نتائج “انتخابات” 2018 : مقصلة معلقة فوق الرقاب

ثامر حميد

ليس من السهل على من يمعن النظر في نتائج “انتخابات” البرلمان العراقي لسنة 2018 أن يخرج باستنتاج أن الانتخابات كانت معبرة ولو بدرجة مقبولة عن إرادة غالبية الناس او توازن القوة الحقيقي الذي انتجته التطورات والتي تمثلت بالدرجة الأولى بالانتصار العسكري النهائي على الإرهاب وما افرزه هذا الانتصارمن استقطابات جديدة في الوسط الشيعي والسني والكردي على حد سواء وربما أهم من ذلك كسر الحدود التي كانت قائمة بين العراقييين باسم المذهب أو القومية والذي ترجم نفسه بقوائم مختلطة كانت يمكن لها، لو تركت تأخذ مسار التطور الطبيعي، أن تخلق وضعا جديدا على مستوى علاقات القوى لم يشهده العراق منذ 2003.

. فعلى المستوى الشيعي برزت قوى جديدة ولو أنها بوجوه قديمة وأهمها القوة التي يمثلها السيد حيدر العبادي ومن ثم القوة التي يمثلها السيد هادي العامري. وكلا القوتين كسرتا الحواجز التي اصطنعت عشية 2003 فرأينا العامري يقيم مهرجا انتخابيا في الأنبار والعبادي يجول في كردستان مروجا لقائمته.

. وعلى الصعيد الكردي عاش الحزبان اللذان هيمنا على الواقع الكردي لعقود طويلة أزمة ثقة حقيقية في علاقتهما بالجماهير الكردية والذي ترجم نفسه بحراك في الشارع الكردي وانبثاق قوى جديدة معبرة بشكل صادق عن هذا الشارع.

وعلى الصعيد السني كانت الجماهير مصممة على الخلاص من الوجوه التي ساهمت بالتسبب بماساتها وكانت هذه الوجوه تعيش خوفا حقيقيا من انتهاء دورها على المسرح السياسي للأبد لولا أن الانقاذ جاءها من حيث تعلم أو لا تعلم (ربما علم بعضها ولم يعلم الآخر).
وعلى المستوى الجماهيري كان هناك مزاج عام يتسم بالاشمئزاز واليأس من التغيير الحقيقي ترجم نفسه ، للأسف، بعزوف بدل من أن يكون قرارا حاسما بإحداث التغيير (تقول المفوضية أن نسبة المشاركة 44.5 وسط تشكيك الكثيرين بهذه بأرقام المفوضية بينما كانت النسبة 60 بالمائة في انتخابات 2014 ).

ولم تأت نتائج الانتخابات لتعكس ما حصل على مستوى الطبقة السياسية وعلاقتها بجماهيرها من تغيرات واستقطابات أو ما طرأ من تغير على مستوى المزاج الجماهيري وخياراته. وإذا أخذنا نتائجها على مستوى الجبهات الثلاث الرئيسية يمكن القول أنها كانت وصفة للعودة إلى الوراء وربما بمآلات أخطر مما سبق. ويمكننا أن نلاحظ التالي:

على الجبهة الشيعية جاءت النتائج لتخلق وضعا معقدا جدا يمكن أن ينذر بأزمة عميقة على مستوى التوافق بين القوى السياسية المهيمنة على هذه الساحة والمتنافسة في آن واحد وذلك من خلال نزع نواة الاستقطاب أو الاجتماع، مهما كان رخوا، تلك النواة التي مثلته قوة كتلة دولة القانون أولا، ومن ثم وحرمان أية قوة في هذا الوسط من أن تصبح نواة استقطاب أو إجماع جديدة، ثانيا.

وعلى الجبهة الكردية (أعطيتها السبق على الجبهة السنية لأن هذا هو ما سيكون عليه الحال) أعادت نتائج الانتخابات تأكيد هيمنة الحزبين الكرديين التقليديين مع أفضلية واضحة للحزب الديموقراطي الكردستاني الذي ارتفعت مقاعده عن السابق بينما حافظ الاتحاد الوطني على المستوى القديم. وقد خرجت التكوينات السياسية الجديدة والتي نشأت على خلفية أزمة السلطة أو التسلط في الإقليم بنتائج هي اضعف بكثير مما كان يتوقعه الكثيرون وهو أمر مثيير للاستغراب .

