في بداية عقد سبعينات القرن الماضى , أخذت تلوح في الأفق بوادر مرحلة انتقالية مفصلية هامه في وجهة ألاقتصاد ألعالمي الحديث بعد ان كان في حال الاقتصاد التقليدي وبالتالي الدولة التقليدية التي لم تتضح معالمها السياسية والاقتصادية بعد والتي تشكلت ما بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية وقيام هيئة ألأمم المتحدة بديلا لعصبة ألأمم التي سبقتها 0
وكنتيجة حتمية للتقدم العلمي والتكنلوجي الذي وصلت اليه دول العالم ألأول في مقدمتها ألولايات ألمتحدة ألأمريكية لابد أن تكون هناك مراحل لاحقه تكميلية لمسيرة ألدولة الحديثة قد تكون منعطفات ومراحل مفصلية هامه تنقل الدولة سياسيا واقتصاديا بالاضافة الى شتى مجلات حياة ألدولة , وبالتالي ألأثر على مجموع المنظومة الدولية والمجتمع الدولي 0
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية استطاعت الدول المنتصرة بقيادة ألولايات المتحده الى صياغة لغة تفاهم تقوم عليها اسس التبادل التجاري والاقتصادي الدولي فيما بين اقتصاداتهم وبالاضافة الى اقتصادات دول أعضاء ألمنظومة الدولية , وقد تم الاتفاق على صيغة بنك صندوق النقد الدولي يعتمد على مبدأ (رصيد مخزون الذهب) ألذي تمتلكه كل دولة كغطاء ذهبي , وبموجبه يتم اصدار كمية عملتها , كما ظهر صندوق آخر مهمته اعادة اعمار وتأهيل اقتصادات ألدول التي دمرت بسبب ألحرب العالمية ألثانية وخاصة اقتصادات غرب اروبا بريطانيا فرنسا اسبانيا وألمانيا ألغربية وغيرها , وقد أطلق عليه فيما بعد مشروع مارشال 0
تابع ألاقتصاد ألدولي مسيرته معتمدا الاسس التي تم اعتمادها لفترة ما تتزيد على العشرون عاما وفي منتصف الثاني لعقد ستينات ألقرن الماضي , تنبه الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول بحنكته (انه لا علاقة بين الذهب والعملة واقتصاد ألدولة وان اقتصاد الدولة وعملتها يقيم ويقدر بالميزان التجاري لديها) وقد أقدم على سحب مخزون فرنسا من الصندوق بعد أخذه موافقة مستشاريه ألاقتصاديين واتمام دراسة نظريته ألاقتصادية ألهامة والموافقة عليها , وكانت فرنسا الدولة ألأولى بين ألاعضاء في سحب رصيدها ألذهبي من الصندوق ثم توالت عملية ألانسحاب لباقي ألاعضاء وكان آخرها عام 1973 0 بعد عملية ألانسحاب قامت جميع الدول ألأعضاء منفردة على انشاء بنكها ألخاص بها (ألبنك ألمركزي) وتم ألاحتفاظ بالذهب ألخاص بها و اعتباره كورقه نقديه / كموجودات سائله / ويتم استخدامها من قبل البنك بحكم مسؤوليته عن سياسة ألانعاش ألاقتصادي للدولة – في السوق ألمحلي والدولي – عبر السياسة النقدية والسياسة المالية 0
بعد تمام عملية الانسحاب للأرصدة عام 1973وظهور الحاجة الملحة أن يكون هناك اعادة صياغة ووضع وحدة بناء مالي اقتصادي دولي جديده , تم عقد اجتماع اقتصادي دولي بين الدول ألكبرى في ذالك التاريخ بقيادة ألولايات ألمتحدة للوصول الى صيغة مشتركة اقتصادية عالمية حيث تم التوصل الى وحدة ألبناء ألمنشودة تحت اسم (وحدة البناء ألمالي الدولي) (Financial Constructing Unit , FCU)
