بما أن الإستفتاء هو تصويت جميع المواطنين المؤهلين على مشروع أو مسودة وضعت من قبل البرلمان أو الحكومة أو أية سلطة حكومية ، فهو إذن آلية من آليات الديمقراطية المباشرة وعن طريقه يبدي المواطن الناخب وبكل شفافية رأيه في مسألة سياسية أو مصيرية. ولنتائج التصويت على الصعيدين الدولي والوطني درجة عالية من الشرعية.

 صحيح أن شعب كوردستان إختار وبشكل طوعي ان يكون جزءاً من العراق شرط أن يكون فيه شريكاً حقيقياً وفاعلاً وشرط أن يكون النظام في العراق ديمقراطياً تعددياً إتحادياً فدرالياً ، لكن الذي رآى هذا الشعب المناضل هو السياسة الفاشلة للسيد المالكي المصبوغة بالرفض والإلغاء والجهل والخداع ، الذي حكم کرئيس للوزراء مدة ى سنوات عجاف ، بعد تحويله الهوية فخاً وعصاباً والعراق مصنعاً للإرهاب وعدم الاستقرار بعد ممارسته  الحكم الفردي والإستبداد بعقليته الإصطفائية و ثنائيته الحصرية و منهجه الأحادي وشعاراته المقدسة وإدعاءاته المركزية بشأن السلطة والحكم ، مهملاً قيم المساواة والعدالة والعقلانية ، مولداً بذلك الحروب الأهلية والإختلافات الوحشية بين عناصر المجتمع وفئاته.  فالهاجس الوحيد لنوري المالكي في السابق وللآن هو الحفاظ على الولاية والسلطة والإستمرارعلى العمل في سبيل قولبة وتدجين وتعبئة وعسكرة المجتمع و رفضه حفظ كرامة الإنسان العراقي وإحتكاره للسلطة وممارسته الوكالة الحصرية و خروقاته المتكررة للدستور الإتحادي أنجبت الأزمة الحالية. من جانبنا لانخفي على أحد ان هدف شعب كوردستان هو الاستقلال وهو حق طبيعي لهذا الشعب ، الذي كان في الماضي ضحية السياسات القمعية والوحشية للحكومات المتعاقبة في العراق المصطنع وهو لايستطيع بعد الآن أن يبقى مدى الدهر رهينة مستقبل مجهول ، بل يعزم وبكل جرأة على إجراء استفتاء شعبي على خيار الاستقلال بعد مدة قصيرة من الآن بعد موافقة برلمان كوردستان على ذلك.
في السابق كررنا أكثر من مرة بأننا نريد ممارسة حيويتنا الفكرية وحرياتنا الديمقراطية لنحتل موقعاً على خارطة العالم ولا نريد أن نمارس علاقتنا بهويتنا على سبيل العجز والتخلف والضعف والهشاشة. عراق اليوم.
أما التصريحات الأخيرة غير المسؤولة  لرئيس الوزراء الاتحادي نوري المالكي ، الذي لم يتخذ سياسات كفيلة بوضع حد لحالة الفوضى والعنف التي أغرق العراق على صعيد يومي وبمباركة ودعم واضح لحكومته للنهج الطائفي والإقصائي ضد المكونات الأخرى للشعب العراقي ، فهي تحمل في طياتها العدوانية ، خلالها يتهم إقليم كوردستان جزافاً وإفتراءً ويقول: أن شعب كوردستان يستغل الأوضاع للسيطرة على الأراضي ، المسمى بـ”المتنازع عليها”. فالسيد نوري المالكي الذي عاش في كوردستان وأكمل دروسه في جامعاتها يعلم علم اليقين أن تلك المناطق كوردستانية بحتة وأن الكورد لم ولن يتمددوا أو يتحركوا أو يتوسعوا في يوم ما على حساب الآخر ولم يسيطروا على أراضٍ غير كوردستانية خارج إقليمهم. فهو بعمله هذه يريد قلب الحقائق وإلقاء اللوم على الآخرين ، لتغطية إخفاقاته الكبيرة في الداخل ، تلك الإخفاقات التي وضعت العراق تحت خدمة أطراف إقليمية أسهـمت في إذكاء نار الفتنة الطائفية بشكل لم يعهده العراق في تاريخه. لو كان المالكي مهتماً بالأدب والفن لأقترحنا له أن يشاهد مسرحية “أنريكو الرابع” للكاتب الإيطالي لويجي بيرانديللو ، كي يكشف إزدواجيته في الشخصية و تماهيه بين الممثل ودوره. نقول هنا وبكل صراحة أيضاً أن سياسة المالكي أنتجت كل هذا الخطرعلى العراق وعلى المنطقة. فالعقلية والأيديولوجية المتطرفة والسياسة الأحادية المتهورة هندست مآسي العراقيين والاضطرابات في المنطقة. لو قام هو بتوظيف قدرات الدولة العراقية ، وثرواتها لخدمة تنمية العراق ومصالح مواطنيه ، ولو لم يقم هو بإقصاء السنة و تهميشم أو بقطع ميزانية إقليم كوردستان ولم يفرض على الكورد والسنة الحصار لكان العراق والمنطقة بألف خير وسلام. شعب كوردستان يريد أن يسهم مع إخوانه السنة والشيعة في معالجة الأزمة ، التي يمر بها العراق ، لکن التطورات الأخيرة في العراق أثبتت أن هذا البلد لا يستطيع أن يبقى على ماكان عليه في السابق. فهو مقسم حالياً وللشعب الكوردستاني الحق أن لا يتخلى عن هدفه ومشروعه الأساس المؤدي الى استقلالية إقليم كوردستان. وما على القيادة الكوردستانية إلا إحترام قرار الشعب والإلتزام به ، على أمل أن يحترم الآخرون ودول الجوار والمجتمع الدولي قرار شعب كوردستان. وختاماً نقول: لا أحد يستطيع هدم التجربة الكوردستانية و كسر إرادة شعب كوردستان أو جرهم الى  الطريق المسدود ، فلا يمكن بعد اليوم أن يطغى المحتوى السلفي الإرتدادي على البعد التنويري والمستقبلي في كوردستان ولا عقلية الإستبعاد والإقصاء على لغة الإعتراف والشراكة والتبادل. ففي عالم تنهض فيه الشعوب ضد الحكومات المركزية المستبدة لا يمكن للشعب الكوردستاني الابي أبداً أن يقبل بأن يحكمه طغاة غرباء كما في السابق يطاولون الطغيان برأسهم كلما سنحت لهم الظروف. فأهلاً بالإستفتاء ومرحباً بالإستقلال.