على الجبهة السنية انتقصت النتائج من قوتها (انخفض تمثيلها من أكثر من 70 إلى 45-أنظر تصريح زيد سويدان الجنابي من التجمع المدني للإصلاح بزعامة سليم الجبوري) وبالتالي قوتها كطرف في مواجهة الأطراف الأخرى كما وابقت على العديد من الوجوه القديمة الأمر الذي ولد امتعاضا شديدا خاصة في مدينة الموصل المدينة التي عانت كثيرا والتي كانت تحمل آمالا كبيرة بالتغيير.

وبالعودة إلى الجبهة الشيعية فإن أي محاولة من الأطراف “الفائزة” من أجل إيجاد “صيغة لملمة” يتطلب كشرط أولي تشكيل نواة تجذب أو تضطر الآخرين إلى الإلتحاق بها لتشكيل كتلة موحدة تقدم نفسها ككتلة صلدة يعول عليها تضم في صفوفها- وهذا ما حصل- تنويعات الطيف العراقي . هذه النواة يمكن، على سبيل الافتراض، أن تظهر على إحدى الصيغ التالية والتي تحمل جميعها تناقضا بدرجة قليلة أو كبيرة:

أولا: إن اجتماع أو جمع القوة الأولى مع القوة الثانية (الصدر+العامري 54+47=101) يعني الجمع بين من كان متمردا على الحشد الشعبي كمؤسسة إلى درجة وصفها ب “الميليشيات الوقحة” مع من قدم نفسه مرشحا رسميا للحشد، بين كاره لحزب الدعوة ولزعيمه المالكي ومن يحمل له الود، بين من يروج لشعار إبعاد إيران عن الشأن العراقي ومن يعتبر التاثير الإيراني مقبولا إن لم نقل مرغوبا به لموازنة التدخل الإقليمي من جهة وامتنانا للدعم الذي حصل عليه الحشد الشعبي من إيران. فمن الذي يمكن أن يتنازل عن مواقعه ومواقفه للآخر لتشكيل نواة محتملة؟

ثانيا: القوة الأولى مع القوة الثالثة (الصدر+العبادي 54+42=96) هنا أيضا نتحدث عن كاره لحزب الدعوة وإبن هذا الحزب رغم أن هذا الأخير استطاع أن يختط لنفسه طريقا مستقله ولكنه لا يبدو لحد الآن ميالا أو راغبا في الانسلاخ من الحزب خاصة وأنه لم تتبين له أفضلية واضحة لهذا الخيار تجعله يكسب أكثر مما يخسر وربما كان قد فعل ذلك لو كان قد حصل على المرتبة الأولى. لذلك فإن الحديث المتداول حول طلب الصدر من العبادي ترك حزب الدعوة كشرط لموافقته على ترشيحه لولاية ثانية يبدو قابلا للتصديق لأنه يتناسب ومواقف الصدر التقليدية من الحزب ولمعرفتة أن للعبادي تحفظات على زعامة المالكي كان قد عبر عن عنها بطريقة غير مباشرة أبان تسلمة رئاسة الوزراء قبل أن “يهدئ اللعب” مع تقدم السنين. إن خسارته المجانية لحزب الدعوة يمكن أن يترك ظهره مكشوفا للطعنات ذلك أن 42 مقعدا لا يمثل رقما صعبا.

أما اجتماع القوة الأولى بالقوة الرابعة (الصدر+دولة القانون) فإنه ضرب من المستحيل بسبب العداء الذي يكنه الصدر له أولا ولأن مقاعد دولة القانون هي من القله بحيث لا تغري أحدا (قريب مما حصل عليه الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي خرج “منتصرا” على الجماهير الكردية من أزمته بينما خرج دولة القانون وقد خسر أكثر من ثلثي مقاعده (من 92 إلى 26) – أليست مفارقة؟).

أما بالنسبة لتيار الحكمة والذي، بطريقة مثيرة للتساؤل، حافظ على قوته السابقة رغم أنه كان نتاج انقسام كتلة دولة المواطن والمجلس الإسلامي الأعلى، فأرجح أن يكون رقما ملحقا بالنواة الكبرى بغض النظر عمن ستضم فهو ليس لديه عداوة خاصة أو صداقة خاصة مع أي من الكتل الشيعية الفائزة.

