قبل قراءة بعض ما جاء في خطبة ممثل المرجعية في كربلاء يوم الجمعة ” 4/12/2015 ” والتي تركزّت على نجاح زيارة أربعينية الإمام الحسين وإعتبار هذا النجاح إنتصارا في معركة الأصلاح !!، أرى من الضروري العودة الى أول رسالة للوحي والتي بدأت منها رسالة الأسلام وأحاديث النبي محمد حول طلب العلم والعمل والتحلّي بالأخلاق. ولنرى من خلال هذه الثوابت الثلاثة “العلم والعمل والاخلاق” إن كان رأي المرجعية حول نجاح الزيارة في تعزيز معركة الأصلاح ضد الفساد الذي دمّر بلدنا وشعبنا له ما يبرره وفيه شيء من الصواب!؟
بدأ القرآن بكلمة “إقرأ” إذ جاء في الآيات القرآنية (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَق، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَم، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)، وأختتم النبي محمد رسالته في خطبة الوداع وكانت كلمة الأخلاق هي آخر ما قاله في تجمع واسع للمسلمين “خطبة رسمية” قبل وفاته وتوقف الوحي بعدها عن النزول إذ قال “إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. وبين أوّل آية بالقرآن وآخر خطبة كان العمل حاضرا في أحاديث النبي محمد وآله وصحبه وكيف لا يكون حاضرا وهو نفسه كان يعمل راعيا قبل أن يتاجر بمال خديجة حتّى زواجه منها.
قال ممثل المرجعية في بعض من خطبته بالصحن الحسيني في معرض وصفه للزيارة الأربعينية “ستكون تأكيدا على انتصار العراقيين في الحرب على عصابات داعش الارهابية وبمعركة الاصلاح ضد الفاسدين”!!. لنترك هنا مسألة الانتصار على داعش كونها مسألة وقت ليس الا على الرغم من أعداد الضحايا والخسائر المادية التي ستسببها من جهة وكونها أصبحت قرارا دوليا خصوصا بعد دخول روسيا كطرف مؤثر وفاعل ضد هذا التنظيم الهمجي، ولنعود الى قوله حول الاربعينية من أنها انتصار بمعركة الاصلاح ضد الفساد!!، ولنتساءل عن ماهيّة الفساد وهل هو أداري فقط أم أنه أعظم وأشمل من هذه النظرة الضيقة التي تحصره في جانب واحد، وهل تعطيل الدراسة في المدارس والجامعات والمعاهد على بؤس التدريس فيها شكل من أشكال الفساد؟ وهل تعطيل مصالح المواطنين وإغلاق الدوائر والمعامل على قلّتها ولعشرات الأيام “بشكل غير رسمي” شكل من أشكال الفساد!؟
دعونا نتحدث بلغة الأرقام قليلا عن فساد الدراسة وفساد العمل ونحن نستمع الى تصرح السيد رياض نعمة سلمان مسؤول قسم الشعائر والهيئات الحسينية حول أعداد زوار الأربعينية التي وصلت حسب قوله الى أربعين مليون زائر منذ الاول من محرم حتى العشرين من صفر، وكان نصيب زيارة الاربعين لوحدها وفق ما جاء به هو عشرين مليون زائر، ونقارنه بحديث المرجعية لنرى كم هو حجم الفساد الذي حققته الزيارة هذا إذا وافقتنا المرجعية من أن ترك مقاعد الدراسة وأماكن العمل بشكل أو بآخر منذ الواحد من محرّم وحتى العشرين من صفر هو شكل من أخطر أشكال الفساد. ليس كونهما يؤثران سلبا على مستقبل شعب بأكمله من حيث التعليم والبناء فقط بل لأنهما يتعارضان مع ما جاء بالقرآن الكريم من آيات جئنا على ذكرها أعلاه من جهة ومن أحاديث حول طلب العلم وضرورة العمل جاءت على لسان النبي محمد والأمام علي وكثرة من الأئمة والصحابة. لا أدري إن كانت المرجعية تعتبر ترك مقاعد الدراسة يتناقض وما جاء بسورة إقرأ التي كانت اول ما نزل على صدر النبي محمد لأهمية التعليم والحثّ عليه، أمّا العمل وتركه لأشهر سنويا في عراق الزيارات وأهميته في تقدّم الشعوب فأنني لم أجد في التراث الإسلامي ما يختصره ويربطه مباشرة بالدين الإسلامي الا ما جاء به الإمام علي وهو يقول “لَأَنْسُبَنّ الإسلامَ نِسبةً لم يَنسُبْها أَحَدٌ قَبْلي : الإسلامُ هو التّسليم، والتّسليمُ هو اليقين، واليقينُ هو التّصديق، والتّصديقُ هو الإقرار، والإقرارُ هو الأداء، والأداءُ هو العمل”.