حيث تم اعتماد ورقة ألدولار للولايات ألمتحدة كوحدة قياس فقط في تلك اللحضة داخل صندوق النقد وليس داخل سوق ألولايات ألمتحدة ! 1 USD = 1 FCU ) ) ويكون اعتماد احتساب الوحده على جميع عملات ألدول ألكبرى (ألعملات الصعبة ألرئيسة ) بقيادة ألدولار ألأمريكي ألاقتصاد ألأقوى ألمهيمن دوليا آن ذاك , وتكون وحدة ألبناء وحدة ثابتة وغير متحركة والمتغير والمتحرك هو عملة كل دولة والتي تعتمد قيمتها السوقية (قوة ألصرف) قوة اقتصاد كل دولة والميزان ألتجاري ارتفاعا وهبوطا وملاحضة أثر ألاستقرار ألسياسي لكل دولة على اقتصادها واعتباره مرآة لسياستها ! والعملية الحسابية تتم من خلال أوراق حقوق السحب الخاص والأسواق المالية (البورصات) والتي توالت بالظهور مباشرة ثم ظهور منظمة ألتجارة ألعالمية
(ألجات) , من هنا نجد أن ألعالم قد دخل مرحله اقتصادية وسياسية انتقالية وهامة بقيادة اقتصادات ألدول ألكبرى ألمؤثرة في الاقتصاد الدولي – بريطانيا , فرنسا ,ألمانيا ألغربية , أليابان , والولايات ألمتحدة كدولة عظمى ذات ألاقتصاد ألمهيمن عالميا , واعطاء اشارة اكتمال حالة العلمانية للدولة العالمية ألحديثة وأن هناك اشارة لمرحلة جديدة ما بعد ألعلمانية وهي ألعولمة ! كمرحلتين متداخلتين وتكون مرحلة ما بعد ألعلمانية متقدمة ومرحلة سيطرة ؟!
تسارعت ألأحداث ألاقتصادية ألعالمية خلال نهاية عقد السبعينات ودخول عقد الثمانينات والتي كانت أكئر حدة مما سبقها وتوجت هذه ألمرحلة بأهم حدث اقتصادي وهو سقوط ألاتحاد ألسوفيتي ألسابق كدولة قطبية في الاقتصاد الدولي متزعمة ألاقتصاد ألآخر نظير ألاقتصاد ألرأسمالي ألحر ألذي تقوده ألولايات ألمتحدة , واعلان انتهاء ألحرب ألبارده (حرب ألمباديئ ألاقتصادية) ودخول حرب جديده (حرب ألمصالح )0
بعد استلام ألرئيس ميخائيل غوربتشوف في منتصف عقد ثمانينات ألقرن ألماضي سدة حكم ألاتحاد ألسوفيتي ألسابق أدرك بعقليته ألاستراتيجية ألفذة بأن مركب بلاده في مراحله ألأخيرة نحو الانهيار بعد دراسته للوضع ألاقتصادي ألدولي للاتحاد ألسوفيتي ومدى ألمشاركة ألاقتصادية للاتحاد في مجمل ألاقتصاد ألدولي ألكلي GNP)) منذ قيام ألثوره ألشيوعية واستلام حكم ألاتحاد عام 1917وحتى تاريخة !
أسفرت ألدراسة انه منذ قيام الثورة منذ عام 1917 _ 1930 ألمشاركة ألاقتصادية ألدولية للاتحاد لا تقل عن نسبة 45 % من ألاقتصاد ألعالمي GNP وحتى تاريخه متناقصة ولا تزيد لا بل لا تصل الى نسبة 10 % من ألاقتصاد ألعالمي , بعد وضوح ألحالة ألتي وصلت اليه وبسب سياسة ألعسكرة ألتي انتهجها رئيس ألاتحاد ألأسبق (ستالين) عام 1924 والذي حذر من قدومه ألرئيس لينين وهو على فراش موته 0 وقد أدرك ألرئيس غوربتشوف أن ألاتحاد فقد وضعه ألدولي ولابد من حركة اصلاحات ليتم -انقاذ ما يمكن انقاذه – نركز في الاصلاح على دولة ألمركز ألأهم وهناك امكانية انفصال ألأطراف لأنها وصلت الى مرحلة ألبتر للأطراف عن جسد ألدولة ألمنهارة والتى ستكون حمولة زائدة على دولة ألمركز وهناك امكانية ضمها مستقبلا اتحادا كونفدراليا 0