وماذا بالنسبة لاحتمال آخر يستبعد سائرون؟إن اجتماع “الفتح” مع “النصر” مع “دولة القانون” (47+42+26=115) سوف يعني إما قبول العبادي بأن يكون العامري مرشحا لرئاسة الوزراء كونه صاحب الكتلة الأكبر في التجمع وهذا خيار المضطر لن يلجا إليه طالما كان لديه أمل بأن “سائرون” سوف يقبل به رئيسا للوزراء دون شروط لا يستطيع تنفيذها كما و أنه خيار سوف يضعه تحت ضغط قد يأتيه من المالكي وهو ما اعتقد أنه قد تخلص منه عندما شكل لنفسه كتلة مستقلة. وقد يلوح بهذا الاحتمال ليساوم به “سائرون” لينتزع منهم الموافقة على رئاسته للوزارة. وبالطبع يمكنه أن يقبل بتجمع كهذا يرشحه ليكون رئيسا للوزراء وهذا يتطلب تنازلا غير عادي من العامري صاحب الكتلة الأكبر في التجمع. وماذا لو عرض عليه المنصب “سائرون” لينتزعه من “براثن” العامري والمالكي وفعل الشئ نفسه “الفتح” و”ودولة القانون” لينتزعه من “براثن” الصدر؟قد تضعه هذه العروض في وضع يمكنه من أن يساوم وفق شروطه وأهما منحه الصلاحيات الكاملة دون عرقلة والمحافظة على الاستقلالية النسبية لكتلته فيما يخص التصويت على مشاريع القوانين في البرلمان وهذه المطالب يمكن أن يلتزم بها “الفتح” و”القانون” ولكن لا ضمانة بأن يلتزم بها “سائرون” الذي سوف يظل يعتبر نفسه صاحب القرار الأول بالشؤون الحساسة.

وفي كل الأحوال فإن خيارا كهذا يلجأ إليه العبادي حتى لو ضمن له رئاسة الوزارة سوف لن يرضي الولايات المتحدة ودول الخليج التي ظن أنه كسب ودها وسوف يكون مدعاة لأن تتدخل لعرقلة عمله وليس تسهيله فالعامري والمالكي ليسا محل ثقتهم خاصة لجهة موقفهما من إيران.

أما بالنسبة للعامري فقد يفضل هذه الصيغة إذا وجد أن “سائرون” لن تمنحه الأمل بأن يكون رئيسا للوزراء إذا ما تحالف معها.

و بالنسبة للمالكي فإن خيارا كهذا، سواء كان رئيس الوزراء العامري أم العبادي، سوف يفرحه لأنه سوف يرى في ذلك، بشكل ما، عودة ائتلاف دولة القانون إلى الصدارة رغم خسارته الانتخابات تحت هذا العنوان وهو ما سوف يزعج “سائرون” أيما إزعاج فيلجأ إلى خيارات متطرفة سنتعرض لها.

ويمكن لتجمع كهذا (العامري-العبادي-المالكي) أن يتعزز بانضمام تيار الحكمة بزعامة السيد عمار الحكيم ولكن هذا الاحتمال يبقى موضع شك كبير ففي لحظة كهذه سيفضل ابناء المرجعيات الوقوف معا كما وأن تيار الحكمة سوف يجد راحة أكبر بالعمل مع علمانيي “سائرون” مما سيجده بالعمل مع المالكي والعبادي. وليس هناك من مغريات يمكن أن يقدمها هذا التجمع للسيد عمار لا يستطيع أن يقدمها “سائرون” وربما أكثر. وهذا يعني إمكانية أن تتشكل نواة أخرى موازية أو مضادة تضم “سائرون” و”الحكمة” (54+20=70) وقوى أخرى سنية وكردية وكذلك السيد علاوي، الدائم التحفز ، سيكون هدفها الأول إفشال عودة الروح ل “دولة القانون.