إذن فالإسلام وفقا لمقولة الامام علي هو العمل ومن ترك عمله ترك إسلامه، فهل العراقيين الذين يتركون أعمالهم ودراستهم شهورا عدّة بالسنة من أجل الزيارات المليونية وغير المليونية والتي بدأت تستنسخ نفسها وتتكاثر بشكل غير طبيعي مسلمين، ولنفرض جدلا من أنهم مسلمون كونهم ولدوا كمسلمين فهل هم مؤمنون بدينهم الذي يحثّهم على العمل والتعليم والتحلي بمكارم الاخلاق!؟
دعونا نعود للغة الأرقام التي تحدثنا عنها قبل قليل ولنسأل المرجعية الدينية عن فساد العلم والعمل إستنادا الى الارقام التي ذكرت بداية المقالة ومدى تأثيرها على واقع التدريس والعمل بالبلاد. دعونا نفترض أن أعداد الزوار من العمال والموظفين والمزارعين هم خمسة مليون زائر فقط من مجموع 15 مليون زائر لوجود 5 مليون زائر أجنبي !!! فكم هي ساعات العمل المهدورة وساعات الدراسة المتوقفة خلال عشرة أيام فقط تبدأ من العاشر من صفر وتنتهي بالعشرين منه. لنتجاوز أيام عاشوراء وما بينها وبين زيارة الاربعين وما بينهما من زيارات وأحتسبنا يوم العمل بسبع ساعات ولعشرة أيام من خلال 5 مليون زائر قادر على العمل، سيكون عدد ساعات العمل المهدورة 350 مليون ساعة عمل ومثلها ساعات الدراسة. لو تمّ تنظيف متر مربع واحد في كل ساعة عمل لنظّف الزائرون ما مجموعه 350 مليون متر مربع أي 350 الف كيلومتر مربع من مساحة العراق !! وأترك للمرجعية تأثير غياب 350 مليون ساعة دراسة لتقيمها بنفسها إن كانت فسادا أم لا؟ علما أنّ هذه الحالة التي حسبنا أرقامها بالحد الادنى تعصف فينا منذ 12 سنة لليوم! والآن هل يستطيع شعب أمي وعاطل عن العمل محاربة الفساد أم سيكون مفصل من أهم مفاصل الفساد الذي تستفيد منه الاحزاب الطائفية المدعومة من المرجعية وبقية الاحزاب المتحاصصة؟
وأشار ممثل المرجعية في قسم آخر من خطبته قائلا “لابد من ان نعبر عن عميق اعتزازنا وتقديرنا شكرنا لجميع الذين كان لهم الدور الفاعل والاساس في انجاح هذه الزيارة ومنهم جموع الفضلاء وطلبة الحوزة العلمية الذين انتشروا في مختلف الطرق المؤدية الى كربلاء لتبليغ المعارف الدينية وارشاد الزائرين”.
وطالما ان المرجعية الدينية تطالب بالاصلاح ومحاربة الفساد ، فلماذا لم تطلب من الفضلاء وطلبة الحوزة ومن جموع الزوار التوجه الى الخضراء لمشاركة الواعين من أبناء شعبنا تظاهراتهم ضد الفساد .
وإن كانت هذه الجموع المليونية بزيارتها الاربعينية هي إنتصار للأصلاح ، فلماذا أعداد المتظاهرين ضد الفساد هم بالمئات أو بضعة آلاف في أحسن الأحوال. أن الأعداد القليلة للمتظاهرين مقارنة بالاعداد المليونية للزوار تعني أن هذه الملايين لا يهمّها وطنها قدر مذهبها، وأن حديث المرجعية حول أنتصار الاصلاح بالاعتماد على هذه الجماهير الكسولة التي فقدت كل شيء دون أن يتحرك لها جفن هو حديث في غير محلّه.
أمّا الاخلاق التي كانت آخر ما نطق بها النبي محمد في آخر خطبة له فيجب أن تشمل كل ما هو غير أخلاقي كالكذب والسرقة والرشوة والفساد والخيانة، والمتظاهرين من أجل الاصلاح يتظاهرون ضد الكذّابين والسراق والمرتشين والفاسدين وخونة الوطن وهم ليسو بالملايين بل بضعة آلاف ليس الّا، ولعمري أن من تنطبق عليهم هذه الاوصاف هم من دعوتم الناس لانتخابهم تحت شعار الشمعة التي حرقت عراقنا.
وفي مكان آخر من خطبته قال السيد الكربلائي ان “التزايد المضطرد من اعداد الزائرين من داخل العراق وخارجه لا يتناسب مع ضعف وتواضع ما يقابله من تطور ضروري للخدمات الاساسية للزائرين ومن هنا يتحتم على الجهات المعنية وخاصة في الحكومة الاتحادية المزيد من الاعتناء والاهتمام لتوفير الموارد اللازمة لاقامة مشاريع البنى التحتية والخدمات العامة ولاسيما في مجال النقل وتوسعة الطرق وانشاء الساحات العامة والمجمعات الصحية وغيرها من الخدمات الضرورية”. ونسى السيد الكربلائي أن يضيف هنا أن الشركات التابعة للحوزتين العباسية والحسينية والمرتبطتين بشكل أو بآخر بالمرجعية وباقي الاحزاب الأسلامية جاهزة لانجاز هذه المشاريع لزيادة ملياراتها من قوت الشعب البائس، كون العمل هنا عبادة!!!.
لا أرى في آخر هذه المقالة الأ أستعارة بعض ما جاء في أحدى خطب الأمام علي البليغة وهو يصف أهل العراق حينما قال “يا أشباه الرجال ولا رجال! حُلومُ الأطفال وعقول ربّات الحجال، لَوَدَدتُ أنّي لم أركُم ولم أعرفكم معرفة، معرفة والله جرت ندما وأعقبت سَدَما”.
لله دُرّك يا أبا الحسن فها نحن لليوم لا نزال للحق كارهون وللظلم خانعون، نرى الحق فنحيد عنه ونرى الباطل جهارا نهارا فنميل أليه وها نحن نضع عراقنا في مهب ريح صرصر عاتية.
صدقت يا علي وأنت تقول “إذا غضب اللهُ على أمّة غَلت أسعارها وغَلَبَها أشرارُها”.