وستكون دولة موسكو وريثة عظمة ألاتحاد ألسابق عاصمة روسيا ألفدرالية ألعظمى بعد اعادة ترتيب و تأهيل ألدولة اقتصاديا , واعادتها الى موقعها ألدولي ألأقوى استراتيجيا وسيكون هناك نقلة نوعية بعد تبني اقتصاد ألسوق ألحر والابتعاد عن ألحكم ألعسكري ألذي أودى بحياة ألاتحاد ألسابق بعد أن أوصلها ألى وضع ألدولة ألعجوز (ألهرمة) اذ أفقدها سبل ديمومتها وعزلها بسبب وقف عجلة تقدمها في ألاقتصاد السياسي وستحافظ على موقعها كدولة عظمى لامتلاكها ألسلاح ألاستراتيجي , ألسلاح ألذي لاتمتلكه سوى ألدولتين ألعظميين موسكو و واشنغتون ,ليس كل سلاح نووي استرتيجي ألسلاح ألاسترتيجي هو ألسلاح ألبعيد ألمدى , أي باستطاعة موسكو و واشنغتون فقط ألوصول الى أبعد هدف على ألكره ألارضية من خلال مكاتبهم (كانت ألدول ألكبرى كبريطانيا وفرنسا في حلف ألناتوا تحت مضلة صاروخي ألكروز أعلى مدى له 4000 كم وألتوماهوك 1300 كم كمتوسطي ألمدى وفي حلف و وارسوا اس اس20 و اس اس 21 وصاروخ بيرشنغ كمتوسطة ألمدى0 (لاحضنا زيارات وزير ألخارجية للولايات ألمتحدة جيمس بيكر خلال محادثاته قي جنيف مع ألوزير ألعراقي طارق عزيز ابان أللأزمة ألعراقية ألكويتية عام 1990 ومفاوضاته لسلطات كييف/أوكرانيا حول الصواريخ ألاستراتيجية ألموجودة داخلها بعد انفصالها عن ألاتحاد ألسوفيتي وضرورة تسليمها الى موسكو ألوريث ألشرعي للاتحاد (حوالى165 صاروخ استراتيجي) وتم تسليمها بالفعل الى موسكو بعد اشتراط كييف/اوكرانيا بدفع3 مليار دولار كتعويض لها )0
تسارعت ألأحداث ألعالمية وألاقتصادية أولا في عقد ألثمانينات وبعد اعتلاء ألسيد غوربتشوف آخر رئيس للأتحاد ألسوفيتي ألسابق سدة حكم ألاتحاد ,أعلن عن برنامجه ألاصلاحي (ألبروسترايكا) لانقاذ ما يمكن انقاذه بعد أن وصلت عجلة ألحياة ألاقتصادية الى ما دون ألصفر نتيجة لما وصل اليه ألاتحاد بسبب ألاقتصاد ألشمولي ألمخطط والموجه عسكريا , ولا ننسى ألدخول ألعسكري ألسوفيتي الى أفغانستان عام 1979 ألخطأ ألجسيم ألذي كان له ألأثر ألأكبروالذي سرع في نهاية ألاتحاد , وللخروج من هذه ألحالة الى حالة ألاقتصاد ألمفتوح (اقتصاد ألسوق ) ألحر0 (لو كان ظهور غوربتشوف في بداية ألسبعينات أقلها لما كانت ألتضحيات جسيمه كما حصلت في عقد ألثمانينات ولن يكون هناك تضحيات تذكر)0
بعد اعلان انهيار ألاتحاد ألسوفيتي وظهور روسيا ألحديثة كوريثة للاتحاد ألاقوى استراتيجيا ومن ألناحية ألاقتصادية دخلت عام 1988 وحدة ألبناء ألمالي ألدولي أل FCU)) وكانت ألعضو رقم 8 في هذه ألوحدة ألمالية 0
ألدول ألمؤثرة بدأت في عام 1973 خمس أعضاء ترأسهم ألولايات ألمتحدة , وبعد دخول روسيا ألفدرالية تم الدخول بمرحلة جديدة في وحدة ألبناء المالي وتم استبدال أل FCU)) والتي كانت تعتمد ألدولار والعملات ألرئيسية ألصعبة ألاسترليني والمارك ألالماني ألغربي والفرنك الفرنسي والين ألياباني , تم ألاستبدال بوحدة جديدة أل (NUC) حيث دخل أليورو ألاروبي الجديد بالاضافة الى الروبل ألروسي ثم توالت ألأعضاء وما وصلت اليه الآن مجموعة ( ألعشرون ) ألاقتصادات ألكبرى ألمؤثره في ألاقتصاد ألعالمي ألبرازيل , ألأرجنتين ,السعودية , ألصين ألمكسيك والنمور ألآسيوية وغيرها 0
