعب التى قضتها بين أيدى الدواعش أى تنظيم داعش فى عنوان مقاله فقط، لكننى ومنذ بداية المقال لاحظت أن الكاتب يستخدم وصف: الدولة الإسلامية لتنظيم داعش كالآتى:
 
 
[.. فى أيدى الدولة الإسلامية، .. على أيدى متشددى تنظيم الدولة الإسلامية، .. لإنقاذها من أيدى المقاتلين الإسلاميين، .. لدى مقاتلى الدولة الإسلامية، .. تعقب تنظيم الدولة الإسلامية، .. والزواج من أنصار الدولة الإسلامية، ..].

المقال كان قصيراً وكان واضحاً أن الكاتب يتجنب وصف داعش بالتنظيم الإرهابى أو وصفه بأسم داعش فقط، ويبدو أن أسرة تحرير الموقع كتبت له العنوان وأستكمل هو باقى المقال لأن العنوان هو المكان الوحيد فى المقال الذى أحتوى على كلمة الدواعش، عموماً فى العبارات التى أوردتها بين معقوفين نلاحظ أن الكاتب من بداية فقرات مقاله ذكر عبارة: أن الفتاة وقعت فى أيدى الدولة الإسلامية، وهى عبارة قانونية شرعية أى الدولة الإسلامية دون إضافة صفة الإرهاب أو العنف، لكنه فى العبارة الثانية أعتبر هؤلاء الإرهابيين مجرد متشددين فى قوله” على أيدى متشددى تنظيم الدولة الإسلامية”، وكأن أعمالهم وأفعالم من قتل وذبح وسبى وصلب الجثث مجر أعمال متشددة لا أكثر، وبما أنه يعتبر داعش دولة إسلامية فإنه لم يجد حرجاً فى وصف الإرهابيين التابعين له بالمقاتلين الإسلاميين، أى أنهم مقاتلين فى جيش الدولة الإسلامية وكأننا لسنا أمام مرتزقة تنظيم إرهابى بل أمام دولة إسلامية معترف بها محلياً ودولياً، وأستخدم فى بقية المقال لفظ ” تنظيم الدولة الإسلامية، .. أنصار الدولة الإسلامية، وتحاشى تماماً ذكر كلمة داعش فى مقاله الذى يساند الإرهاب بكل وضوح!!

هذا إعلام تضليلى له أهداف خبيثة للتأثير على صورة تنظيم إرهابى وتجميله ليقنع القارئ بأنه أمام دولة إسلامية لها الحق فى إرساء الالشرع الإسلامى، ولا أعتقد أن موقع محترم على الأنترنت يكتب خبر أو مقال دون ذكر كاتبه ويسمح أن يكون مضللاً بهذا الشكل ومنحازاً للتنظيم الإرهابى داعش، من عدم الأمانة وتحسين صورة الإرهابيين وإضفاء الشرعية على إرهابهم وكأنه عمل روتينى لمقاتلى دولة إسلامية، أعتقد أن واجب الموقع التحقيق مع كاتب هذا المقال المناصر للإرهابيين والإهتمام بمراجعة الأخبار والمقالات التى تنشر على الموقع حتى لا يفقد مصداقيته، وكأننا نصارع الهواء فى مكافحتنا للإرهاب بوجود مواقع بها مقالات تشجع الإرهاب وكأن كاتبها مقتنع بأنها فعلاً دولة الخلافة الإسلامية!!

قد يهمس أحد القراء الطيبين فى أذنى قائلاً: أنت مبالغ جداً وتتحامل على كاتب هذا المقال، أجيبه بأننى أنقل حرفياً حقيقة ما جاء بالمقال الموجود على الأنترنت وما يؤكد كلامى وكلام المقال، أن الكاتب أورد عبارة فى نهاية مقاله سردتها أخت الفتاة التى عنون بها مقاله وهذه الأخت أسمها شنار ذات ثلاثة عشر سنة والعبارة هى: ( وقالت شنار “داعش كانت تراقب كل تحركاتنا. وكان الوضع خطرا جدا على الجميع” مستخدمة اسما شائعا لتنظيم الدولة الاسلامية. وظلت شنار محتجزة في منزل هذا الرجل 55 يوما.).