ولكن السؤال المهم بل المصيري هو هل أن تجمعا كهذا يستبعد (سائرون) يمكن أن يتم دون مآلات خطيرة؟ لا شك أنه سوف يحدث شرخا عميقا بالجبهة الشيعية وتعقيدات وربما اضطرابات غيرمسبوقة ستجعل من الطرف الشيعي الخاسر الأكبرالأمر الذي سوف يعزز وضع الطرف الكردي والسني (مصائب قوم عند قوم فوائد). وحتى لو افترضنا أن “سائرون” قد يتحمل تجمعا كهذا يعزله فيعتبره جزءا من اللعبة السياسية فإنه لا شك سوف يعمد إلى رد مقابل (وهو الجرئ الذي لا تقف أمامه موانع) فيلجأ بأن ينتقل (الأرجح هو والحكمة) إلى الجهة الأخرى فيدعو أطرافا سنية وكردية لا يهمه من تكون وكذلك السيد علاوي إلى تشكيل الكتلة الأكبر مقابل تنازلات مغرية ستجد فيها الأطراف الكردية والسنية فرصة تأريخية لأخذ زمام المبادرة من الطرف الشيعي والذي لو فقدها لن يستطيع استرجاعها مجددا.

إن مخاطر هذا الخيار بالنسبة للسيد الصدر هي أنه سوف يكون طرفا ضعيفا في تجمع خارج البيت الشيعي إذ لن يجد من يستقوى به في حال برز خلاف مع اي طرف من الحلفاء الجدد فهو في نهاية الأمر لا يملك إلا 54 مقعدا كما وأن العلمانيين الذين ضمتهم كتلته لا يمكن ضمان أن يكونوا في صفه في خلاف قد ينشأ مع حلفائه. ولكني أعتقد أنه، رغم هذه المخاطر، فإنه سيلجأ إليه دون تردد إذا بدت بوادر لاستبعاد “سائرون” فيكون لسان حاله “علي وعلى اصحابي” الذين “خانوه”. لذلك فإن العبادي والعامري والمالكي أعقل من أن يلجأوا لخيار العزل إذ يدركون مخاطره عليهم جميعا. وأعتقد أنه بالنسبة للعبادي والعامري فإن التضحية بالمالكي أفضل لهم من خيار عزل الصدر.

لذلك يمكن القول أن خيار عزل الصدر هو أقرب شئ لاختيار الكارثة وهنا مصدر القلق الحقيقي لإيران إذا ما تحدثنا عن مخاوفها. تتحدث الأنباء عن لقاءات يقوم بها قائد فيلق القدس قاسم سليماني الموضوع على لائحة العقوبات الأمريكية مع أطراف سياسية وهي أخبار لا أستطيع الوثوق بها فحتى لو كان سليماني يمتلك مهارات سياسية وتفاوضية فإن القوة العسكرية التي يرمز لها لا تجعل منه الخيار الإيراني الأفضل في بحث شؤون انتخابية عراقية والأمر يتطلب أعلى مستوى من الديبلوماسية الإيرانية لتقريب الأطراف الشيعية من بعضها لأنني أعتقد أن نتائج الانتخابات قد قرأتها إيران على أنها موجهة بدرجة كبيرة نحوها وأن الولايات المتحدة قد اختارت العراق لأن يكون ساحة مواجهة رئيسية معها كجزء ربما يكون الأهم في حملتها الأخيرة ضدها اي أهم من ساحة سوريا التي يتقدم فيها النظام وحلفاءه ويتراجع الأمريكيون وحلفائهم ومن ساحة لبنان حيث أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة تقدم حزب الله وحلفاءه. أما إذا صحت الأنباء بأن سليماني يقوم بجهد ديبلوماسي فربما أرادت إيران أن تبلغ الولايات المتحدة من خلال نشاطه أن مصالحها في العراق ليست أقل إن لم تكن أكبر من مصالح الولايات المتحدة وأنه لو تطلب الأمر منها مجهودا عسكريا للحفاظ على أمنها ومصالحها فلن تتردد بالقيام به ولديها حلفاء في العراق يتفهوم موقفها.