بعد ألمرحلة ألانتقالية ألمفصلية ألهامة لعام 73 اصبح دور صندوق ألنقد ألدولي ووضيفته مغايرة لفكرته ألتي تم تأسيسه من أجلها وجدت ألولايات ألمتحدة أن دورها قد انحسر بعد أن كان مسيطرا عليه بشكل كامل وتحت سيادتها ,عملت ألولايات ألمتحده الى اعادة تفعيل دورها على ألصندوق وبسط سيادتها من جديد ,حيث كان ألصندوق طبيعة عمله كبنك دولي تجاري , أخذت ألولايات ألمتحدة اقتراض مبالغ كبيره من ألصندوق حتى وصلت ألولايات ألمتحدة مع نهاية عقد ألسبعينات أكبر دولة مدينة للصندوق (حوالى 300 مليار دولار) وقد حصلت على هذا ألدين بشروط تفضيلية وفائدة ضئيلة لا تذكر (ألدين ألممتاز), حيث أصبحت ألأكبر بين ألأعضاء ألمقرضة لباقي ألدول في ألصندوق وخاصة دول ألعالم ألثالث على رأسها ألدول ألعربية والتي وقعت تحت وطأت عبئ ألديون للصندوق بشروط ألولايات ألمتحدة ,وتقدر ديون ألدول ألعربية نسبيا ما يزيد عن 80% من ديون ألعالم ألثالث وغالبيتها ديون عسكرية بسبب ألحروب والتي افتعلتها ألولايات ألمتحدة 0
مع دخول ألعالم ألمرحلة ألانتقالية ألاقتصادية ألهامة أخذت دول ألعالم ألأول وعلى رأسها ألولايات ألمتحدة باعادة ترتيب نفسها وتحديث نظمها لمواكبة ألتطور والتكيف مع معطيات ومستجدات ملازمة لهذه ألمرحلة الأقتصادية ألهامة , أما ألاتحاد ألسوفيتي ألسابق ومنظومته ألمعسكر ألشرقي فكان في أوج غفلته حيث كانت فرصة ذهبية لتدارك ألانهيار واعادة اصلاح و تأهيل ألدولة وتحديث نظامها لمواكبة ألتطور ألعالمي والتي أدركها ألرئيس غوربتشوف بعد ما يزيد على عقد من الزمن 0
كان لهذه ألمرحلة ألانتقالية أثرا عالميا والأثر ألأكبر على ألعالم ألثالث ألفقير , والأثر ألأعظم على أنظمة ألدول ألعربية والتي مازالت تقليدية وبدائية الى أبعد ألحدود كدولة داخل ألتنظيم ألدولي ألحديث ليس باستطاعتها ترتيب واعادة تأهيل نفسها كدولة نظام ادارة أولا لتقوم بمسؤوليتها في تلبية ألمتطلبات والحاجات ألأساسية وادارة شؤون شعبها ’ وقد بدت ألدولة مظهرة عجزها عن ألوقوف على قدميها لموجهة ألمرحلة كدولة نظام ادارة ثاتيا , كدولة مدنية ؟ وليس كدولة نظام حكم ؟! (هرمه , عجوز) وكان ألعجز والهرم في حال ألنظام ألوراثي أعظم وأصعب وأكثر شيخوخة؟!(عجلة ألحياة متوقفة) من حال ألنظام ألغير وراثي كان يحدث هنا بعض ألتجديد ؟! الى حد ما0(هل يمكن قياس ألعمر ألسياسي للنظام)؟ يقال أن حكم ألفرعون لمصر استمر 3000 عام!!
لقد هرمنا؟؟؟!!! هذه ألجملة ألمشهورة ألتي سمعناها على لسان ألمواطن ألعربي في تونس عام 2011 , نظام ألحكم ألعربي أعلن هرمه وعجزه أمام ألمرحلة ألانتقالية في بداية سبعينات ألقرن ألماضي؟ ألدولة ألنظام سبقت مواطنها اعلان موتها