أتوقف هنا أمام قصة هذه الصبية التى رآها مواطن عراقى فى السوق المحلى قبل أن تبدأ داعش فى عمل المزاد العلنى لبيعها مع الآخريات، وقال إنها صغيرة جداً فأشتراها الرجل العراقى الكريم ودفع ثمنها ألف وخمسمائة دولار( 1500 دولار)، وأخذها إلى بيته وسمح لها الإتصال بأهلها وأحتجزها فى بيته ولم يسمح لها بالخروج خوفاً على حياتها ليحميها من الدواعش الإرهابيين، هذا المواطن العراقى السنى الذى أنقذ حياة شنار اليزيدية هو مثال المواطن الوطنى الذى يتحلى بقيم إنسانية يندر وجودها فى مجتمعاتنا العربية العنصرية، هذا المواطن العراقى أعطانا درساً أتمنى أن يستوعبه الجميع وأقدم له خالص الشكر والتقدير على تقديمه هذه الهدية التى لا تقدر بثمن لتحيا الصبية شنار من جديد وأتمنى أن يلتئم شمل عائلتها من جديد وتحيا حياة أسرية سعيدة بعيداً عن أيدى وأنصار الإرهابيين.

أرجع إلى العبارة التى نقلها كاتب المقال ووضعها بين قوسين صغيرين ليعقب على كلامها مباشرة ليزيد الطين بلة كما يقول المثل، ويؤكد لنا جميعاً أنه لا يعترف بأسم داعش وإرهابه بل نجده فى محتوى تعقيبه كأنه يتهم المجتمع الذى يشيع فيه أستخدام أسم داعش الغير شرعى فى نظره لتنظيم الدولة الإسلامية، وها هو الكلام على لسانه: ( وقالت شنار “داعش كانت تراقب كل تحركاتنا. وكان الوضع خطرا جدا على الجميع” مستخدمة اسما شائعا لتنظيم الدولة الاسلامية.)، هنا يذكر الكاتب مضطراً أسم داعش على لسان الصبية معقباً عليه ومصححاً بقوله” مستخدمة اسما شائعا لتنظيم الدولة الاسلامية.”، والملاحظ أن الكاتب بإصرار عقيم يريد تغيير الواقع والحقيقة ويضفى عليه لمسات تجميلية ليتقبله القارئ بأعتبارهم مجرد مقاتلين مسلمين متشددين يدافعون عن الدولة الإسلامية!

إن المقالة موضوع التعليق كاتبها عربى ومنشورة فى موقع عربى أى أنه لا توجد مؤامرة علينا نحن العرب، بل نحن نتآمر على أنفسنا عندما نترك العقل جانباً ونرفع عالياً راية التدين والإرهاب، إن كاتب المقال العربى كتبه بمحض إرادته دون ضغوط إستعمارية ليقدم الدعم الأخوى لإخوته فى الدولة الإسلامية” داعش” الإرهابية، وكفانا نفاق أنفسنا بأننا أبرياء من الإرهاب وهو فى الحقيقة صناعة عربية من مصانع الخلافة الإسلامية.

إن الإنحدار والإنحطاط المهنى إلى هذه الدرجة فى شخص هؤلاء الذين يمسكون بأقلامهم ويستغلون عملهم الإعلامى ليقدموا خدماتهم للإرهابيين، يجعل من الصعب مكافحة وإستئصال الإرهاب والفكر الداعم له ويساعدوا أكثر فى أستمرارية سفك دماء الأبرياء، وتأصيل أسم الدولة الإسلامية بدلاً من عدم ذكره وتأصيل أسمه الحقيقى داعش الإرهابية!!!