لذلك يتوقع من الإيرانيين أن يصروا على أن الأطراف الشيعية يجب لا تختلف على من يكون رئيس الوزراء المقبل بل أن يركزوا على وحدة جبهتهم وأنها لن تمانع في أن يكون للسيد الصدر الكلمة الفصل في اختيار من يكون المرشح لمنصب رئيس الوزراء وسوف تغض النظر عن كون الصدر قد عرف سابقا بشعاراته المناهضة لإيران. ولن تمانع إيران أيضا بأن يتم التضحية بكتلة دولة القانون إرضاء للسيد الصدر و لا ندري إن كان السيد الصدر سيجد في ذلك فرصة فريدة “لتصفية” حسابه معها رغم أن جميع الأطراف الشيعية وكذلك إيران سوف تعمل على اقناعه بالعدول عن هذا الخيار. وتفيد بعض التقارير ان هناك تشجيعا للصدر من أطراف خارج الجبهة الشيعية باللجوء إلى هذا الخيار فهي تروج لاستبعاد حزب الدعوة ليس من التجمع وحسب بل ومن أن يكون منه رئيسا للوزراء وهي إشارة إلى العبادي للضغط عليه لترك الحزب. وإذا صحت الأخبار بأن السيد علاوي قد دعا الصدر إلى هذا الخيار فهو كعادته يفعل ما تطلبه منه القوى الإقليمية والدولية الداعمة له. و لا يمكن استبعاد أن تكون هناك جهودا منسقة لجعل السيد الصدر يلح بمطالبه على حلفائه المحتملين.
وبالعودة إلى الجبهة الكردية فإن خروج الحزب الديموقراطي الكردستاني كقوة رقم واحد في الإقليم (زادت مقاعده عكس التوقعات) هو بمثابة تعويض له عن “الخذلان” في موضوع الاستفتاء وما انجر عنه من نتائج مؤلمة على الحزب كان يمكن أن تطيح بنفوذه المهيمن في انتخابات لا يد لأحد فيها.

أما الاتحاد الوطني الكردستاني فإن ما حصل عليه (نفس العدد السابق من المقاعد) فهو ربما كان فيه إشارة إلى عدم الرضى عن علاقتة مع إيران رغم أن حصوله على غالبية واضحة في كركوك (مفاجئة لأهل كركوك من العرب والتركمان) تحمل في طياتها إغراء له أن كركوك سوف تعود لقيادته في انتخابات مجالس المحافظات القادمة في خطوة تحضيرية لعودتها للحضن الكردستاني.

وبشكل عام فإن توزع القوة بالشكل التي جاءت به “انتخابات” كردستان سوف يعيد في زمن قادم، وبطرق أخرى مبتكرة تختلف عن طرق السيد مسعود الهجومية والاستفزازية وتحت قيادة نيجرفان بارزاني هذه المرة، إحياء مشروع الاستقلال الكردستاني خاصة وأن البيت الشيعي بات مفتوح على احتمالات التفكك وأن قائمة العامري والعبادي العابرة للطوائف والقوميات سوف لن تحقق اختراقات مهمة وأن “أبطال” الإقليم السني القدامى لم يلقوا السلاح وأن الجماهير، عربية كانت أم كردية أم تركمانية أم غيرها، لا تعيش وضعا ثوريا و لا وجود لتحالفات اجتماعية طبقية مؤثرة يقودها يسارجديد. ويوهم المدنيون والعملانيون في (سائرون) أنفسهم أن شعار محاربة الفساد الذي نادى به الجميع فاسدين وغير فاسدين قد حملهم إلى مواقع جديدة وأنهم سوف يجترحون المعجزات متناسين أنهم وكثير غيرهم مطلوب منهم أن يكونوا أداة لتسهيل المشروع الأمريكي الخليجي لتحويل العراق إلى ساحة مواجهة ساخنة مع إيران وأن نتائج “الانتخابات” ليست أكثر من الخطوة الأولى نحو هذا الهدف حتى لو أدى ذلك في النهاية إلى نحر العراق كما نحر أول مرة بخوضه حربا دامت 8 سنوات لم يخرج منا أحد بشئ غير الضغائن التي لا زالت جذورها لم تمت بعد.

ورغم أن نتائج “الانتخابات” تظهر أنها أقرب إلى الفضيحة من اي شئ آخر يبدو أن دعوة العبادي والعامري للقبول بنتائجها وركون دولة القانون إلى الهدوء ناتج عن إدراكهم أن هذه النتائج تستهدف بالدرجة الأولى تفكيك الجبهة الشيعية كمقدمة لشئ يهيئ لإيران. إن الكثير يعتمد على إدراك “سائرون” وبالأخص منهم أنصار السيد الصدر أن “نشوة النصر” سوف تنتهي سريعا ليتبعها استحقاق جدي يتطلب وعيا لخطورة ما يرسم.